تونس: الائتلافات الحكومية تتبدّل والصيد باقٍ و"الآفاق" يستعد للمغادرة

20 ابريل 2016
يحتفظ الصيد بهدوئه رغم الأزمات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت الساحة السياسية التونسية في الأسبوعين الماضيين، تطوّرات لافتة، تقود كل مؤشراتها للاعتقاد بأن هناك سعياً لإحداث تغييرات على مستوى الائتلاف الحزبي الحاكم والبرلمان، تؤدي إلى تغييرات سياسية في الحكومة، وربما تقود لتغييرات في طبيعة خارطة التحالفات السياسية التونسية.

في هذا السياق، تفيد معلومات "العربي الجديد"، بأن "استمرار آفاق تونس في الائتلاف لن يطول، وأنه يجري البحث الآن عن صيغة تحالف جديدة، قد تشهد انضمام بعض الشخصيات الدستورية للائتلاف، على رأسها حزب المبادرة برئاسة كمال مرجان". وتكشف المعلومات أنه من "المحتمل أن ينصهر حزب المبادرة مع حزب الاتحاد الوطني الحر، برئاسة سليم الرياحي".

كما تكشف بعض التسريبات عن "احتمال طرح فكرة جديدة داخل البرلمان، يقودها حزب من خارج الائتلاف، تدعو إلى إنشاء كتلة جمهورية جديدة، داعمة لرئيس الدولة والحكومة. ويبدو أن لقاء رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بشخصية تونسية كبيرة سبق لها الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية، قد تكون وراء هذه الفكرة". مع العلم أن مسؤولين من "حركة النهضة" و"نداء تونس"، على رأسهم راشد الغنوشي وحافظ قائد السبسي، التقوا يوم الاثنين في مقرّ الحركة لبحث التطورات الأخيرة. 

أما بالنسبة للائتلاف الحاكم (نداء تونس، وحركة النهضة، والاتحاد الوطني الحر، وآفاق تونس)، فقد تمكن من الصمود لمدة عام ونصف عام منذ تأسيسه، على الرغم من عدم تجانسه وقيامه على معطيات سياسية ظرفية، لا مشاريع أو رؤى متقاربة. غير أن محدودية الخيار الاستراتيجي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة، وتكشف عن تصدّعات كبيرة داخل كل حزب من ناحية، وفي الائتلاف ككل من ناحية أخرى.

ومع اقتراب استحقاق الانتخابات المحلية بعد أقلّ من عام، وعلى وقع مؤتمرات عتيدة وحاسمة لهذه الأحزاب، وفي ضوء المشاكل الكبيرة التي تعصف بحزبي "النداء" و"الاتحاد الوطني الحر"، أعلن حزب "آفاق تونس"، العصيان والتمرّد على الائتلاف.

في هذا السياق، دعا رئيس "آفاق تونس"، وزير التنمية ياسين ابراهيم، إلى "إحداث تغييرات في الحكومة"، موجّهاً انتقادات كبيرة إليها لـ"عجزها في حلّ بعض المشاكل". وعلى الرغم من نفي مساعديه أن يكون قد طالب صراحة بتغيير حكومي، إلا أن انتقاداته كفيلة بالتعبير عن ذلك.

ولم يكن هذا التمرّد الأول من نوعه لحزب "آفاق تونس"، فقد سبق له أن صوّت مراراً ضد الحكومة، ما يعكس غياب التجانس بين أحزاب الائتلاف، لكن عملية التصويت على قانون البنك المركزي، الأسبوع الماضي، فضحت نواياه وعكست رغبته في الانفصال عن الحكومة.

ومع صمت باقي الأحزاب، ورئيس الحكومة الحبيب الصيد، أعلن "آفاق تونس" نيّته تأسيس جبهة برلمانية جديدة، لـ"إعادة التوازن داخل البرلمان". ولم يخفِ قياديون في الحزب عدم رضاهم عن تولي "حركة النهضة" أغلبية المقاعد في المجلس، بما يدعو وفقاً لهم إلى إعادة تشكيل المشهد البرلماني من جديد، وهو ما يقود بالضرورة إلى تغيير التحالف، ثم الحكومة.

