وجود "داعش" بالقاهرة الكبرى... نفي رسمي لا يلغي التساؤلات

15 فبراير 2016
تعرّضت الشرطة لكمين من مجموعة مسلّحة(فرانس برس)
+ الخط -
تداهم قوات الأمن المصرية، أخيراً، شققاً سكنية في إطار محافظتَي القاهرة والجيزة، باعتبارها مأوى لعناصر مسلحة إرهابية. ويكمن العامل المشترك لهذه المداهمات في عدم وجود صلة بين تلك المجموعات التي كشفت عنها وزارة الداخلية المصرية وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وتنفي الشرطة المصرية تواجد عناصر "داعش" في القاهرة والجيزة، لعدم اتهامها بالتقصير الأمني في السماح بتكوين تلك المجموعات، وهو ما بدا واضحاً في تصريحات وزير الداخلية المصري، اللواء مجدي عبد الغفار، حول رفضه الحديث عن وجود تلك العناصر في القاهرة بشكل تنظيمي، "وإنما فكريّ فقط".

وتشير الوقائع والعمليات التي تبنّاها تنظيم "داعش" في القاهرة الكبرى، إلى خطورة شديدة على الأمن لأسباب عدّة، بحسب مصادر خاصة لـ"العربي الجديد". وتلقّت قوات الشرطة المصرية، ضربات متلاحقة من عناصر مسلحة منذ بداية الأزمة التي تشهدها مصر عقب الانقلاب العسكري، وتوسع الأمن في عمليات القتل العشوائي خارج إطار القانون، والاعتقالات والتعذيب داخل السجون وأقسام الشرطة. ولم تتمكن قوات الشرطة من منع العمليات ضدهم في محافظتَي القاهرة والجيزة، والتي كانت موجهة من جماعة تدعى "أجناد مصر"، حتى مقتل قائدها العام المعروف بـ"همام المصري".

وظهر على الساحة، منذ أشهر عدة، تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي بدأ عملياته بسيارة مفخخة فجّرها في مقر القنصلية الإيطالية وسط البلد، وأعقبها سلسلة من العمليات ضد قوات الشرطة، أبرزها استهداف مقر الأمن الوطني في شبرا الخيمة، وتفخيخ منزل في منطقة الهرم. وألصقت قوات الأمن المصرية، عمليات المداهمة الأخيرة لأوكار الإرهابيين، على حدّ وصفها، بعناصر تابعين لجماعة "أجناد مصر". وتطرح هذه الاتهامات التي تطلقها وزارة الداخلية، بحسب مراقبين، علامات استفهام، لناحية التركيز فقط على ملاحقة عناصر "أجناد مصر" بشكل كبير دون خلايا أخرى، خصوصاً عناصر "داعش".

كما أنّ الأمن المصري لا يهتم بملاحقة "داعش" بالقدر ذاته الذي كان يتّبعه مع "أجناد مصر". ولم ينفذ تنظيم "أجناد مصر" عملية ضد قوات الشرطة، منذ أشهر طويلة، وهو ما يطرح تساؤلاً حول تفكّك التنظيم بعد مقتل قائده العام. وتذهب بعض الترجيحات إلى أن الاختفاء سببه إعادة تشكيل التنظيم. وتظهر اتجاهات أخرى في الأوساط الجهادية تتحدث عن القبض على عدد كبير من عناصر "أجناد مصر".

ويتساءل مراقبون عن كيفية الملاحقة والوصول لعناصر تابعة لـ"أجناد مصر"، عقب اختفاء وهدوء التنظيم تماماً، وبالأحرى غيابه عن الساحة، وبالتالي اختفاء أي خيوط يمكن من خلالها تتبع عناصره، وعدم القيام بنفس الدور خلال الفترة التي مثلت نشاط هذا التنظيم. وتقول مصادر أمنية لـ"العربي الجديد"، إنّ المداهمات الأخيرة هي ضربة استباقية لأي عمليات ضد الشرطة خلال الفترة المقبلة، مشيرة إلى أنّ الخلايا التي تم كشفها ليست تابعة لـ"داعش". وتضيف المصادر ذاتها، أن "عناصر الأخير هم الأخطر خلال المرحلة الحالية، لكن لا توجد خيوط لتتبع تلك العناصر للأسف"، مشيرة إلى أنّه عقب مقتل قائد "أجناد مصر"، تكشّفت بعض خيوط التنظيم بشكل كبير، وتمت ملاحقة عناصره وتتبع خطواتهم.

