مصير الحسكة العربية: احتمالات "الانفصال" قبل الثورة وبعدها

18 مارس 2016
يُسيطر النظام على وسط القامشلي (عبد السلام عيسى/الأناضول)
+ الخط -


دخلت محافظة الحسكة السورية التي تسيطر عليها قوات "حماية الشعب" الكردية وحلفاؤها، مع عموم المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية شمال سورية، أمس الخميس، مرحلة جديدة قد تؤدي لانفصالها عن سورية، بعد إعلان مكوّنات ما يُعرف بـ"الإدارة الذاتية"، المؤلفة من كيانات سياسية واجتماعية، ويهيمن عليها حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" بزعامة صالح مسلم، إقرار وثيقة "النظام الاتحادي الديمقراطي لإقليم شمال سورية"، من بلدة رميلان، في ريف الحسكة الشمالي الشرقي.

ومع انطلاق الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، كانت الحسكة غائبة نسبياً عن الاحتجاجات، التي اجتاحت في البداية وسط وجنوب سورية، للمطالبة برحيل النظام السوري، قبل أن تتمدد وتصل جميع مناطق سورية الشمالية والشرقية، بما فيها المدن الحدودية مع تركيا في ريف الحسكة الشمالي، التي يُشكّل الأكراد غالبية سكانية فيها، بالإضافة إلى التظاهرات التي شهدتها مدينة الحسكة نفسها، التي تسكنها غالبية عربية.

وبعد أقلّ من شهر على انطلاق الثورة السورية، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، مرسوماً يقضي بمنح الجنسية السورية للأكراد، للمرة الأولى منذ إحصاء عام 1962، الذي سجل بموجبه نحو 120 ألف كردي يقيمون في سورية، في سجل أطلق عليه اسم "سجل أجانب الحسكة"، وضمّ وقتها الأكراد المقيمين بسورية والمهاجرين في معظمهم من تركيا. لكن الزيادة الطبيعية للسكان خلال خمسين عاماً، رفعت أعدادهم إلى أكثر من الضعف، ليحصل نحو 300 ألف كردي على الجنسية.

ولم يمنع هذا الإجراء الذي اتخذه النظام السوري مع انطلاق الثورة، الأحزاب الكردية التي انضوت في ما بعد بما بات يُعرف بـ"المجلس الوطني الكردي"، العضو في الائتلاف السوري المعارض، من الدعوة للتظاهر ضد النظام. بالتالي بدأت تخرج التظاهرات أسبوعياً في مدن وبلدات القامشلي والدرباسية وعامودا ورأس العين والمالكية، في ظلّ مشاركة واسعة من مؤيدي أحزاب "المجلس الوطني الكردي" والمستقلين الأكراد والنشطاء المسيحيين الآشوريين والسريان المعارضين للنظام والنشطاء العرب المعارضين للنظام أيضاً، بالتزامن مع تواصل التظاهرات المناوئة للنظام في أحياء مدينة الحسكة العربية، وخصوصاً في حي غويران.

ومع تصاعد الاحتجاجات في المناطق ذات الغالبية الكردية في ريف الحسكة، أطلق النظام سراح المعارض السوري المعروف مشعل تمو، الذي كان قد أسس قبل سنوات ما عُرف بـ"تيار المستقبل الكردي في سورية". أصبح تمو عضواً في "المجلس الوطني" السوري المعارض، وتعرّض لمحاولة اغتيال أولى فاشلة مطلع سبتمبر/ أيلول عام 2011، قبل أن يتم اغتياله فعلاً في المحاولة الثانية بعد أقل من شهر. واتهم مؤيدو تمو النظام السوري باغتياله، وخرجت تظاهرات احتجاجية كبيرة في المدن ذات الغالبية الكردية بريف الحسكة، وقُدّر عدد المشاركين في تشييعه في مدينة القامشلي بنحو خمسين ألفاً.

ومع تصاعد الضغط العسكري على قوات النظام في عموم مناطق سورية مع زيادة نفوذ قوات الجيش السوري الحر عام 2012، بدأت قوات النظام بالانسحاب من المدن والبلدات ذات الغالبية الكردية في ريف الحسكة، الأمر الذي سمح لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي"، بتأسيس مليشيا مسلحة عرفت في ما بعد بقوات "حماية الشعب" الكردية.

اقرأ أيضاً: الأكراد يعلنون نظامهم الفيدرالي في شمال سورية

ودخلت تلك القوات أولى مواجهاتها المسلحة قبل نهاية عام 2012 مع قوات المعارضة السورية، التي تمددت من ريف حلب إلى ريف الرقة الشمالي، وصولاً إلى مدينة رأس العين، التي دخلتها قوات المعارضة وطردت بقايا قوات النظام منها. هناك وقع الاشتباك الأول مع قوات "حماية الشعب".