وردّاً على هذه التحركات، قال القيادي بـ"حركة النهضة" عبد اللطيف المكّي، إن "حركة النهضة لم تحرص أن تكون الكتلة الأولى في البرلمان"، نافياً الاتهامات للنهضة بالسعي للهيمنة عليه. وأضاف في تصريح إذاعي، أنه "لو كانت النهضة تريد الهيمنة، لطالبت عندما أصبحت صاحبة المرتبة الأولى، بسحب الثقة من الحكومة وقامت بمشاورات جديدة لتعيين رئيس حكومة جديد". أما بما يتعلق بتشكيل الكتلة الجديدة التي دعا إليها "آفاق تونس"، فقد أشار المكي إلى أنه "إذا كان الهدف من تشكيل هذه الكتلة خدمة البلاد فستنجح، لكن إذا كان الهدف منها عزل النهضة فستفشل".

لكن النائب المستقل مهدي بن غربية، كان أكثر وضوحاً وصراحة، عندما أكد أن "حزب آفاق تونس، يريد إسقاط رئيس الحكومة الحبيب الصيد بمعارضتها للتصويت على مشروع قانون البنك المركزي"، مضيفاً في تصريح اذاعي أن "مخططاً بدأ يشتغل لإسقاط رئيس الحكومة".

وشدّد بن غربية على أنه "إذا لم يستطع الصيد إثبات سلطته على الحكومة، فإنه من الواجب حينها أن يستقيل"، معتبراً أن "إسقاط القانون الأساسي للبنك المركزي يهدف لإسقاط الحبيب الصيد". وختم بالتأكيد على أن "فكرة الكتلة الموحدة في مجلس نواب الشعب، هي بمثابة حصان طروادة لإسقاط الحبيب الصيد".

وفي وقتٍ حافظ الصيد على صمته وهدوئه، تولى الرئيس الباجي قائد السبسي، مهمة الرد على هذه التصريحات، نافياً وجود أزمة حكم قد تطيح برئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد، ومؤكداً أنه لن يتقدم بأية مبادرة لتعديل الدستور الحالي.

وقال السبسي، في حوار مع قناة "بي بي سي عربي"، إنه "لا وجود لبوادر أية أزمة في الحكومة، والحبيب الصيد هو مرشح حزب نداء تونس وأعتقد أنه رئيس حكومة في مستوى مسؤولياته وقام بمجهود كبير ويواصل ذلك، وإن كان هناك من يرغب في تغييره فهو ليس رئيس الجمهورية". غير أن مسؤولاً حزبياً رفيعاً من الائتلاف الحاكم، أكد لـ"العربي الجديد"، أن "هدف حزب آفاق كان إسقاط الحكومة، لأن تعطيل قانون البنك المركزي كان سيعصف بالحكومة ورئيسها، عاجلاً أم آجلاً".

وأوضح أن "تونس ستبدأ العام المقبل في تسديد جزء من ديونها البالغة 1.7 مليار دولار، وهو ما لا يتوفر، إلا بتمرير قانون البنك المركزي، الذي سيُمكّن من القيام بتعهدات جديدة مع المجموعة الدولية، التي كانت تنتظر اصلاح المنظومة المصرفية لتمنح تونس قرضاً جديداً بـ2.8 مليار دولار، وهو ما تمّ فعلاً بعد المصادقة على القانون".

في هذا السياق، اعتبر المصدر أن "هذا الأمر يُعدّ بمثابة الامتياز الخاص لتونس، لأن البنك الدولي يبدو بهذا القرار وكأنه يمنح تونس فسحة جديدة بسنوات، ويُجنّبها إعادة جدولة الديون. لهذا فإن محاولة إسقاط هذا القانون تُعتبر بمقام الخيانة للتضامن الحكومي، ومحاولة توجيه طعنة لرئيس الحكومة الحبيب الصيد".

في المقابل، يتساءل مراقبون، عن سرّ الموقف الغريب من "آفاق تونس"، وتوقيته، ومن يقف وراءه، حتى وصل الأمر بأحدهم إلى التساؤل إلى إمكانية وقوف دولة غربية (فرنسا) وراء هذا الموقف لـ"آفاق تونس"، في إشارة إلى تقارب بعض قياديي الحزب من بعض مواقع فرنسية نافذة.
المساهمون