ارتفاع وتيرة عمليات "ولاية سيناء": استفزاز الجيش لاستنفاره

12 يناير 2016
يتكتم الجيش المصري عن عدد قتلاه (فرانس برس)
+ الخط -
خلال الأيام القليلة الماضية، أعلن المتحدث العسكري المصري، محمد سمير خلال بيانات متتالية، عن مقتل ما يزيد عن خمسين ممن سماهم بـ"التكفيريين" في مناطق مختلفة من شمال سيناء (شرق مصر)، بالإضافة إلى اعتقال المئات، متكتّماً عن ذكر أية خسائر تلحق بالجيش. لكن الواقع على الأرض لا يزال يسير باتجاه آخر. فمنذ انفجار خط الغاز الطبيعي غرب مدينة العريش (شمال سيناء)، تم استهداف قوات الجيش والشرطة من خلال سبع عمليات متفرقة، أدّت إلى قتلى وجرحى، بحسب البيانات التي أصدرها تنظيم "ولاية سيناء"، التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية"، والذي ينشط في مناطق شرق محافظة شمال سيناء، متبنّياً هذه العمليات. وكان لافتاً، أنّ السلطات المصرية، أعلنت بعد ذلك عن ضحاياها من الضباط، والمجندين، فضلاً عن قصف المدرعات.

الأعداد التي يعلن عنها المتحدث العسكري سواء من القتلى أوالجرحى، توحي بأمرَين، بحسب الناشط السيناوي، عيد المرزوقي. يرجّح السيناوي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "وجهة النظر الأولى، تشير إلى أنّ الجيش فرض السيطرة التامة وقتل معظم المسلحين. أما الثانية، والتي يبررها حجم العمليات المتزايدة في أماكن مختلفة وحساسة، مثل استهداف الكتيبة 101 بصواريخ الكاتيوشا، التي تبنّاها التنظيم، تعني أنّ الأخير مكوّن من عشرات الآلاف من المسلحين"، وهو ما ينفيه المرزوقي.

وخلال الـ48 ساعة الماضية، أُصيب 9 عناصر من الجيش والشرطة بينهم ضباط في انفجارات متفرقة، كما تم تدمير 5 آليات عسكرية. وتوضح مصادر قبلية، أنّ الجيش لا يعلن عن أسماء المعتقلين أو القتلى في بياناته، "كل ما نلمسه في مجتمعاتنا القبلية الصغيرة والمترابطة هو قتل واعتقال المدنيين".

من جانبه، يقول الناشط الأكاديمي، حمدان الصايح لـ"العربي الجديد"، إن "توقيت تزايد العمليات، يأتي في إطار شحن أفراد الأمن والجيش قبيل إحياء ذكرى ثورة 25 يناير، حتى يسهل استخدامهم في قمع أية تظاهرات متوقعة في هذا اليوم". ويوضح، أنّ الحركات المسلحة في سيناء لم يستفد منها أحد فعلياً سوى الجيش الذي يستخدمها لترويج حالة الإرهاب المزعومة التي تبرّر كل سياساته. ونشرت صفحات تابعة لجهاز الأمن على موقعها عبر "فيسبوك" صوراً لمدرعات متفحّمة في سيناء، الأمر الذي رآه الصايح دليلاً على طرحه.

ولا تزال الأوضاع في سيناء غير مستقرة، على الرغم من مرور أكثر من عامَين على العمليات التي ينفذها الجيش لمواجهة الجماعات المسلحة. ولم تستطع الحملات العسكرية، تحقيق أية نتائج ملموسة لناحية إنجاز أهدافها. في المقابل، سقط العشرات من أهالي سيناء بينهم أطفال ونساء، قتلى برصاص قوات الجيش أو بفعل عمليات القصف العشوائي من الدبابات أو الطائرات الحربية.

ويبقى أن تنظيم "ولاية سيناء"، لا يزال يتمتع بقدرة كبيرة على العمل في عدد من مناطق شبه الجزيرة، منذ مبايعته "داعش" في نوفمبر/تشرين الثاني منذ عامَين، وهو ما ضاعف القدرات والعناصر المنضمّة إليه.

اقرأ أيضاً: تنظيم "ولاية سيناء" يواصل عملياته وخسائر للجيش المصري

وفي خضم العمليات العسكرية، يتفوّق التنظيم حتى الآن على كل محاولات الجيش المصري إحكام السيطرة على سيناء، خصوصاً بعد دخول أسلحة ومعدات حديثة إلى "ولاية سيناء". لكن مصادر خاصة من سيناء، تكشف لـ"العربي الجديد" عن بعض أسباب قوة التنظيم وعدم قدرة الجيش على تفكيكه وإلحاق خسائر كبيرة فيه. وتقول هذه المصادر، إنّ قدرة التنظيم بالفعل تضاعفت في سيناء بعد مبايعة "داعش"، لكن حتى قبل هذه التبعيّة، كانت جماعة "أنصار بيت المقدس"، قبل تغيير الاسم إلى "ولاية سيناء"، تتمتع بقدرات كبيرة. وتضيف المصادر الخاصة، أنّ التنظيم في الأساس قام على أنقاض جماعة التوحيد والجهاد وبعض الأشخاص المعروف أنهم يحملون الفكر الجهادي في سيناء، ولكن التأسيس كان بمساعدة أشخاص من غزة لبناء هيكل تنظيمي محكم للغاية.

