"داماتو" يهدد اتفاق يوليو: استئناف إيران لنشاطها النووي وارد

03 ديسمبر 2016
الخارجية الإيرانية تنتقد "الخرق" الأميركي للاتفاق النووي(دون إمير/فرانس برس)
+ الخط -
قوبل إقرار تمديد العقوبات الأميركية على إيران لعشر سنوات إضافية من قبل مجلس النواب الأميركي، ومن بعده مجلس الشيوخ، بردود فعل موحدة من قبل المسؤولين الإيرانيين تعكس حجم الغضب من الخطوة الأميركية. وندد جميع المسؤولين الإيرانيين بالقرار الذي رأوا أنه ينقض صراحة بنود الاتفاق النووي مع مجموعة السداسية الدولية (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا)، والذي نص على إلغاء قرارات العقوبات الأممية والأميركية والأوروبية المفروضة على طهران بسبب برنامجها النووي، مقابل قيود فُرِضت على نشاط المنشآت والمفاعلات الإيرانية.

وأدت تصريحات المرشد الأعلى، علي خامنئي، الصادرة قبل أيام، الدور الرئيس الذي جعل الجميع في الداخل الإيراني يدورون في الفلك ذاته. وقال خامنئي خلال اجتماع مع قادة وعسكريين تابعين للبحرية الإيرانية كلمته الفصل، بعدما اعتبر أن تمديد أي عقوبات لا يختلف عن فرض عقوبات جديدة، إذ إن كل هذا يصب في إطار واحد، ألا وهو خرق الاتفاق النووي، معتبراً أن المفاوضين استعجلوا في إبرامه.

من جهتها، ذكرت وزارة الخارجية الإيرانية، أمس الجمعة، أن تصويت مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، يشكل خرقاً واضحاً للاتفاق النووي، وسيجعل طهران تتجه للمعنيين دولياً بأمره.

وأكد رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، أن بلاده جهزت سيناريوهات الرد في وقت سابق، قائلاً إنه لا يمكن الإعلان عنها في الوقت الراهن. وبحسب موقع وكالة فارس الإيرانية، ذكر صالحي في تصريحات صحافية، أن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، اجتمع مع اللجنة المشرفة على تطبيق الاتفاق في إيران، عقب صدور تصريحات خامنئي، والتي سبقت أصلاً صدور التصويت الأميركي. وأضاف أن روحاني وأعضاء اللجنة درسوا خيارات الرد التي سيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب، والتي ستنفذها هيئة الطاقة الذرية، حسب تعبيره.

ويبدو أن المسؤولين الإيرانيين لن يتخذوا أي خطوات فعلية قبل أن يصبح قرار تمديد العقوبات الأميركية نهائياً. وبعدما وافق عليه أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة، لا يزال القرار ينتظر توقيع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي سيسلم مفاتيح البيت الأبيض قريباً للرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي أثار توجس إيران منذ البداية على الاتفاق النووي نتيجة موقفه المعارض له.

في هذا السياق، اعتبر المفاوض النووي، مجيد تخت روانجي، في تصريحات للتلفزيون الإيراني، أنه لا فائدة من الإبقاء على هذا الاتفاق طالما أن طرفاً واحداً هو الملتزم ببنوده، في إشارة إلى طهران. لكنه ذكر أنه يجب الانتظار حتى إنهاء كل مراحل سنّ  قانون تمديد العقوبات، معتبراً أن إقراره بالفعل يعني تعقيد الأمور في وقت يعد فيه الاتفاق النووي معاهدة دولية صادق عليها مجلس الأمن ولا يحق لأميركا، كطرف، أن تخل به بهذه الطريقة. وأكد أن الوفد الإيراني المفاوض بحث نقطة العقوبات الصادرة بحق بلاده على طاولة المفاوضات النووية، حتى تلك التي سبقت تأجج الصراع النووي معها.


والقانون الأميركي الذي تم إقرار تمديده، معروف باسم قانون "آي أس إيه" أو قانون "داماتو"، نسبة للسيناتور الجمهوري، ألفونس داماتو، الذي اقترحه قبل عشرين عاماً ووقعه الرئيس السابق، بيل كلينتون. ويفرض القانون عقوبات على الشركات التي تستثمر في قطاع الطاقة الإيرانية، وتفتح باب التجارة مع هذا البلد بمعدلات تفوق الأربعين مليار دولار، وهو ما يعني أن أميركا قد تستخدم مبرر تمديده بقولها إنه غير مرتبط بالبرنامج النووي ولا بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في يوليو/ تموز 2015، إلا أن إيران لن تقبل بذلك.

في هذا الصدد، أكدت طهران على لسان مسؤوليها منذ انتخاب ترامب رئيساً جديداً للولايات المتحدة، والذي من المتوقع أن يسلك سياسات متشددة إزاءها، بأن الطرف الأميركي بغض النظر عن شخصية رئيسه، ملزم بالاتفاق طالما أنه أقر دولياً. ويتعلق الأمر بنقطة رابحة ستستخدمها طهران قدر المستطاع قبل اتخاذ أي خطوات تصعيدية، لا سيما أنها أقنعت المجتمع الدولي بدخولها في حوار حقيقي لحل أزمة أقلقت أطرافاً كثيرة، بل وقبلت باتفاق قلّص امتيازاتها النووية مقابل أوراق اقتصادية رابحة. وانطلاقاً من ذلك، فإن إقرار أوباما لتمديد القانون سيساعد طهران على فتح النار على واشنطن كونها الطرف الذي أخل بالاتفاق، كما يقول مسؤولون إيرانيون.

