مخاض تعيينات ترامب: أميركا والعالم أمام 4 سنوات عجاف

16 نوفمبر 2016
التعيينات تضع ترامب في موقف محرج (جو رايدل/ Getty)
+ الخط -

أول دفعة من عملية التعيينات ضمن إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، والأسماء المتداولة لملء باقي المناصب الرئيسية فيها، تشكل العنوان الذي ينطق بما ستكون عليه وجهة حكم ترامب خلال السنوات الأربع القادمة، أميركياً وخارجياً. الردود والأجواء في واشنطن تشير إلى أن الأوضاع مقبلة على مرحلة مفتوحة غير مسبوقة بمخاطرها وتداعياتها، التي قد تطاول الحياة السياسية الأميركية في الصميم وكما لم يحصل من قبل؛ أو على الأقل هي تميل، حتى اللحظة، في هذا الاتجاه.


الزوبعة التي أثارها تعيين ستيفن بانون المستشار الخاص لترامب وكبير الاستراتيجيين، المعروف بعنصريته الفاقعة، في هذا الموقع المركزي في البيت الأبيض، لم تهدأ بعد. ويبدو أنها ساهمت في تأزم الوضع بل تفجيره إلى حدّ ما، داخل الحلقة الضيقة المشرفة على تشكيل إدارة ترامب. فقد صدر عنها فجأة، في وقت متأخر أمس، بيانا يفيد بأن عملية غربلة الأسماء "أخذت استراحة" لتستأنف في وقت لاحق.

وسبق ذلك تسريبات حول خلافات نشبت بين المتزاحمين على المناصب، كما بين مهندسي التركيبة. وكان من المتوقع أن تصدر دفعة ثانية من التعيينات، بعد وصول نائب الرئيس ترامب، مايك بانس، أمس إلى نيويورك وانضمامه إلى الفريق باعتباره رئيسه. لكن ذلك لم يحصل. العملية وصلت إلى عقدة تعذر تجاوزها وتركت الانطباع بأن ترامب عجز عن حسمها. ولتطويق مثل هذا الاعتقاد الذي يؤثر على صورته، سارع ترامب في تغريدة على حسابه عبر "تويتر" إلى التذكير بأنه هو وحده الذي يعرف ويقرر في أمر التوزيع النهائي للمناصب.



لكن الحقيقة المحرجة بالنسبة لترامب أنه لم يقو حتى الآن على ذلك. ففي اليومين الأخيرين سجلت عملية التوزيع هذه، تقلبات واستقالات أو إقالات طاولت الصف الأول من الأركان المرشحين للمواقع الأساسية في صناعة القرار بالإدارة.

عمدة مدينة نيويورك السابق، رودي جولياني، انتقل احتمال تعيينه بدون تسويغ، من وزارة العدل إلى مرشح رئيسي لوزارة الخارجية. وبعدما كان قد أفصح عن رغبته بحقيبة العدل، ارتضى بالخارجية وزعم أنه "أفضل" من المرشح الآخر لها، جون بولتون؛ مع أنه لا خبرة لديه في الحقل الدبلوماسي. وفي كل الأحوال، أثار كلاهما التخوف لدى أوساط كثيرة، في ضوء مواقفهما المتشددة والمتزمتة إزاء قضايا وملفات أمنية وخارجية عدة.

تطور آخر هام كشف أيضاً عن الارتباك والتصادم داخل فريق ترامب، بعدما انسحب من الفريق أحد أركانه وأبرزهم من حيث الخبرة، النائب الجمهوري السابق مايك روجرز. هذا الأخير كان أحد المرشحين لمركز مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي إيه" أو تسلم حقيبة أمنية هامة. كما أن حليف ترامب والمرشح الرئاسي الجمهوري الطبيب بان كارسون، اعتذر أيضاً عن قبول أي حقيبة، مع أن وزارة الصحة كانت شبه محجوزة له؛ وهو من بين القلة من الأميركيين السود في خندق ترامب.





التخبط واضح في صفوف محيط ترامب. حتى فريقه البيروقراطي المفترض أن يكون قد توزع على البيت الأبيض والوزارات والوكالات الفيدرالية للتمرين على تسلم المهام الإدارية، لم يباشر بعد أعماله، على الرغم من أنه لم يبق غير تسعة أسابيع أمام الإدارة الجديدة قبل مباشرة مهامها. المسألة لا تبدو تقنية، أو قلة خبرة لرئيس لا يملك الماكينة السياسية؛ المسألة أكثر تعقيداً من ذلك.

فعلى ما بدا، وجد ترامب نفسه في ما يشبه المأزق. "شطحاته الاستعراضية" خلال الحملة الانتخابية شيء وتحويلها إلى فعل من موقع الحكم شيء آخر. فالصقور في فريقه يدفعون باتجاه تعيينات تعكس طروحاته الداخلية والخارجية وتتبنى سياسات تكفل ترجمتها؛ وهو ميال إلى هذه الجهة، على الأقل لأنه وعد بها. لكنه يخشى حرق أصابعه مبكراً.

في المقابل، هناك مجموعة أخرى تشجع على المضي في مسار المرونة التي أبداها في لقائه مع الرئيس باراك أوباما، إذ خرج بميل إلى تعديل مواقفه إزاء بعض الملفات مثل موضوع الرعاية الصحية. ويحذر هذا الجناح من التمادي في ترجمة كل ما طرحه ترامب خلال الحملة الانتخابية. فالبلاد منقسمة نصفها أو أكثر ضده. التظاهرات ولو رمزية، لم تتوقف بعد. والخوف متفشّ في أوساط الأقليات.



وفي هذا الجو المتأزم، من شأن الإصرار على كسر العظم أن يقود نحو جنوح فاشي، تخشاه وتحذر منه جهات كثيرة. وفي أقله يعمق الانقسام مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تنامي للنزعة العنصرية المتنامية. ومن هنا تبدو اللحظة الراهنة فاصلة. حتى بعض الجمهوريين متخوف من الاستفراد والانزلاق، خاصة وأن في الساحة قدر من الاستعداد للمضي باندفاعة ترامب واحتضانها. "استراحة التعيينات" تفترض وجود رغبة لالتقاط الانفاس، لكن تبقى الخشية من احتمال تفوق كفة المتعصبين، تحت ضغط الوقت.