شبكات اللوبي الإسرائيلي في الدهاليز الأوروبية

14 مايو 2016
يغطي اللوبي جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين(حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
كشف "منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني"، أمس الجمعة، في لندن، عن تقرير غير مسبوق، يرصد جوانب مثيرة من هوية بعض منظمات "اللوبي الإسرائيلي في الاتحاد الأوروبي"، لا سيما المؤسسات الناشطة في محيط بروكسل، عاصمة ومقر صنع القرار في الاتحاد الأوروبي. يقدّم التقرير الذي أعدّه أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة باث البريطانية البروفيسور ديفيد ميلر، والباحث والصحافي ديفيد كرونين، والأستاذة الأميركية الزائرة في جامعة جوهانسبيرغ في جنوب أفريقيا سارة ماروسيك، بيانات موثقة عن هوية كثير من مجموعات الضغط الأوروبية التي تتلقى تمويلاً مباشراً من اللوبي الإسرائيلي في أوروبا، مقابل دعم الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع في الضفة الغربية. كما يكشف التقرير عن الضغط الذي يمارسه اللوبي المُؤيّد لإسرائيل على أعضاء البرلمان الأوروبي للحيلولة دون أي قرار لا يتناسب ومصالح إسرائيل، مثل فرض العقوبات أو المقاطعة أو حتى مجرد الإدانة في ما يتعلق بانتهاكاتها لحقوق الإنسان.

ويحلل التقرير الذي جاء في حوالي 75 صفحة باللغة الإنجليزية، أدوات وأساليب اللوبي المؤيد لإسرائيل لتقويض الحملات لشعبية العاملة من أجل العدالة في فلسطين، وتضليل الرأي العام الأوروبي، مع التركيز على إظهار العلاقات المميزة بين أوروبا ودولة إسرائيل "الديمقراطية". إضافة إلى ما يكشفه تقرير "اللوبي الإسرائيلي والاتحاد الأوروبي" عن الطابع العابر للأطلسي في تمويل اللوبي الإسرائيلي، خصوصاً أن معظم المجموعات الموالية لإسرائيل التي تم إطلاقها حديثاً في بروكسل لها صلات مالية و/أو تنظيمية مع بعض العناصر الأكثر يمينية وعداءً للإسلام من اللوبي الإسرائيلي القوي في الولايات المتحدة.

التضليل في الخطاب
يبدأ التقرير بإبراز التضليل الذي يمارسه الخطاب الدعائي الإسرائيلي، من قبيل الادعاء بأن "مقتل أكثر من ألفي فلسطيني أثناء الحرب على غزة في العام 2014، إنما كان بسبب استخدام حركة حماس المدنيين كدروع بشرية"، وكيف أن هذا الخطاب "الدعائي التضليلي" سرعان ما يتردد في الدوائر الرسمية الأوروبية، من دون أي اعتبار من هذه الدوائر للرواية الفلسطينية، وحقيقة ما تقوم به حكومة بنيامين نتنياهو والجيش الإسرائيلي من عدوان قاسٍ ضد المدنيين في أكثر مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان، مع تجاهل كامل لانتهاكات إسرائيل المُتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار للعام 2012 مع حركة حماس. والأهم من ذلك مُسارعة الدوائر الرسمية الأوروبية إلى تبني خطاب يُصوّر "إسرائيل على أنها الضحية" ويتجاهل احتلالها للأراضي الفلسطينية، وما تمارسه من سياسات تهويد وتطهير عرقي واستيطان واعتقال وإبعاد بحق المواطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وحصار ظالم لقطاع غزة. ودون الإشارة أيضاً إلى إسرائيل وما تمارسه من سياسات الفصل العنصري.
ويرصد التقرير أهم العناوين التي يتمحور حولها الخطاب الإعلامي المؤيد لإسرائيل، بما في ذلك "لوم المسلمين المتطرفين وتحميل المسلمين مسؤولية الإرهاب" الذي يتهدد أوروبا، والتحريض على المقاومة الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص حركة "حماس"، والتحريض على إيران وحزب الله. في المقابل، تمارس منظمات اللوبي الإسرائيلي مراقبة صارمة على منتقدي إسرائيل، مع السعي إلى إسكات الأصوات "المعادية للسامية".
وبهذه المقدمة، يُمهّد التقرير إلى البحث أكثر في خبايا الشبكة الدولية من جماعات الضغط، التي تدفع السياسيين الغربيين لقبول "الرواية الإسرائيلية"، والترويج لأفكار دعائية من قبيل أن إسرائيل "دولة ديمقراطية"، وأن ما تقوم به مجرد دفاع عن النفس ضد الهجمات الصاروخية الفلسطينية. وغالباً ما تعمل هذه المجموعات معاً، وبالتنسيق الوثيق مع الحكومة الإسرائيلية ودبلوماسييها، لتكوين ما يُعرف باسم "اللوبي الإسرائيلي". ويوضح التقرير أن مصطلح "اللوبي الإسرائيلي" يشير إلى مجموعة من المؤسسات البحثية والرأي، وجماعات الضغط، والمنظمات الإعلامية، ومن يقف وراء هذه المجموعات في الحكومة الإسرائيلية، أو غيرها من المؤسسات "المحافظة"، ومصادر التمويل الأخرى. ويؤكد الباحثون أن مصطلح "اللوبي الإسرائيلي" لا يشير بأي حال إلى منظمات متجانسة، وإنما يُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى ائتلاف فضفاض من الأفراد والمنظمات التي تمثل مصالح متنوعة، ولكنها جميعاً تعمل بنشاط من أجل صياغة سياسة مُؤيدة لإسرائيل، كما أن مصطلح "اللوبي الإسرائيلي" يظل قاصراً عن تغطية كل المجموعات والمنظمات التي هي جزء من الحركة الصهيونية على نطاق أوسع.

