ابتزاز تركيا وأزمة أوروبا

16 مارس 2016
يتهرب الأوروبيون من مواجهة اليمين المتطرف عبر مهاجمة تركيا(Getty)
+ الخط -
منذ اندلاع أزمة اللاجئين والمهاجرين في أوروبا، كلّ ما يحاول الاتحاد الأوروبي فعله هو ابتداع الحلول الهامشية، بمحاولات وقف تدفق اللاجئين عبر إبقائهم في تركيا بأي طريقة وبأقل تكلفة. وبينما يبدو التعامل مع المهاجرين الاقتصاديين وإعادتهم أمر يمكن تجاوزه، يبقى التخلص من اللاجئين وبالذات السوريين الذين يشكلون ما يقارب الخمسين بالمئة من التدفق في الشهرين الأخيرين، معضلة في وجه القوانين الدولية وقبل كل شيء في وجه القيم الأوروبية.

بدل منح السوريين الأمل بالقدرة على العودة إلى بلادهم، عبر الضغط على حلفاء النظام وإيقافه عن ارتكاب الجرائم، يركز الأوروبيون والأميركيون على داعش الذي يشكل استمراراً للنظام السوري، أهم أسباب بقاء التنظيم، علماً أن النسبة الكبرى من السوريين يؤكدون أنهم فروا من جرائم النظام بشكل أساسي. يتهرب الأوروبيون من مواجهة أزمتهم الكبرى، أي صعود التيارات الشعبوية عبر تحويل الهجوم على أنقرة، التي لم تفوت بدورها ما اعتبرته "الفرصة الذهبية" التي شكلتها نتائج تدفق اللاجئين على الاتحاد للحصول على مكاسب ما كانت لتحلم بها لناحية زيادة اندماجها بالاتحاد أو تغيير العلاقة مع مؤسساته، إلى علاقة ندية لا تكون فيها تركيا في وضع من ينفذ الأوامر مقابل وعود غالباً ما لا يتم الالتزام بها.

لا تشكل المليارات الستة التي تطالب بها تركيا لخدمة اللاجئين السوريين على مدى 3 سنوات، مبلغاً ضخماً لتجمع غني كالاتحاد الأوروبي، ليبدو ما يطلق عليه الأوروبيون تعبير "الابتزاز التركي" تعبيراً عن انزعاج أوروبي كبير من قلب العلاقة بين تركيا، "الرجل المريض"، وأوروبا القوية لأول مرة بعد أكثر من مئتي عام. أكثر من ذلك، لا ترفض دول أوروبا (باستثناء ألمانيا والسويد) استقبال اللاجئين لقلة الموارد المالية أو لعدم حاجتها لعمال ينعشون اقتصادها، لكن الامر يلخصه التيار الشعبوي السياسي الذي تقوده الحكومات القومية في دول أوروبا الشرقية بأنهم "لا يريدون مسلمين"، خوفا من "أسلمة أوروبا"، بكل ما يعنيه هذا من تضاد صريح مع القيم التي تجمع الاتحاد، علماً أن نسبة المسلمين في الاتحاد بحسب إحصائية "يوروباميتر" لعام 2013 لا تتجاوز 2 في المئة من السكان.
المساهمون