تحولات تاريخية في الانتخابات البرلمانية الكويتية

الكويت

خالد الخالدي

avata
خالد الخالدي
28 نوفمبر 2016
52F959AC-BD95-4841-8667-5EF3203D10A4
+ الخط -
أسدل الستار أول من أمس على أشرس انتخابات برلمانية كويتية، استمرت حملاتها الانتخابية لأكثر من 30 يوماً وانتهت بمفاجآت مدوية في بعض الدوائر، مع إحراز المعارضة نتيجة مقبولة لا يزال حجمها غير معروف بشكل دقيق، وسقوط القبائل الكبيرة والتجمع السلفي المقرب من الحكومة، والذي كانت بحوزته حقيبة وزارية في الحكومة المستقيلة أخيراً. كما أن معدلات التصويت التاريخية بلغت أكثر من 70 في المائة، وتغيير النواب بنسبة تقارب 60 في المائة. ولا يمكن حسم عدد النواب الفائزين باسم المعارضة على وجه الدقة، إلا أن المعروفين بهويتهم المعارضة بلغوا 10 نواب مؤكدين، بينما عدد كبير من النواب المنتخبين للمرة الأولى هم شباب لديهم مواقف نقدية من سياسات الحكومة، لكن من غير المعروف ما إذا كانوا معارضين بشكل عام.
وفور إعلان النتائج من قبل الهيئة القضائية، بعث أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، برقيات تهنئة إلى الأعضاء الفائزين. وشكر جهود كل من ساهم في نجاح الانتخابات، وأعرب عن تقديره للوزارات والجهات الحكومية الأمنية والمدنية التي ساهمت في نجاح عملية التصويت السبت الماضي.

وسارت العملية الانتخابية بانسيابية، كما يقول المراقبون، إلا من بعض حالات الاعتقال الفردي التي أمر بها القضاة ضد أشخاص حاولوا التلاعب بنتائج التصويت ومخالفة القوانين الانتخابية، إذ اعتقلت السلطات مواطناً في منطقة الفيحاء التابعة للدائرة الثانية حاول تصوير ورقة الاقتراع بهاتفه النقال، كما اعتقلت أحد الأشخاص الذي صرخ عالياً باسم أحد المرشحين داخل اللجنة الانتخابية في منطقة الرحاب. لكن الجدل تصاعد بعد إغلاق باب الاقتراع وبدء الفرز، إذ انقطع التيار الكهربائي عن لجنتين انتخابيتين في الدائرة الرابعة، لكن رئيس اللجنة الاستشارية إلى انتخابات مجلس الأمة المستشار، جمال الشامري، قال في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا)، إن ما حدث هو انقطاع في لجنة واحدة وليس لجنتين، وإن الانقطاع حدث في جزء من إضاءة المسرح فقط وتم إصلاحه قبل البدء بعمليات الفرز. وشهدت اللجنة الانتخابية في منطقة صباح السالم، التابعة إلى الدائرة الخامسة، احتجاجات من قبل بعض مندوبي المرشحين، بعد شكوكهم في وجود صناديق اقتراع مزورة أثناء عملية الفرز، لكن وزارة الداخلية نفت هذه الأنباء، وأكدت أنها محاولات من بعض المرشحين للتغطية على فشلهم الانتخابي.

وعلى صعيد النتائج، فقد بلغت نسبة التغيير في الانتخابات أكثر من 62 في المائة عن المجلس السابق، مع عودة بعض الوجوه المعارضة للحكومة وبعض التيارات التي قاطعت الانتخابات السابقة. ولم يبق من الأعضاء المؤيدين للحكومة سوى ما تعارف الناس على وصفهم بنواب الخدمات الذين تكمن وظيفتهم الأساسية في تمرير المعاملات للمواطنين والسكوت عن أي تشريعات تقوم بها الحكومة كجزء من الصفقة. وتعد الدائرة الرابعة أكثر الدوائر تغييراً بنسبة 80 في المائة، إذ لم يبق من أعضاء المجلس السابق سوى عسكر العنزي وسعد الخنفور، فيما بلغت نسبة التغيير في الدائرة الثالثة 70 في المائة، وفي الخامسة 60 في المائة، وفي الأولى 50 في المائة. وكانت الدائرة الثانية الأقل في نسبة التغيير بنسبة 40 في المائة. وشهدت هذه الانتخابات أيضاً عودة جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة بجناحها السياسي المسمى بالحركة الدستورية الإسلامية "حدس"، إلى البرلمان بقوة، إذ حازت أربعة مقاعد من أصل خمسة ممكنة. ففي الدائرة الأولى نجح مرشح الحركة المحامي، أسامة الشاهين، في الحصول على المركز الثامن من أصل عشرة مقاعد، بينما حصل أستاذ الدراسات الإسلامية وأحد أبرز زعماء المعارضة وممثل الحركة في الدائرة الثانية، جمعان الحربش، على المركز الرابع. وفشل مرشح الجماعة في ذات الدائرة، حمد المطر في الحصول على مقعد برلماني، إذ حاز على المركز الحادي عشر. ونجح ممثل الحركة في الدائرة الثالثة، محمد الدلال، في الحصول على المركز السادس، وكذلك نجح المرشح المدعوم من الحركة بشكل رسمي، عبدالله فهاد العنزي، في الحصول على المركز الخامس في الدائرة الرابعة، وهو رقم جيد للحركة في أول انتخابات تخوضها بعد التراجع عن مقاطعة الانتخابات التي استمرت أكثر من 4 سنوات بسبب تمرير مرسوم الصوت الواحد من دون العودة إلى الإرادة الشعبية.

