قضية "التمويل الأجنبي" في مصر: توسع المنع من السفر

26 نوفمبر 2016
المتهمون بتلقي أموال من الخارج مهددون بالسجن المؤبد(محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -
يبحث مسؤولون في عدد من المنظمات والجمعيات التي تم منع رؤسائها أو أعضاء بارزين فيها من السفر على ذمة التحقيقات في القضية المعروفة إعلامياً بـ"التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني"، إمكانية الطعن بقرار وزير الداخلية المنظم لإجراءات المنع من السفر، والذي يمنح سلطة المنع لعدد من الجهات. واستغلت لجنة التحقيق القضائية برئاسة المستشار هشام عبدالمجيد، والتي تجري تحقيقات موسعة في القضية 173 لسنة 2011، القرار الوزاري رقم 54 لسنة 2013 الذي أصدره وزير الداخلية السابق، محمد إبراهيم، لتصدر قرارات منع من السفر بحق عدد غير معلوم من الحقوقيين في الفترة الممتدة من ديسمبر/ كانون الأول 2014 وحتى الشهر الجاري على ذمة قضية التمويل.

ويعود سبب عدم معرفة العدد النهائي للممنوعين من السفر إلى أن لجنة التحقيق لا تبلغ الأشخاص المعنيين بقرارها. وقرار المنع لا يقتصر على الحقوقيين الذين تم التحقيق معهم. ومن تبلّغ قرار المنع فوجئ بذلك خلال توجهه إلى المطار لاستكمال إجراءات السفر، على غرار ما حصل مع كل من حسام بهجت، وجمال عيد، والناشطة إسراء عبدالفتاح، إضافة إلى ثلاثة آخرين تم منعهم من السفر هذا الأسبوع، وهم عايدة سيف الدولة، وعزة سليمان، وأحمد راغب وعمرو الليثي. وتصدرت دولة قطر قائمة الدول التي مُنع السفر إليها، تليها الأردن، ثم ماليزيا، وتركيا، فالسعودية.

ويرى الحقوقيون العاكفون على إعداد الطعن، أن القرار الوزاري الذي تستند إليه لجنة التحقيق يتصادم مع المادتين 54 و62 من الدستور المصري. وفي هذا الصدد، مُنِحت سلطة المنع المطلقة لكل من النيابة العامة وقضاة التحقيق وجهاز الكسب غير المشروع والاستخبارات العامة وهيئة الرقابة الإدارية والاستخبارات الحربية، ومدير إدارة الشؤون الشخصية في القوات المسلحة وجهاز الأمن الوطني، بالإضافة إلى المحاكم بمختلف درجاتها. وتنص المادة 62 من الدستور المصري (2014) على ضرورة صدور القرار من جهة قضائية على أن يكون القرار مسبباً ولمدة محددة وفقاً للقانون. وتنص المادة 54 من الدستور على ضرورة إبلاغ من يتم تقييد حريته بأسباب هذا التقييد.

وكانت وزارة العدل في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، تنوي إصدار تشريع ينظم هذه الإجراءات ويجعلها في يد الأجهزة القضائية وحدها مع الالتزام بمقتضيات التحقيق حتى لا يتحول المنع من السفر إلى عقوبة تنكل بها الجهات الأمنية بالأشخاص لمجرد الاشتباه بهم دون أن يكون لمنعهم سبب وجيه. إلا أن الملف تم إهماله بعد الانقلاب على مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013 وتعطيل العمل بدستور 2012.


وفي السياق ذاته، قالت مصادر قضائية مطلعة إن لجنة التحقيق في قضية التمويل الأجنبي ستبدأ باستدعاء جميع الأشخاص الذين تم منعهم من السفر قبل نهاية العام الجاري، وأن اللجنة لن تحيل القضية إلى محكمة الجنايات قبل استجوابهم. وأشارت إلى أن القضية "أصبحت ضخمة جداً بما تطلب زيادة عدد القضاة الذين يتولون التحقيق فيها، نظراً لتضمنها أوراق نحو 25 جمعية ومنظمة حقوقية، بالإضافة لمستندات جميع الحسابات المصرفية الخاصة بها وبالعاملين فيها، بالإضافة لتقارير هيئة الرقابة الإدارية ووحدة مكافحة غسيل الأموال"، والتي يرأسها القاضي أحمد السيسي، شقيق رئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي.