أصدقاء إسرائيل
من أهم المنظمات التي يرصد التقرير نشاطها، مجموعة "أصدقاء إسرائيل في أوروبا" التي أسسها أعضاء من حزب المحافظين البريطاني عام 2006، وتعدّ أكثر جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل نفوذاً في بروكسل. وتماثل هذه المجموعة مجموعات اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا، لا سيما "مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين"، ومجموعة "أصدقاء إسرائيل في حزب العمال"، ومجموعة "أصدقاء إسرائيل في الحزب الليبرالي الديمقراطي". وتزامن تأسيس مجموعة "أصدقاء إسرائيل" في أوروبا مع تزايد تأييد فصائل اليمين المتطرف في أوروبا لإسرائيل، حيث رأت جماعات يمينية متطرفة في الفاشيين الجدد في إسرائيل حليفاً مُحتملاً في معركتهم ضد "التهديد الإسلامي".
والرئيس المؤسس لمجموعة أصدقاء إسرائيل الأوروبية، هو ستيوارت بولاك، الذي ترأس مجموعة "أصدقاء إسرائيل" في حزب المحافظين البريطاني في الفترة من 1989 حتى 2015. وقد ورد اسمه كواحد من المئة شخصية يمينية الأكثر نفوذاً في المملكة المتحدة، في القائمة التي نشرتها صحيفة "ديلي تلغراف" عام 2007. وفي خطاب ألقاه عضو البرلمان الأوروبي عن حزب المحافظين البريطاني، تشارلز تانوك، بمناسبة الإعلان عن تأسيس "مجموعة أصدقاء إسرائيل في أوروبا"، قال: "نحن نعمل بجهود عالية في البرلمان الأوروبي على مدى سنوات طويلة لبناء شبكة من أصدقاء إسرائيل، وقد تحقق ذلك الليلة".
وتظهر الأوراق التي قدّمت إلى السلطات البلجيكية، أن "مجموعة أصدقاء إسرائيل في أوروبا" تأسست رسمياً كمؤسسة غير ربحية من قبل ستيوارت بولاك، ومارك كوغن، وهو أكاديمي بلجيكي، وهدفها المعلن هو توحيد مختلف الجماعات الموالية لإسرائيل داخل البرلمانات الوطنية لدول الاتحاد الأوروبي، من خلال تنسيق أنشطتها والجمع بينها في مجموعة واحدة في البرلمان الأوروبي.

أما المنظمة الثانية التي يتناولها التقرير، فهي "مبادرة أصدقاء إسرائيل" التي تم الإعلان عن تأسيسها في باريس في 31 مايو/ أيار 2010. وطبقاً للمعلومات المنشورة على الموقع الإلكتروني للمبادرة التي ترأسها رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أزنار، فإن تأسيس المبادرة جاء رداً على "حملة غير مسبوقة" من "نزع الشرعية" شنها "أعداء الدولة اليهودية"، مدعومين من عدد من المؤسسات الدولية، ضد إسرائيل التي هي "جزء لا يتجزأ من الغرب، فإما نصمد معاً أو نسقط معاً".

