إعلان التزام إيران بالاتفاق النووي: استعدادات طهران لجني المكاسب

16 يناير 2016
ذكّر التفاؤل الإيراني بالفرحة بعد توقيع النووي(عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

بدت ساعات يوم أمس السبت طويلة جداً بالنسبة للإيرانيين وهم ينتظرون الإعلان الدولي الرسمي عن التزام طهران بتعهداتها بموجب اتفاق فيينا الذي أعلنت عنه مع الدول الست الكبرى منتصف شهر يوليو/تموز الفائت، استعداداً لطي صفحة العقوبات الدولية المفروضة على البلاد بسبب نشاطاتها النووية، فيما ستبقى العقوبات الأخرى قائمة.

وبالفعل، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مساء السبت، أن إيران استجابت للالتزامات المحددة في الاتفاق النووي الدولي، وسط تأكيد مسؤول أميركي مساء أمس أن الاتفاق ماضٍ في مساره نحو الإنجاز ولم يتبقَ عليه سوى مسائل فنية قليلة، وكانت بوادر الرضا الغربي على إيران قد ظهرت في الإعلان الإيراني عصر أمس عن إطلاق سراح أربعة مواطنين إيرانيين يحملون الجنسية الأميركية مقابل سبعة سجناء إيرانيين لدى واشنطن. كما أعلن مسؤول أميركي أن بلاده أسقطت التهم عن 14 إيرانياً إضافياً في صفقة التبادل.

وكان الانتظار الإيراني قد عبّر عنه مساعد وزير الخارجية، عضو الوفد المفاوض حميد بعيدي نجاد، مخاطباً المواطنين الإيرانيين عبر صفحته الرسمية على موقع "انستغرام" بالقول: "انتظروا سماع أخبار جيدة ستؤرخ لمرحلة جديدة في إيران". بعيدي نجاد تواجد في فيينا منذ الأربعاء لعقد الاجتماعات التفاوضية النهائية مع ممثلي الدول الكبرى، والتي سبقت اجتماعات على مستوى أعلى، فانضم إليه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس السبت، ليلتقي بنظيره الأميركي جون كيري، ومنسّقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، تجهيزاً لدخول الاتفاق النووي مرحلة التطبيق العملي، وهذا بعد تجاوز مرحلتي صك الاتفاق رسمياً في عواصم القرار وتطبيق إيران لتعهداتها الفنية والتقنية، والتي تشمل تصدير اليورانيوم عالي التخصيب للخارج، وإغلاق قلب مفاعل آراك، وتفكيك الفائض من أجهزة الطرد المركزي في منشأتي "فردو" و"نتانز".

تُدرك طهران أهمية المرحلة المقبلة في حال تحقّق هدفها المنشود بإلغاء كل العقوبات بالفعل، وما ستجنيه البلاد اقتصادياً قد يكون أوضح من المكاسب السياسية التي ترنو إليها البلاد، فطهران تنتظر استلام أموالها المفرج عنها في المصارف الخارجية، والتي لا تقل عن 30 مليار دولار، كما سيتسلم البنك المركزي الإيراني مبالغ أخرى، ونقلت بعض التصريحات أن هذه الأرقام قد تصل لمائة مليار دولار.

اقرأ أيضاً: إيران تعلن إيقاف مفاعل "آراك" النووي استعداداً لإلغاء العقوبات

إلغاء الحظر النفطي من جهة ثانية سيجعل إيران تكثّف من محاولاتها لاستعادة زبائنها القدامى، ولا سيما الأوروبيين منهم، وهو ما سينعكس إيجاباً على علاقاتها السياسية معهم، وتحدث مسؤولون في وقت سابق عن نيتهم زيادة معدل الصادرات البتروكيماوية لدول الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيعود على البلاد بفوائد تقدر بنحو 2.5 مليار دولار سنوياً على الأقل، فضلاً عن زيادة معدل التبادل التجاري بينها وبين هذه الدول بالذات.

ويعني إلغاء العقوبات فوائد كثيرة ستعود على إيران وعلى شركائها المرتقبين في أوروبا، وتُراهن البلاد على معادلة أن الفوائد الاقتصادية تعني استقراراً في العلاقات السياسية التي ستصبح محكومة بمعدلات وأرقام التعاون، وعلاقات أكثر ثباتاً بين الغرب وإيران ستعني عدداً من الأمور؛ أولها سيتلخص بمحاولة إيرانية حثيثة لجعل الكفة السياسية في المنطقة تميل لصالح إيران التي تريد أن تكون طرفاً فاعلاً على طاولات الحوار المرتبطة بالملفات الإقليمية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالصراعين السوري واليمني، على الرغم من أنه من الواضح أن إيران لن تغيّر من مواقفها السياسية من هذه الملفات التي تعنيها بشكل مباشر.