وأضافت المصادر أن لجنة التحقيق أرسلت إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة، يوم الأربعاء الماضي، مذكرتين بطلب التحفظ على أموال عدد من مؤسسي ورؤساء المنظمات، تمهيداً لتحديد دائرة قضائية خلال الأسبوعين المقبلين لنظر الطلب. وكان القضاء المصري وجه في سبتمبر/ أيلول الماضي، ضربة موجعة لمنظمات المجتمع المدني الحقوقية، اعتبرت الأقسى منذ بدء عملها في مصر عام 1993، تمثلت في إصدار أحكام بمنع خمسة حقوقيين بارزين وثلاثة مراكز حقوقية مصرية من التصرف في أموالهم على خلفية اتهامهم بتلقي أموال من الخارج بطريقة غير مشروعة وإنفاقها في أنشطة تشكل خطراً على الأمن القومي.

وتشمل قائمة الممنوعين من التصرف في أموالهم حتى الآن كلاً من: مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حسام بهجت، ومدير المنظمة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، وزوجته وابنته القاصر، ومؤسس ومدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، بهي الدين حسن، وزوجته وابنته وشقيقه، ومدير مركز الحق في التعليم، عبدالحفيظ طايل، وعضو مركز هشام مبارك للقانون، مصطفى الحسن آدم، ومؤسس ومدير مركز الأندلس لدراسات التسامح، أحمد سميح. أما المراكز الثلاثة الممنوعة حتى الآن من التصرف في أموالها، فهي مركز هشام مبارك للقانون، والمركز المصري للحق في التعليم، ومركز القاهرة لحقوق الإنسان.

وكانت "العربي الجديد" كشفت الأسبوع الماضي، عن توجيه تهمة غسيل الأموال لعدد من مؤسسي ومديري بعض المنظمات اعتماداً على تقارير صادرة من هيئة الرقابة الإدارية، بالتزامن مع تجميد حسابات عدد من المنظمات غير الممنوعة رسمياً من التصرف في أموالها. وشمل هذا الإجراء مركز النديم الذي تم تجميد حساباته الأسبوع الماضي بحجة مخالفته قانون الجمعيات الأهلية، على الرغم من أن معظم المنظمات تخالف هذا القانون من الناحية الإجرائية على الأقل. وتعتبر قرارات التجميد والتحفظ على الأموال مؤقتة لحين انتهاء التحقيقات، وليست لها علاقة بالعقوبات التي قد توقع على المتهمين في القضية، والتي قد تصل إلى السجن المؤبد نظراً لاتهام جميع الناشطين الحقوقيين بخرق المادة 78 من قانون العقوبات.

وعدل السيسي هذه المادة في سبتمبر/ أيلول 2014. وبات بالإمكان فرض عقوبة بالسجن المؤبد وغرامة نصف مليون جنيه (نحو 28 ألف دولار) على كل من "يطلب لنفسه أو لغيره أو قبِل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية، أو ممن يعملون لمصلحتها، أو من شخص طبيعي أو اعتباري، أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أموالاً سائلة أو منقولة أو عتاداً أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى، أو وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية، أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".

وهذا التعديل القانوني الذي أدخله السيسي على المادة 78 من قانون العقوبات، يوسّع جهات تمويل الجرائم ليشمل تلقي الأموال بقصد الإضرار بالبلاد سواء من الداخل أو الخارج. كما لم يعد الإضرار بأمن مصر يقتضي "ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية"، بل أصبحت الجريمة تتحقق بمجرد ارتكاب فعل يمكن تفسيره على أنه "مساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".