وكما هو متوقع فقد فشل النواب الشيعة في الاحتفاظ بمقاعدهم التسعة التي كانت لديهم في المجلس الماضي، بسبب عودة الإسلاميين للمشاركة في الانتخابات. وسقط كل من فيصل الدويسان ويوسف الزلزلة الذي أيد رفع سعر الوقود وسياسات الحكومة الرامية لوضع خطط تقشف في البلاد. وبعد شطب النائب السابق الهارب خارج الكويت، والملاحق في قضايا أمنية، عبد الحميد دشتي، فإن غالبية القواعد الانتخابية التابعة له اختارت التصويت للنائب خالد الشطي الذي يصرح علناً بدعمه لسياسات "الحشد الشعبي" في العراق والرامية لدعم التوسع الإيراني في المنطقة، وهو ما ينذر بتحول المجلس الجديد إلى ساحة صراعات، خصوصاً مع نجاح النائب السلفي المستقل، وليد الطبطبائي، والذي قال، في أول تصريح له بعد نجاحه، إنه سيعمل من أجل إنهاء المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة. وفشل التجمع السلفي الموالي للحكومة، بقيادة زعيمه أحمد باقر العبدالله، والذي كان يعد العدة لترشيح نفسه للانتخابات، ووزير النفط السابق والنائب لعدة دورات، علي العمير، وكذلك النائب السابق حمود الحمدان، في الحصول على أي مقعد نيابي في هذه الانتخابات، وهو ما وصف بالمفاجأة المدوية. وقالت مصادر من داخل التجمع إن اللجنة السياسية في الحركة تعيش حالة صدمة وذهول بعد صدور النتائج، لكن المراقبين السياسيين يقولون إنها متوقعة نظراً لموقف الحركة المؤيد لكافة القوانين الحكومية، وأبرزها قانون البصمة الوراثية وسحب الجنسية، وأن قواعد الحركة الانتخابية فضلت التصويت للإسلاميين المستقلين، وعلى رأسهم عادل الدمخي في الدائرة الأولى، ووليد الطبطبائي في الدائرة الثالثة، على التصويت لمرشحي التجمع.

وحازت صفاء الهاشم على مقعد عن الدائرة الثالثة، بعد حلولها في المرتبة الخامسة، وهي المرأة الوحيدة التي نجحت في الفوز بالنيابة، فيما كانت نتائج بقية المرشحات، وأبرزهن عالية الخالد في الدائرة الثانية، وغدير أسيري في الدائرة الأولى، غير مرضية تماماً. وما زال الشارع الكويتي يتخوف من انتخاب امرأة للبرلمان بعد التجربة الفاشلة لأربع نساء في برلمان 2009، لكن صفاء الهاشم أثبتت شعبيتها، خصوصاً بعد أن استقالت من مجلس عام 2013، بسبب ما قالت إنه طغيان التوجيه الحكومي على البرلمان، وبعد أن خاضت معركة شرسة ضد وزارة الداخلية لمقاومة قرار شطبها، انتهت بقرار من محكمة التمييز في اللحظات الأخيرة. وشهدت الانتخابات الكويتية نجاح العديد من الشبان للمرة الأولى في تاريخها، إذ سيحمل هذا المجلس أقل معدل أعمار على الإطلاق في تاريخ الكويت البرلماني. وكان من اللافت فوز ناصر الدوسري الذي بلغ السن القانونية للترشح (30 عاماً) قبل عشرة أيام من موعد عملية الاقتراع. وشهد المجلس أيضاً عمليات توريث سياسي جديدة، حيث استطاع يوسف صالح الفضالة، ابن النائب السابق ورئيس الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية "البدون"، الفوز بالنيابة استناداً لقواعد والده. واستطاع كذلك أحمد نبيل الفضل الحصول على المقعد استناداً لقواعد والده أيضاً، والذي توفى في قاعة البرلمان العام الماضي. واستطاع نائبان يتحدران من عائلة واحدة لا يتجاوز عدد أفرادها 400 شخص الحصول على مقعدين، وهما عمر الطبطبائي المستقل ذو الميول الليبرالية في الدائرة الثانية ووليد الطبطبائي الإسلامي السلفي المستقل في الدائرة الثالثة.