اقرأ أيضاً: هجمات القاهرة الكبرى... ظروف جاهزة لتوظيفها عنفيّاً

وتلفت هذه المصادر، إلى أن عمليات المداهمة الأخيرة جاءت من خلال إبلاغ بعض الأهالي عن تجمعات مريبة لشباب في الجيزة أو القاهرة، ولم تكن نتيجة عمليات بحث وتحرٍّ لملاحقة تلك العناصر. وتستبعد المصادر الأمنية أن يكون لتلك الخلايا علاقة وطيدة بـ"أجناد مصر"، مع احتمالية أن يكون هناك تنسيق بشكل أو بآخر معه.

من جانبها، تقول مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، إنّ تنظيم "أجناد مصر" انتهى إلى حد كبير، ولم يعد قائماً بصورته، لكن الأخطر حالياً هي عناصر ومجموعات تنظيم "الدولة الإسلامية"، لأنها مدربة على الحروب والعمليات داخل المدن، وليسوا مجرد أشخاص ينفذون ما يتيسّر من عمليات انتقامية للرد على انتهاكات الشرطة. وتشير المصادر الخاصة إلى وجود قيادات كبيرة تدير تحرُّك المجموعات في القاهرة الكبرى، بعيداً عن فرع التنظيم في سيناء، موضحة أن العمليات في المدن أشد صعوبة من تلك التي تحدث في الصحراء. وتكشف المصادر ذاتها، عن أنّ طبيعة العمليات مختلفة تماماً بين سيناء وداخل المدن. والأخيرة تحتاج لعناصر لديها خبرات كبيرة ومدربة بشكل كبير على التخفّي والانسحاب التكتيكي، أما في الصحراء فالأمور مفتوحة إلى حدّ كبير.

وتشدد هذه المصادر على أن العناصر التي تنفذ عمليات في حروب المدن، يتم اختيارها بعناية شديدة، ويُفضّل ألا تكون معروفة لأجهزة الأمن، وبعضها قد يكون تلقى تدريبات خارج مصر. وتوضح أن العمليات داخل المدن، تحتاج ليس إلى مقاتلين مثل الوضع في سيناء، وإنما لأمنيين لأن نسبة المخاطر واحتمالية كشفهم في المدن، كبيرة. لذلك يتم الاعتماد على تلك العناصر دون غيرها. وتؤكد المصادر الخاصة أنّ الأمنيين داخل تنظيم "الدولة الإسلامية" هم من أخطر العناصر وأشدها، ولهم تدريبات خاصة بعكس باقي التنظيمات.

وتشرح المصادر أنّ هؤلاء الأمنيين هم رجال مخابرات تابعين لـ"الدولة الإسلامية"، تدربوا على إدارة صراع المدن، والخطف، والتحقيق مع المخطوف، وأساليب انتزاع المعلومة، وهم تابعون لديوان الأمن العام، وهو أحد دواوين "داعش". وتشدد على أنّ عناصر هذا الأخير أخطر من ستواجه الدولة المصرية وأجهزة مخابراتها. وتوضح المصادر ذاتها، "لو أنّ المجموعتين اللتين أعلنت عنهما الداخلية تابعتان لأجناد مصر، فهناك أزمة كبيرة في تصديق هذا، لأنه لو المجموعة الأولى في المعادي تابعة للأجناد، لكانت كل المجموعات الأخرى على الفور قامت بتغيير مكانها، فهي من أساسيات العمل السري المسلح".

وكانت وزارة الداخلية أعلنت عن تصفية مجموعتين تابعتين لتنظيم "أجناد مصر"، الأولى في منطقة حدائق المعادي في محافظة القاهرة، والثانية في منطقة الكريمات في محافظة الجيزة، مطلع الأسبوع الماضي.

اقرأ أيضاً بوادر تذمّر في الجيش المصري: وزير الدفاع يستنفر لاحتوائها

المساهمون