ومع سيطرة قوات "حماية الشعب" الكردية على المدن ذات الغالبية الكردية في ريف الحسكة، تراجعت وتيرة الاحتجاجات المناهضة للنظام فيها، وتسببت عمليات اعتقال ومداهمات قامت بها القوات لمكاتب النشطاء الأكراد المعارضين للنظام في هذه المدن بهرب معظمهم نحو تركيا ومنها إلى أوروبا. ما أدى إلى اختفاء مظاهر الثورة في مناطق سيطرة قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" التي أعلنت قبل نهاية عام 2011 عن نظام "الإدارة الذاتية".

وبالتوازي مع إعلان "الإدارة الذاتية"، بدأ عهد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) شرق سورية. وتمكن التنظيم من القضاء على قوات المعارضة في مناطق سيطرتها في أرياف الحسكة الشرقي والجنوبي والغربي، فضلاً عن دير الزور والرقة وريف حلب الشرقي.

بعدها، اندلعت مواجهة عسكرية مفتوحة بين "داعش" في ريف الحسكة وقوات "حماية الشعب" الكردية، نتج عنها تقدم القوات الكردية على حساب التنظيم خلال عام 2014، في مناطق تل حميس وتل براك واليعربية، في ريف الحسكة الشرقي، والتي توازت مع اتهامات من منظمات حقوقية محلية ودولية، أهمها منظمة "العفو الدولية" للقوات الكردية، بـ"ارتكاب جرائم حرب، مثل الإعدامات الميدانية لمدنيين وعمليات تهجير منظمة للسكان العرب، من المناطق التي سيطرت عليها بريف الحسكة".

وفي شهر فبراير/ شباط من العام الماضي، شنّ "داعش" هجوماً على مناطق جبل عبد العزيز، ذات الغالبية العربية، وعلى منطقة وادي الخابور ذات الغالبية السريانية والآشورية، في ريف الحسكة الغربي، ليسيطر على مناطق واسعة في وقت قصير، قبل أن تتمكن القوات الكردية وحلفاؤها من المليشيات السريانية والآشورية والعربية من استعادة جميع المناطق التي سيطر عليها "داعش"، بدعم جوي من طيران التحالف الدولي لمحاربة التنظيم.

وبعد أشهر قليلة، شنّ "داعش" هجوماً جديداً على مدينة الحكسة هذه المرة، وتمكن من الدخول إلى وسطها، الذي تسيطر عليه قوات النظام، قبل أن يساهم طيران التحالف في دعم القوات الكردية، التي ساندت قوات النظام في طرد التنظيم من المدينة مجدداً.

وتمكنت بعدها القوات الكردية من إحراز مزيد من التقدم على حساب "داعش" في ريف الحسكة، فبعد أن سيطرت على بلدة الهول الاستراتيجية في الريف الشرقي نهاية العام الماضي، عادت وطردت التنظيم الشهر الماضي من مدينة الشدادي، في ريف الحسكة الجنوبي. بالتالي بات ريف الحسكة بشكل شبه كامل تحت سيطرة القوات الكردية وحلفائها من المليشيات العشائرية العربية، كقوات الصناديد وجيش الكرامة ومليشيات مجلس الحماية السرياني ومليشيا حرس الخابور الآشورية.

وتحتفظ قوات النظام حتى اليوم بالسيطرة على مدينة الحسكة بشكل شبه كامل، باستثناء أحيائها الشمالية الواقعة تحت سيطرة القوات الكردية، كما تسيطر على منطقة واسعة في ريف الحسكة الشمالي، تمتد من منطقة فوج كوكب العسكري، وصولاً إلى مطار القامشلي ونحو وسط مدينة القامشلي، التي تعتبر أكبر مدن ريف الحسكة.

وتميّزت العلاقة بين القوات الكردية وقوات النظام بالهدوء الكامل، فلم تشهد مناطق التماس بين الطرفين أي مواجهات مسلّحة منذ نهاية عام 2014، الأمر الذي دعا مراقبين إلى الاعتقاد بحقيقة وجود تنسيق دائم بين الطرفين، تجلّى صيف العام الماضي، بقتال قوات الطرفين معاً ضد "داعش"، الذي حاول السيطرة على الحسكة، لكن ذلك لم يمنع الحامل السياسي لهذه القوات، وهو "الإدارة الذاتية" التي يسيطر عليها حزب "الاتحاد الديمقراطي"، من التوجه نحو إعلان مناطق سيطرته إقليماً فيدرالياً، الأمر الذي اعتبره مراقبون مقدمة لإعلان الانفصال عن سورية.

اقرأ أيضاً: "فيدرالية شمال سورية"... مناورة كردية أو بداية تقسيم؟
المساهمون