مأزق تشكيل الحكومة المغربية... القرار للملك مجدداً؟

15 نوفمبر 2016
يتحدث بعضهم عن محاولات إفشال بنكيران (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
تسير مشاورات تشكيل الحكومة المغربية في طريق مسدود، بعد أن مر أكثر من شهر على تكليف الملك محمد السادس، الأمين العام لـ"العدالة والتنمية" عبدالإله بنكيران، لتكوين أغلبية برلمانية، من دون أن يصل إلى نتائج ملموسة، إذ لم يعلن صراحة المشاركة في الحكومة سوى حزبين فقط، هما "الاستقلال" و"التقدّم والاشتراكية"، بينما تتردد الأحزاب الأخرى في إعلان مواقف واضحة.
وتقول مصادر لـ"العربي الجديد" إن رئيس الحكومة المكلف، عبدالإله بنكيران، بات منزعجاً جداً من حالة "الانسداد" التي تمر بها مفاوضات تشكيل الحكومة، فما إن يظهر انفراج ما في تشكيله الفريق الحكومي الجديد، حتى تنبعث إشارات تناقض وتبدد تلك الانفراجة، ما يعيد المشاورات إلى مربعها الأول.
وتضيف المصادر أن رئيس الحكومة المكلف لا ينظر بعين الرضا إلى "المواقف المتذبذبة" لحزبي "التجمع الوطني للأحرار" و"الاتحاد الاشتراكي"، فالأول ربط مشاركته بتواجد حزب "الاتحاد الدستوري" وأبدى اعتراضه على تواجد "الاستقلال" في الحكومة، أما الثاني فتارة يبدي موافقته للمشاركة في الحكومة، وتارة يبدي قربه من حزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض.
وكانت اللجنة الإدارية لحزب "الاتحاد الاشتراكي" قد أعلنت، أخيراً، أنها تفوّض الأمين العام للحزب، إدريس لشكر، "مهمة استكمال المشاورات مع رئيس الحكومة المكلف، من أجل دخول الائتلاف الحكومي". لكن تصريحات لشكر بعد ذلك أظهرت رغبته في التقرب من حزب "الأحرار" الذي بدوره يرهن مشاركته بشروط لم يستسغها بنكيران.
ويسجل مراقبون وجود حالة من الجمود تعتري مشاورات تشكيل الحكومة في مراحلها الأولى، إذ لم يتم التعرف بعد على الأحزاب المكوّنة للائتلاف الحكومي الجديد، قبل أن تنطلق مشاورات أخرى حول عدد القطاعات الوزارية في الحكومة، ونصيب كل حزب في الحقائب الوزارية التي سيقترحها بنكيران على شركائه المتحالفين معه.
حالة الشلل التي تهدد مشاورات الحكومة الجديدة في المغرب حتى اليوم، قد تفضي إلى نتائج وتداعيات سياسية واقتصادية وخيمة إن استمر هذا الانسداد فترة أخرى، أولها احتمال عودة بنكيران إلى الملك بصفته رئيس الدولة، وإخباره بعجزه عن تشكيل تحالف حكومي، ليقرر العاهل المغربي بعد ذلك بشأن هذه الحالة التي لم يتطرق إليها النص الدستوري لسنة 2011.


