حرب غزة تطارد نتنياهو ويعالون: توتر الساسة والعسكر يتعمق

19 نوفمبر 2016
قال التقرير إن الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعداً للأنفاق(Getty)
+ الخط -

لم تؤتِ حملة المقابلات الصحافية لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أواسط شهر يونيو/حزيران الماضي، ثمارها المرجوة، وهو الذي حاول تبرئة ساحته من مسؤولية إخفاق جيش الاحتلال خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. فنتنياهو الذي حاول الادعاء أنه أجرى أكثر من 13 جلسة في الكابينيت الإسرائيلي لمعالجة موضوع الأنفاق في قطاع غزة، وجد نفسه أمس أمام مسودة تقرير أخيرة لمراقب الدولة الإسرائيلي يوسيف شبيرا، اتُهم فيها ليس فقط بالتقصير وإنما يإخفاء المعلومات الكثيرة التي وفرها الجيش و"الشاباك" والاستخبارات العسكرية "أمان" عن باقي وزراء الحكومة وتحديداً وزراء الكابينيت السياسي والأمني، ناهيك عن عدم أمر الجيش بالاستعداد لمواجهة الخطر. ومع أن مسودة التقرير السرية سُلّمت أمس لقادة الحكومة والجيش الذين تبوأوا مناصب رسمية ورفيعة في إدارة الدولة إبان الحرب، إلا أن الصحف الإسرائيلية كشفت مقاطع واسعة تزيد من حرج موقف نتنياهو وتضعف ادعاءاته بشأن بذل كل جهد لمحاربة "الإرهاب" وضمان الأمن وكونه "سيد الأمن الأول".
وإلى جانب نتنياهو فإن مسودة التقرير ألقت بلوم كبير لا يقل من حيث حجمه ودرجة خطورته على وزير الأمن السابق، موشيه يعالون، إذ اتهم مراقب الدولة كلاً من نتنياهو ويعالون بعدم إشراك وزراء الكابينيت بالمعلومات الضرورية واللازمة عن خطر الأنفاق، وبعدم اتخاذ الخطوات اللازمة للإيعاز للجيش بإعداد خطط قتالية عملياتية لمواجهة هذا الخطر.
ومن شأن هذا التقرير عند نشره نهائياً أواخر العام الحالي، أن يعمّق الفجوة ويزيد من التوتر القائم أصلاً بين المستوى السياسي في إسرائيل والمستوى العسكري، إذ وصفت الصحف الإسرائيلية، "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس" و"معاريف"، المسودة الجديدة بأنها تحوّل مفاجئ وكبير في استنتاجات مراقب الدولة عن مسؤولية المستوى السياسي عن الإخفاق في حرب غزة، وهو تحوّل ستكون له تداعيات سياسية وحزبية وانتخابية ربما في حال تم نشر التقرير الرسمي نهائياً عند إصداره، إذا لم يتمكن نتنياهو من حجبه وفرض السرية المطلقة عليه بحجة الجوانب الأمنية فيه.
فعلى الصعيد الحزبي والسياسي، ستكون للتقرير تداعيات من شأنها أن تؤثر في المشهد السياسي الحزبي الإسرائيلي في الانتخابات المقبلة، فمع وضع لوم كبير على يعالون، تضعف فرص الأخير في أن يكون على رأس حزب جديد أو ينافس ضمن حزب قائم على منصب وزير الأمن، في ظل هذه النتائج. وسيكون للتقرير أيضاً أثر مماثل على نتنياهو وصورته أمام الناخب الإسرائيلي بأنه "سيد الأمن"، خصوصاً أن خصوم نتنياهو في اليمين، سواء من داخل "الليكود"، أو من حزبي "البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينت و"يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان، لن يترددوا في توظيف التقرير والمسؤولية التي يحمّلها لنتنياهو لضرب الأخير انتخابياً.
ويتخذ هذا الأمر بُعداً خاصاً في حالة بينت، إذ أقر التقرير بصحة روايته بأنه أول من أثار خطر الأنفاق الهجومية في الكابينيت السياسي والأمني، مقابل ضعف وعدم دقة رواية نتنياهو. وأكد التقرير بحسب ما رشح منه لغاية الآن، أن رواية بينت هي الأقرب إلى الصحة من رواية نتنياهو. ولعل أخطر استنتاج لمراقب الدولة بحسب ما لخصه بن كاسبيت في "معاريف"، هو أن "الكابينيت السياسي لم يكن مطلعاً على خطر الأنفاق، ووصلت إسرائيل إلى الحرب من دون أن يكون الجيش الإسرائيلي مستعداً أو يملك رداً لهذا الخطر، لأن رئيس الحكومة ووزير الأمن لم يحرصا على أن يكون هناك رد إسرائيلي أو حل لهذه المشكلة".