وتزامن إطلاق هذه المبادرة في اليوم نفسه مع مهاجمة القوات الإسرائيلية لسفينة مرمرة التركية التي كانت تحاول كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل تسعة نشطاء. وشارك في تأسيس المبادرة كل من: الملياردير الإيطالي الأميركي روبرت آغوستاينيللي، السفير الأميركي السابق إلى الأمم المتحدة جون بولتون، رئيس بيرو السابق أليخاندرو توليدو.
ويقدّم التقرير قائمة طويلة بأسماء منظمات أخرى تنشط في بروكسل من أجل دعم إسرائيل، أو توطيد العلاقات الأمنية والعسكرية والتجارية والصناعية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي مثل "المؤسسة الأوروبية لأجل الديمقراطية"، "الجمعية الأوروبية الإسرائيلية للصحافة"، "مؤسسة حلفاء إسرائيل"، "التحالف الأوروبي لأجل إسرائيل"، "مجموعة القادة الأوروبيين" (جويش نيوز ون)، "المركز الأوروبي للمعلومات الاستراتيجية والأمن".
ويذكر التقرير أن جهود "أصدقاء إسرائيل في أوروبا" و"مبادرة أصدقاء إسرائيل" توجّهت في السنوات الأخيرة نحو المنظمات اليمينية الأوروبية التي باتت تركز بدرجة أقل على معاداة السامية، مقابل التحوّل لكراهية الإسلام، وترى في إسرائيل حليفاً مُحتملاً في المعركة مع الإسلام.


جمع المعلومات

يقول معدو التقرير إنهم اعتمدوا في عملهم على منهج بحث يُعرف باسم "البحث في بناء السلطة"، ويقوم على بُعدَي: تحليل الشبكة، وتحليل المحتوى. تحليل الشبكة، يقدّم خرائط للأفراد والمنظمات وصلاتهم، ومدى تأثيرهم على السلطة. أما تحليل المحتوى، فيبحث في تحليل الفكر والسياسات التي تجمع هذه المنظمات. أما عن جمع المعلومات، فيقول معدو التقرير إنهم اعتمدوا على المواد المُتوفرة على الإنترنت، بالإضافة إلى ما أمكن الوصول إليه من وثائق، ومنشورات داخلية، وبيانات، ولا سيما الوثائق المالية المقدمة من قبل المؤسسات الخيرية الأميركية لدائرة ضريبة الدخل، وإلى حد أقل على التقارير المالية المُقدمة من الجمعيات الخيرية إلى مفوضية المؤسسات الخيرية في المملكة المتحدة. وحسب معدي التقرير، فإن هذه الوثائق تُعدّ مصدراً مهمّاً لتعقّب الأموال التي تتدفق على جماعات الضغط المختلفة، وتقدّم أدلة عن المنظمات والأفراد الذين يموّلون اللوبي الإسرائيلي، وصلاتها مع المصالح الاقتصادية والسياسية، لأن المال هو شريان الحياة لجماعات الضغط، كما يقول التقرير.

وفي ما يتعلق بتمويل منظمات اللوبي الإسرائيلي في الاتحاد الأوروبي، يورد التقرير قائمة طويلة من أسماء المنظمات والهيئات والأفراد الذين يقدمون الدعم المالي لجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، مثل قطاع الصناعات الفضائية الإسرائيلي، الذي يُعتبر، حسب التقرير، من أول داعمي "أصدقاء إسرائيل في أوروبا"، ثم هناك قطاع الصناعات العسكرية. ويشير التقرير كذلك إلى حجم التمويل الذي يتدفق من الولايات المتحدة إلى اللوبي الإسرائيلي الأوروبي، من أفراد أمثال الملياردير ألكسندر ماشكيفتش، الملياردير شيلدون أديلسون (المقرّب من نتنياهو)، والسياسي اليميني دانيال بيبس، ومن منظمات مثل "منتدى الشرق الأوسط" الذي ينشط في بث الدعاية المعادية للإسلام على ضفتي الأطلسي، و"معهد الشرق الأوسط للأبحاث" ومؤسسة "ستاند وذ اص".

يُذكر أن التقرير أُنجز بدعم من "منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني" ومؤسسة "المصلحة العامة للتحقيقات". و"منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني" (EuroPal Form)، هو منظمة مستقلة للدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ويعمل لبناء علاقات مع المؤسسات الرسمية والمجتمعية والأفراد في جميع أنحاء أوروبا لنشر الوعي بحقيقة القضية الفلسطينية، وتكوين رأي عام إيجابي وبناء لجهة الحقوق الفلسطينية. ويهدف المنتدى إلى تعزيز الحوار والتفاهم بين الفلسطينيين وصنّاع القرار الأوروبيين، وصولاً إلى سياسة خارجية أوروبية عادلة ومنصفة لحقوق الإنسان الفلسطيني، ومؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. أما مؤسسة "المصلحة العامة للتحقيقات" المعروفة باسم "Spin watch"، فهي مؤسسة غير ربحية مستقلة، تأسست عام 2004، وتعمل على نشر الوعي لفهم دور العلاقات العامة، والدعاية، وجماعات الضغط في حشد التأييد لجهة المصالح التي تدعمها.

المساهمون