ويرى مراقبون أنه أمام الرفض الشديد الذي أبداه بنكيران للقبول بحكومة أقلية، تضم ثلاثة أحزاب هي "العدالة والتنمية" و"الاستقلال" و"التقدّم والاشتراكية"، والتي جميعها لا تمنح الحكومة الأغلبية المحددة في 198 مقعداً من بين 395 مقعداً في مجلس النواب، فإن الخطر الأكبر هو أن يُعيد بنكيران "المفاتيح" إلى ملك البلاد، وحينها يظهر احتمال إعادة تنظيم الانتخابات البرلمانية قائماً، مع ما لهذا الخيار من كلفة سياسية ولوجستية باهظة.
ثاني المخاطر التي أفضت إليها حالة الجمود في مشاورات تشكيل الحكومة، هدر الزمن التشريعي والبرلماني في المغرب، إذ إنه بعد حوالى شهر من افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، تظل هذه المؤسسة التشريعية معطلة، مع ما يعني ذلك من ضياع للزمن التشريعي الذي يُعتبر أساس القوانين التي تقوم عليها شؤون البلاد.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال الكاتب والمحلل السياسي توفيق بوعشرين، في مقال له، إن هناك مخططاً مدروساً لإفشال مساعي بنكيران لتشكيل الحكومة الثانية، والاتجاه نحو عقاب جماعي لمليوني ناخب صوتوا لحزب "العدالة والتنمية"، وذلك بافتعال أزمة سياسية، وربما دستورية، تمنع ولادة حكومة طبيعية من صناديق الاقتراع. ورأى بوعشرين أن "الطبقة السياسية متورطة في جريمة كاملة اسمها: قتل الزمن الحكومي والتشريعي"، شارحاً أن "قانون المالية مجمّد في ثلاجة البرلمان، وجلّ مرافق الدولة متوقفة، وحكومة تصريف الأعمال لا يمكنها أن تقوم سوى بالحد الأدنى من إدارة الشأن العام في بلاد لا تقدر قيمة زمن الإصلاح".
ومن المخاطر السياسية الأخرى للمأزق الذي تعيشه مشاورات تشكيل الحكومة الثانية لبنكيران، حالة "الضياع" التي تعتري المشهد الحزبي في البلاد، إذ ظهرت أحزاب قالت إنها مع المشاركة في الحكومة، ولكنها فعلت عكس ذلك باصطفافها إلى حزب أعلن معارضته المبدئية للحكومة.
وتنامت الاتهامات بين الأحزاب بسبب طول فترة "الشك" في تشكيل الحكومة الجديدة، فحزب "الاستقلال" هاجم "الأصالة والمعاصرة"، واعتبر أنه "رمز للتحكّم السياسي الذي يرمي إلى محو حزب الاستقلال من ذاكرة المغاربة، كحزب عريق اختار المواجهة والسير في الاتجاه الصحيح".
وفي الوقت الذي اتهم فيه حزب "الاستقلال" زعيم "الأصالة والمعاصرة" إلياس العماري كونه يقف وراء نسج محاولات للإطاحة بحكومة بنكيران حتى قبل تشكيلها، وهو ما سماه بعضهم "الانقلاب الناعم"، نفى العماري ذلك بشدة، مشدداً على أنه "بريء من أية محاولة للانقلاب على نتائج الانتخابات وإرادة الشعب".
الكلفة الاقتصادية لتأخر تشكيل الحكومة حاضرة أيضاً بقوة، إذ إن قانون المالية لسنة 2017 سيتأخر كثيراً، والمؤكد أنه لن يكون جاهزاً في يناير/كانون الثاني من السنة المقبلة، جراء انسداد الآفاق أمام تشكيل الحكومة الجديدة، إذ من المتوقع أن يجهز قانون المالية في شهر مارس/آذار أو أبريل/نيسان بسبب طول عمر حكومة تصريف الأعمال التي لا يمكنها اتخاذ قرارات ترهن الحكومة المقبلة.
وبتأخر دخول قانون المالية لسنة 2017 حيز التطبيق، فإن تنفيذ الاستثمارات سيتأخر بدورها، وسيتعطل جزء من النفقات والمصاريف، بسبب ارتباط هذه الجوانب بقانون المالية الذي يحدد حجم الاستثمارات والنفقات، وهو الوضع الذي يعيد إلى الأذهان ما حدث لحكومة عبدالرحمان اليوسفي، في الفترة بين 1998 و2002، إذ لم تتم مناقشة قانون المالية حينها إلا في شهر أبريل.

المساهمون