ومع أن المسودة الجديدة للتقرير وجّهت الانتقادات للمستويات العسكرية في الجيش، إلا أنها حددت أن المسؤولية الأولى عن إصدار الأوامر بوجوب الاستعداد لخطر الأنفاق كانت تقع على المستوى السياسي، وأنه كان على رئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات أن يلفتا انتباه وزير الأمن ورئيس الحكومة ليعرضا المعلومات التي تم نقلها لهما عن هذا الخطر وحجمه لباقي أعضاء الكابينيت السياسي والأمني.
ومع أن المستوى العسكري يحصل بحسب التقرير على "تبرئة" جزئية من المسؤولية، إلا أن مراقب الدولة الإسرائيلي اعتبر أنه "كان على وزير الأمن، ورئيس الأركان، ورئيس أمان، وحتى رئيس الحكومة العمل وضمان توفير خطة عملياتية لمواجهة هذا الخطر".
لكن الجيش الإسرائيلي سعى، منذ نهاية العدوان، إلى استخلاص عِبره، أيضاً لجهة النأي بنفسه من أن يكون لقمة سهلة أو شماعة يُعلق عليها المستوى السياسي المسؤولية عن أي فشل عسكري. وانعكس ذلك بوثيقة استراتيجية الجيش الإسرائيلي التي نشرها رئيس الأركان الحالي، غادي أيزنكوت، ونصّت على أنه في حال اندلاع مواجهة عسكرية فإنه يجب أن يكون تقسيم الأدوار واضحاً، وأنه على المستوى السياسي أن يحدد الهدف المطلوب من الجيش، وأن يحدد له ما الذي سيُعتبر نجاحاً وما الذي يُعتبر إخفاقاً في تحقيق الأهداف، مع ضمان أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة ميدانياً للقادة العسكريين والميدانيين.
وفي هذا الإطار وتحت هذه المبررات، نفى الجيش وقيادته العسكرية الحالية والسابقة، أن يكون الجيش قد أخفق في العدوان الأخير على غزة، بل ادعى رئيس أركان الجيش، غادي أيزنكوت، أنه بالنسبة للجيش فقد حقق الأهداف التي طُلبت منه، وبالتالي فهو ليس مسؤولاً عن بقاء سلطة "حماس"، لأن تقويض سلطة "حماس" في قطاع غزة لم يكن مطلوباً منه على امتداد أيام القتال الطويلة. وعكست هذه المقولات حقيقة ارتفاع منسوب التوتر بين قيادة الجيش ونتنياهو، مع وجود أصوات بين الوزراء، اصطفت إلى جانب الجيش، بهدف إضعاف نتنياهو والإمعان في كسر شوكته خدمة لمصالحها الانتخابية المستقبلية.
كما أن الانتقادات والمسؤولية التي حمّلها المراقب الإسرائيلي لنتنياهو، في هذه الفترة الزمنية بالذات، تزيد من حجم الأزمة التي يعانيها نتنياهو في الآونة الأخيرة، خصوصاً في ظل ضغوط تيار المستوطنين عليه لإطلاق حركة الاستيطان من دون أي قيود، والأنباء التي تحدثت عن احتمال إخضاعه للتحقيق الجنائي على أثر شبهات حول تلقيه أموال ودعم خلال الفترة التي تزعم فيها المعارضة الإسرائيلية بين عامي 2006 و2009. يضاف إلى ذلك تفجّر التقارير حول تدخّله وممارسته ضغوطاً لإتمام صفقة شراء 3 غواصات جديدة من أحواض السفن الألمانية، وليس من طرف آخر، خلافاً لموقف الجيش والمؤسسة الأمنية، وربط ذلك بحقيقة كون محامي مندوب الشركة الألمانية لصناعة الغواصات، هو ابن المحامي دافيد شومرون، قريب نتنياهو.