أما الدائرة الرابعة فقد شهدت سقوطاً كبيراً لقبيلة مطير التي تعد من أكبر قبائل الكويت، وأكبر قبائل هذه الدائرة على الإطلاق. وفشل مرشحو القبيلة في التوصل إلى صيغة اتفاق قبل موعد الانتخابات البرلمانية، ما أثر على حظوظهم في الترشح، حيث قرر 27 مرشحاً من القبيلة المشاركة في الانتخابات عن هذه الدائرة، لم ينجح فيهم سوى نائب واحد اعتمد في غالبية أصواته على الإسلاميين من خارج القبيلة، وهو محمد هايف المطيري، فيما فشل المعارض الإسلامي وعضو كتلة الغالبية السابق مبارك الوعلان في الحصول على مقعد برلماني. ونجح ممثلو القبائل الصغيرة في الدائرة، وعلى رأسهم شمر والظفير، في الحصول على مقاعد. وسجل عبدالله فهاد العنزي، المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين، مفاجأة، بالحصول على مقعد متقدم، فيما كان فوز ممثلي قبيلة الرشايدة متوقعاً، حيث حازت القبيلة على ثلاثة مقاعد. وتعهد ممثل قبيلة العجمان في الدائرة، مبارك هيف الحجرف، بعد فوزه بالنيابة بإعادة جنسيات أبناء القبيلة التي سحبتها الحكومة الكويتية، ومنهم النائب السابق، عبدالله البرغش، والصحافي سعد العجمي.

لكن أبرز المفاجآت كانت في الدائرة الخامسة حيث فشلت أكبر قبيلتين في الكويت، وهما العجمان والعوازم، في الحصول على العدد المتوقع من المقاعد، إذ حازت العجمان على مقعدين والعوازم على مقعد واحد، وتوزعت بقية المقاعد على القبائل الصغيرة في المنطقة. وكان أبرز الناجحين فيها هو محامي الحريات، الحميدي بدر السبيعي، والذي تعهد بتعديل قانون الجنسية في أول جلسة للبرلمان. ومن المبكر وصف مجلس الأمة الناتج عن هذه الانتخابات بالمعارض أو الموالي للحكومة، بسبب وصول أسماء جديدة لا يمكن حسم توجهاتها حالياً، لكن يمكن القول إن المجلس المقبل لن يكون ذا صبغة واحدة مهيمنة، إن كانت للمعارضة أو الحكومة.

ذات صلة

الصورة
مكتب نقابة محامي حلب 1972 (العربي الجديد)

سياسة

نتابع في الحلقة الثانية اعتقال أعضاء في نقابات سورية عام 1980 وجهود الإفراج عنهم حيث تم إطلاق سراح المحامين عام 1987 باستثناء ثلاثة منهم
الصورة
حريق المنقف أسفر عن أكثر من 41 حالة وفاة، 12 يونيو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

استيقظت الكويت، صباح اليوم الأربعاء، على فاجعة "حريق المنقف" الذي تسبب في وفاة أكثر من 49 عاملاً، وإصابة العشرات معظمهم من الجنسية الهندية
الصورة

سياسة

اتجه الكويتيون، اليوم الخميس، إلى مراكز الاقتراع 2024 التي فتحت أبوابها عند الساعة الـ12 ظهراً بالتوقيت المحلي، لانتخاب مجلس الأمة (البرلمان) 2024.
الصورة

سياسة

توفي أمير الكويت، الشيخ نواف الأحمد الصباح، اليوم السبت، بعد 3 سنوات من الحكم مرّت بالعديد من التحديات الداخلية والخارجية، ودور لافت في مسيرة البلد الديمقراطية.