وتشير المصادر أنفسها، إلى أن التنظيم الجديد يعمل بنظام الخلايا العنقودية، الذي ظهر في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم. ويعتمد على تشكيل مجموعات لا أحد منها يعرف الآخر، وتجهل وجود مجموعات أخرى في محافظات مختلفة، حتى لا يتم تفكيك التنظيم، في حال سقوط إحدى الخلايا في يد الأمن. ويقوم البناء الجديد على الفكرة ذاتها، لكن هناك تطورات، إذ بدأ التنظيم يعتمد على دوائر، حيث يوجد في كل دائرة مجموعة تقوم بمهام معينة، ولا تعرف أي شيء عن مهام الدوائر الأخرى، بحسب المصادر.

وتلفت المصادر الخاصة، إلى أنه كلما انتقل الشخص من الدائرة الأوسع إلى الأضيق ناحية مركز التنظيم، فإن مهامه تكون حساسة وخطيرة، وتحتاج إلى شخصيات من طبيعة محدّدة. وتشدد على أنّ الأهم من الاعتماد على تعقيدات البنية التنظيمية لمنع تفكك التنظيم في حال سقوط إحدى دوائره، هو اختيار الأشخاص الملائمين لكل دائرة، موضحة أنّ اختبارات معينة وضع فيها الأشخاص المنضمون للتنظيم لتحديد الدائرة المناسبة لهم، مع عدم معرفة تفاصيل عن قيادات التنظيم أو الهيكل الكلي له.

وتقول المصادر أنفسها، إن التنظيم اعتمد في عناصره الجدد داخل تلك الدوائر، على شباب من أعمار صغيرة، لا يملكون ملفات لدى أجهزة الأمن المصرية بانتمائهم الفكري إلى التيار الجهادي. وتشير إلى أن الدوائر يتعلق عملها بمتابعة قوات الجيش وتحركاتهم والإبلاغ عن ذلك لمسؤولي تلك الدائرة، ودوائر تعمل على زرع العبوات الناسفة، وأخرى تعمل على رصد أي تحركات غريبة أو استعدادات، وغيرها تعمل في أجهزة الدولة عن طريق اختراقها وفي الإعلام، فضلاً عن التحريض على الانضمام والنفير، وهناك من يتولى الاتصال بين المجموعات كلها.

وتؤكد هذ المصادر، أنه "ليس بالضرورة أن يكون المنضمون للتنظيم يحملون السلاح، لكن هناك بعض الأعمال التي لا يستقيم التنظيم إلّا بها. وتضيف، أن هذه البنية التنظيمية تجعل عملية تفكيك التنظيم واختراقه غاية في الصعوبة، خصوصاً مع امتلاك جهاز أمني داخلي قوي، وهو أمر يشدد عليه "داعش"، وفقاً للمصادر.

هذه المعلومات من قلب الأحداث في سيناء، تفسر مسألة الكمائن التي ينصبها المسلحون لقوات الجيش في الحملات العسكرية، فضلاً عن رصد تلك التحركات بدقة لتحديد أوقات العمليات والتخطيط لها. وبحسب المصادر السابقة، فإنّ التوجه الكبير في استهداف قوات الجيش والشرطة ومدرعاتهما في مدينة العريش، والتي كانت هادئة باعتبارها مركز ثقل العمليات وبعيدة عن الأحداث العنيفة في الشيخ زويد ورفح، بات يتزايد بشكل كبير. وتؤكد المصادر وجود دوائر للتنظيم في العريش، تقوم بعملية زرع العبوات الناسفة في طريق قوات الجيش والشرطة، خصوصاً وأن معظم العمليات تمت في قلب المدينة وليس على الطريق الدولي.

وحول عملية دخول الأسلحة الحديثة إلى سيناء، تشدد المصادر، على أنّ هذه مسألة بسيطة للغاية، لأنّ سيناء لا يمكن بحكم طبيعتها الجغرافية إحكام السيطرة عليها تماماً. وتعترف هذه المصادر بانضمام بعض من شباب القبائل والعائلات إلى التنظيم المسلح بدافع الانتقام من انتهاكات الجيش ضد أهالي سيناء، من خلال القتل المتعمد، والاعتقالات العشوائية، من خلال الطيران الحربي أو قصف الدبابات. وتحذر المصادر من مغبة استمرار الوضع كما هو عليه، خصوصاً في ظل تصاعد حالة الغضب من الجيش وممارساته، وهو ما يزيد من تعقيدات الأزمة في سيناء.

اقرأ أيضاً العالم السري للمتفجرات(6-7): مصر.. مسلحو سيناء يطورون العبوات الناسفة

المساهمون