ضغوط ألمانية وأميركية على مصر لـ"تحرير" المجتمع المدني

01 ابريل 2016
كيري وشكري في واشنطن (جيم واتسون/فرانس برس)
+ الخط -
احتلت أزمة منظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية العاملة في مصر، وإعادة ملاحقة النشطاء الحقوقيين قضائياً وأمنياً، موقع الصدارة في لقاءين بارزين، جمع الأول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بوزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير، مساء الأربعاء، بالقاهرة، وجمع الثاني، صباح أمس الخميس، بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري، والمصري سامح شكري، في قمة "الأمن النووي" في العاصمة الأميركية واشنطن.

في هذا السياق، أفادت مصادر دبلوماسية مصرية بأن "كيري أبلغ شكري بضرورة التوقف عن ممارسة ضغوط على النشطاء، وتخفيف قيود السفر عنهم، وتهيئة الأجواء لممارسة سياسة أكثر ديمقراطية"، معبّراً عن "قلق بلاده إزاء أوضاع حقوق الإنسان بصفة عامة، في ظل تعدد الشكاوى من حالة السجون المصرية، والتغوّل الأمني على الحريات العامة، وعدم إتاحة الفرصة للمعارضة السياسية الجادة، وتعدد الأحكام القضائية ضد رافضي سياسات النظام".

وأضافت المصادر أن "حديث كيري عبّر عن تصوّر غربي راسخ لصورة سلبية للغاية عن وضع الحريات في مصر، بالإضافة إلى تصوّر آخر مفاده أن النظام لا يتمتع باستقلال السلطات، ويتسم بالخلط بين اختصاصات السلطتين التنفيذية والقضائية، ما ينتج عنه عدم الاقتناع باستقلال المسار القضائي والأحكام التي تصدر ضد النشطاء والمعارضين عن المسار السياسي والأمني القائم على الملاحقة والتضييق".

كما أوضحت المصادر أن "شكري حاول خلال اللقاء التركيز على أن النظام يدعم استقلال القضاء، ويحقق التوازن بين حقوق الإنسان والاعتبارات الأمنية، بحجة أن البلاد تواجه حالة استثنائية منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان، وتحارب الإرهاب منفردة في سيناء، وأن مصلحة الولايات المتحدة تقتضي دعم مصر في هذه الحرب على تنظيم ولاية سيناء، التابع لتنظيم داعش، استخباراتياً ولوجيستياً".



وخارج الغرف المغلقة، ركز الوزيران على الملفات الإقليمية العلنية. وقال شكري في هذا الإطار، إن "المحادثات تناولت الأوضاع في كل من سورية وليبيا واليمن. وتضمّن تقييماً مشتركاً وتنسيقاً في ما يتعلق بتلك الملفات، بما يضمن دعم العملية السياسية وتثبيت وقف إطلاق النار في سورية، وكيفية تقديم الدعم لحكومة الوفاق الوطنية الليبية، وتعزيز قدرتها على إدارة شؤون الحكم ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تقييم المحادثات بين الأطراف اليمنية تحت رعاية الأمم المتحدة".

من جهته، اعتبر كيري أن "شكري يعتبر من أقرب نظرائه إليه على مدى السنوات الأخيرة، وأنهما عملا سوياً كشركاء في إدارة العديد من الملفات، وأن مصر تقوم بدور حيوي في الوقت الحالي في مساعدة الولايات المتحدة على التعامل مع الوضع في ليبيا بشكل مسؤول. كما تتعاون مصر مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، وأن الطرفين يعملان سوياً من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية في مصر".

بموازاة النشاط المكثف لشكري في واشنطن في رئاسة وفد مصر في قمة الأمن النووي، اكتست حافلات نقل ركاب أميركية في واشنطن بصور عملاقة لآثار ومناطق سياحية مصرية، كجزء من حملة إعلانية مدفوعة من السفارة المصرية بواشنطن لتنشيط السياحة الأميركية إلى مصر.

في هذا السياق، كشفت مصادر دبلوماسية مطّلعة أن "هذه الحملة هي ثمرة تعاقد السفارة المصرية بواشنطن مع شركة دعاية أميركية، سبق وتعاونت معها لتدشين حملة مشابهة خلال زيارة السيسي السابقة لنيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، وأن الحملة تمثل الخطوة الأولى التي تقدمها الوزارة في إطار تنفيذ توجيهات السيسي بتحسين صورة مصر بالخارج".

ورداً على سؤال عمّا إذا كان "تحسين الصورة" الذي قصده السيسي هو استخدام الدعاية لتنشيط السياحة وإبراز بعض مؤسسات الدولة، أبدت المصادر اعتقادها بأن "العبء الأكبر في تحسين الصورة حالياً، يقع على عاتق الدولة بالمضي قدماً في كشف الحقيقة في ملف اختطاف وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، وتخفيف القيود عن المجتمع المدني".

في سياق مماثل، رأت مصادر حكومية مطلعة أن "لقاء السيسي بوزير الخارجية الألماني تناول على نحو مكثف مستقبل عمل المؤسسات الألمانية المدنية في مصر، في ظل أزمتين أساسيتين: أولهما حل فرع منظمة كونراد أديناور بالقاهرة عام 2013، بحكم قضائي في الشق الأجنبي من قضية تمويل المنظمات، ورحيل منظمة فريدريش ناومان عن مصر. أما الأزمة الثانية فهي التضييق الأمني الذي تعانيه المنظمة الألمانية للتعاون الدولي والتنمية في مشروعاتها التنموية المختلفة بمصر".

وأضافت المصادر أن "الوزير الألماني أبلغ السيسي صراحة قلق بلاده من التضييق على مؤسسات المجتمع المدني الأجنبية، خصوصاً مع إعادة فتح قضية التمويل"، وهو ما دعا السيسي للتعهّد بتوفير الحماية اللازمة للمنظمات الألمانية العاملة في مصر، وتقنين أوضاعها.

وكشفت المصادر أن "السيسي أصدر توجيهات عاجلة لوزارات التعاون الدولي والداخلية والتضامن الاجتماعي بالعناية اللازمة بالمشاكل التي تواجه عمل هذه المنظمات، في إطار تحسين صورة نظامه، ولضمان استمرار التعاون الاقتصادي والاستثماري، وكذلك الأمني مع ألمانيا، التي تتولى منذ أقل من عام تدريب مبعوثين أمنيين مصريين في مجالات مكافحة الإرهاب والعنف وتنظيم الفعاليات الجماهيرية".

وعمّا إذا كانت هذه التعهدات الإيجابية خطوة أولى في طريق تخفيف القيود على المجتمع المدني بكامله، شدّدت المصادر على أن "هذا الكلام سابق لأوانه، لكن الضغوط الشديدة التي مورست على السيسي في الأسابيع القليلة الماضية، قد تُقلّل حدة الملاحقات السياسية والقضائية".