ويبدو أن طهران تستعد للرد الذي سيحظى بإجماع كافة الأطياف السياسية. وفي السياق، قال رئيس جبهة الأمل الإصلاحية في البرلمان الإيراني، محمد رضا عارف، إن الحكومة ستتخذ مواقف صارمة هذه المرة، معتبراً أن تمديد العقوبات سيضر بواشنطن بالدرجة الأولى. ولفت إلى أنه يتعيّن على أوباما أن يستخدم حق النقض قبل رحيله بما يصبّ لصالح صورة بلاده أمام العالم في الوقت الذي التزمت فيه طهران بكل تعهداتها في بنود الاتفاق، حسب قوله.

وإذا كان البعض يراهن على عدم تمرير أوباما للقانون، إلا أن الأوساط الإيرانية تدرك أن ترامب سيتجه نحو سياسة تصعيدية. ولهذا السبب، تحاول طهران ترتيب أوراق قوتها جيداً في الوقت الراهن، وسترد عملياً في حال اضطرت للعودة إلى المربع الأول.

وفي ما يتعلق بسيناريوهات الرد المتوقعة، يقول الخبير السياسي والدبلوماسي الإيراني السابق، هادي أفقهي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن لدى بلاده خيارات عديدة، منها استئناف النشاط النووي كما في السابق، إذ يمكنها رفع مستويات تخصيب اليورانيوم، وإعادة عمل مفاعل آراك بالوتيرة السابقة، وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي الفاعلة، وإعادة منشأة فردو لعملها الحقيقي، والتي كانت تستخدم للتخصيب قبل أن يحولها الاتفاق إلى مركز بحثي.
ووفقاً لأفقهي، فإن هذا الرد يعتمد على نوعية التحديات المقبلة، وعلى مسار التطورات، معرباً عن اعتقاده بأن الأمور باتت تتجه بالفعل نحو الإعلان عن رد إيراني واضح، وهو ما يعني عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل المفاوضات. وذكر أيضاً أن الأمور لم تعد محط خلاف بين الأجنحة والتيارات السياسية، قائلاً إن المعتدلين وعلى رأسهم روحاني ووزير خارجيته، محمد جواد ظريف، قد اعترضوا منذ فترة ليست بالوجيزة، على عدم تنفيذ واشنطن لتعهداتها النووية. وحتى الإصلاحيين يعلمون أن الملف النووي يمثل قضية يتفق عليها الجميع في إيران، وهو ليس محور خلاف، بل إن ما يحدث حالياً في الولايات المتحدة يؤدي إلى التقارب بين الإيرانيين.

وفي سياق متصل، أعلن المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، حسين نقوي، أن هذه اللجنة ستستدعي ظريف لبحث خيارات الرد على القرارات الأميركية. كذلك، ذكر النائب الإصلاحي، الياس حضرتي، أن مجلس الشورى الإسلامي سيبحث تبعات الأمر غداً الأحد، وهو ما يشير إلى وجود اتفاق بين القادة السياسيين بشأن هذا الملف.

وجهّز عدد من نواب البرلمان الإيراني مشروع قانون طارئ سيبحثه "مجلس الشورى" غداً، لعرضه للتصويت لاحقاً. وأفادت وكالة "مهر" الإيرانية بأن هذا المشروع يسمح للبلاد باستئناف كافة أنشطتها النووية، كما كانت قبل اتفاق يوليو 2015، ليكون رداً على الخرق الأميركي الواضح للاتفاق النووي، حسب ما نقلت الوكالة. وفي السياق، قال مستشار رئيس مجلس الشورى الإسلامي، منصور حقيقت بور، إن القرار الأميركي يعني أن الاتفاق النووي قد انتهك بشكل واضح، وبأن القانون يفرض على البلاد إنهاء العمل ببنوده. ونقلت "مهر" عنه قوله إن البرلمان الإيراني حين صادق على نص الاتفاق النووي، كان أعضاؤه على دراية بالسياسات الأميركية المعادية لإيران، لذا اشترطوا في بند واضح ضرورة إنهاء العمل به فور خرقه من قبل أي طرف من الأطراف المقابلة للبلاد، حسب تعبيره.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الاتفاق النووي الذي أنجزه تيار الاعتدال بدعم من قبل الإصلاحيين، يتعرض لانتقادات المحافظين. وبالتالي، فإن كيفية الرد على قرار تمديد العقوبات الأميركية ستنعكس على المواجهة بين الحكومة الإيرانية الحالية والتيار المحافظ، لا سيما أن البلاد على موعد مع استحقاق الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار المقبل، والذي سيتأثر حكماً بمسار الاتفاق النووي الذي بات على المحك.

تجدر الإشارة إلى أن العسكر لم يدخلوا بعد على الخط، على الرغم من أن الحرس الثوري الإيراني، وحتى القوات التابعة للجيش، قد أكدوا مراراً على جهوزيتهم، خصوصاً القوات البحرية التي ترى أن منطقة مياه الخليج ومضيق هرمز، جنوبي البلاد، هي التي قد تفتح ساحة المواجهة بين طهران وواشنطن في المستقبل، وذلك في حال استمرار التصعيد.