وقد نقلت مواقع إيرانية عن مسؤول الدائرة السياسية في الحرس الثوري، رسول سنايي راد، قوله أخيراً إنه لن يكون هناك تغير في المنطق الإيراني من ناحية تعامله مع الملفات الإقليمية، فستستمر طهران "بإرسال مستشاريها العسكريين لتقديم المساعدة اللازمة في سورية، كما ستبقي على دعمها لحزب الله اللبناني، فضلاً عن حركة المقاومة الإسلامية حماس".

تصريحات تشي بأنه لا تغيير في الموقف الإيراني في وقت يستلم فيه الحرس الثوري هذه الملفات الخارجية، فيما أن الحكومة تستلم ملفات سياسية ثانية كان أهمها النووي. والاتفاق سيجعل إيران تؤدي دورها بشكل أوضح وأكثر مشروعية، وما إلغاء الحظر عنها إلا خطوة للتقارب أكثر من الدول الكبرى والدول الفاعلة إقليمياً ودولياً.

أما النقطة الثانية التي ستجنيها إيران من تقاربها الاقتصادي مع الغرب، ترتبط بالقطاع النفطي الذي شهد تدهوراً حاداً في الأسعار خلال الأشهر الفائتة، فإيران جهزت عقود الاستثمار في قطاع الطاقة وعرضتها على الغرب، وهذا سيساعد طهران في التعويض عن خسائرها قليلاً في هذا القطاع من جهة، ومن جهة ثانية سيجعلها تحاول الاستفادة منه خلال حربها الباردة مع السعودية.

إلغاء العقوبات عن القطاع المالي والمصرفي من جهة أخرى، سيعيد إيران إلى نظام "السويفت" العالمي، وسيُسهل تعاملاتها المصرفية، وهذا يعني استثمارات وانفتاحاً أكبر، ودوراً سياسياً أوضح، بل وتسهيلاً في نقل الحوالات المالية لمن تدعمهم إيران في الخارج.

وفي وقت يرتبط فيه قرار إلغاء العقوبات بتلك التي فُرضت على البلاد بسبب النووي وجلُّها تجارية واقتصادية، أبقى الاتفاق النووي على عقوبات أخرى، وهي العقوبات التسليحية، وتنص البنود على منع طهران من الحصول على تجهيزات عسكرية غير دفاعية أو أي بضائع مزدوجة الاستخدام لمدة خمس سنوات، كما يمنعها من استيراد أي صواريخ باليستية قابلة لحمل رؤوس نووية لثماني سنوات. ومنذ الإعلان عن الاتفاق، قامت إيران بتجربتين على صواريخ باليستية تمتلكها، انتقدتها واشنطن فيما اعتبرت طهران أنها صواريخ دفاعية لا علاقة للاتفاق بها.

من جهة ثانية، تنظر طهران لاتفاقها النووي على أنه بات مُحدِداً رئيسياً في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، بين الجمهوريين المنتقدين للاتفاق والمتخوفين من الدور الإيراني، والديمقراطيين الذين يصفوه بالإنجاز الذي استطاع منع طهران من امتلاك سلاح نووي، وترى إيران في الأمر أهمية بالغة ومكسباً سياسياً يدركه الكل في الداخل الإيراني.

إلا أن هذا يبقى محفوفاً بعدة محددات، فالرغبة الإيرانية بجني كل هذه المكاسب قد تقف بوجهها محاولات جديدة لتقييدها وعزلها إقليمياً ودولياً، فحديث الكونغرس الأميركي خلال الفترة الماضية عن فرض عقوبات جديدة على إيران قد يرتبط بملفات أخرى غير النووي مستقبلاً، واحتمال تصاعد التوتر الإيراني مع الجيران، قد يكون له تبعات سلبية على اقتصاد طهران وسياستها معاً، حسب مراقبين.

اقرأ أيضاً: إيران وأميركا يتبادلان المعتقلين تزامناً مع اجتماعات النووي

المساهمون