محاولات غربية لفهم أسباب التصعيد الروسي في سورية

25 سبتمبر 2015
بوتين ينقلب على تسوية ما بعد الحرب الباردة(ساشا موردوفيتس/Getty)
+ الخط -
يطرح تطوّر الموقف الروسي المتسارع في سورية، الكثير من الأسئلة حول الدوافع الحقيقية لمبادرة موسكو، للإعلان بوضوح عن مشاركة عسكرية مباشرة في سورية، وإذا ما كان هذا الموقف مقتصراً على دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحليفه التقليدي في دمشق، أم أن روسيا ترى في سورية ساحة أخرى، لاستعراض قوتها كلاعب فاعل على الساحة الدولية.

وتتساءل في هذا الصدد الباحثة في "المؤسسة الأوروبية للديمقراطية"، آنا بورشيفسكايا، في مقالٍ في مجلة "فورين بوليسي"، إذا ما كان لدى بوتين خطة لسورية. وترى أنه "ليس مجرد دعم (الرئيس السوري) بشار الأسد ما يقود تدخّل موسكو المتنامي في سورية، بل أن بقاء الأسد في السلطة أمر أساسي لخطة بوتين. كما عبّر عن ذلك صراحة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أكد ذلك في شهر يوليو/ تموز الماضي. ومن المتوقع أن يكرر لافروف هذا الموقف في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق هذا الشهر.

تقول الباحثة التي تعمل كذلك في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الاقصى"، أن "موسكو كانت الداعم الأقوى للأسد منذ مارس/آذار 2011، وقد دعمت نظام دمشق بالأسلحة والمستشارين، والقروض، والغطاء السياسي في مجلس الأمن الدولي، ولكن من الواضح أن هذا الدعم يتجه نحو المشاركة العسكرية المباشرة".

وفي البحث عن الدوافع الحقيقية وراء التدخل المباشر لموسكو في سورية، ترى بورشيفسكايا أن "نجاح بوتين بإقناع العالم بأن لا غنى عن روسيا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، سيساعده في إنهاء العزلة الدولية التي أعقبت ضمَّه لشبه جزيرة القرم، واكتساب الشرعية من خلال إعادة توجيه انتباه العالم، نحو ما وصفه الرئيس الروسي بالقتال ضد عدو أخطر، في معركة أكبر من الخلافات مع الغرب بشأن أوكرانيا".

وتضيف الباحثة أن "الدافع الآخر يتمثل في خشية روسيا من سقوط نظام الأسد، الذي فقد الكثير من السيطرة على بقاع شاسعة من سورية، وهي خشية نابعة من حرص موسكو على مصالحها الاستراتيجية والثقافية والاقتصادية، إذ يُقدّر بأن الشركات الروسية استثمرت حوالى 20 مليار دولار خلال السنوات الماضية في سورية".

اقرأ أيضاً: روسيا وأقنعتها المكشوفة في الحالة السورية

وتتابع "بالتالي فإن التخلّي عن الأسد يترتّب عليه أيضاً التخلّي عن هذه الاستثمارات. كما أن روسيا لا ترى في الأفق أي إمكانية لقيام أي نظام في سورية يكون أقرب لها من نظام الأسد، حليف موسكو في العالم العربي لأكثر من 40 عاماً، وبوابة نفوذ الاتحاد السوفييتي السابق في الشرق الأوسط".

وتكشف أنه "كما أن هناك أسباباً استراتيجية مقنعة لموسكو لدعم الأسد بشكل عاجل الآن، فسورية موطئ قدم مهم لروسيا في المنطقة، فهي تطلّ على البحر الأبيض المتوسط، وتجاور إسرائيل (فلسطين المحتلة)، لبنان، تركيا، الأردن، والعراق، وإذا ما نجح بوتين في تعزيز القوة البحرية الروسية فهذا يعني تعزيز فرص فوزه بفترة رئاسية ثالثة في عام 2018. أما سقوط الأسد فيعني فقدان القاعدة العسكرية الوحيدة لروسيا خارج حدود الاتحاد السوفييتي السابق. وقد سبق أن أعلن بوتين في سبتمبر/أيلول 2014، عن خطط لتعزيز وتطوير قدرات الأسطول الروسي في البحر الأسود، والحفاظ على قاعدة طرطوس في البحر الأبيض المتوسط".

واعتبرت بورشيفسكايا أن "دعم الأسد يناسب خطط بوتين لاستعادة روسيا كقوة عظمى معارضة للغرب، لكنه يعزز أيضاً موقف الرئيس الروسي الداخلي، من خلال حشد المواطنين في مواجهة العدو الخارجي، لا سيما مع رفع شعار: الحرب على الإرهاب. وهو الشعار عينه الذي حقق لبوتين الكثير من التأييد الشعبي، بعد سلسلة التفجيرات التي وقعت في موسكو ومدن روسية أخرى في سبتمبر/أيلول 1999".

وبالنظر الى الموقف الروسي في سورية وأوكرانيا وغيرهما من الملفات الدولية، ترى مجموعة من الباحثين في دراسة موسعة نشرها مركز الأبحاث البريطاني "تشاتم هاوس" بعنوان "التحديات الروسية"، أن "سياسات بوتين الجديدة، تُشكل محاولة انقلاب على التسوية الدولية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة في أوروبا، وهو ما دعا العديد من الحكومات الغربية إلى إعادة تقييم سياساتها تجاه روسيا، لأن الاعتقاد الذي ساد الساحة الدولية منذ العام 2003، بأن روسيا الحديثة يُمكن استيعابها في النظام الدولي كلاعب إيجابي وبنّاء، تبدد الآن، وبات أغلب الظن أن روسيا بمسارها الحالي، لا يمكن أن تكون شريكاً أو حليفاً، وأن الخلافات بين روسيا والغرب باتت تفوق أي مصالح مشتركة".

ويقدّر الباحثون أن "التهديدات المتزايدة من روسيا للنظام الدولي تشكل تحدياً للغرب ولروسيا نفسها، لذلك يتعيّن على الغرب وضع وتنفيذ استراتيجية واضحة ومتماسكة، قدر الإمكان، تجاه روسيا، تستند على تقييم أطلسي ـ أوروبي مشترك للواقع الروسي. وتهدف إلى ردع موسكو وكبح سياساتها، من دون عزل روسيا بشكل تام، بل مع إبقاء الباب مفتوحاً لإعادة التواصل مع الشعب الروسي ومؤسسات الدولة عندما تتغير الظروف في فترة ما بعد بوتين".

ويرى الباحثون أن "على الغرب إيجاد سبل أفضل للتواصل مع الشعب الروسي ومؤسسات الدولة، لأن من مصلحتهم الوطنية على المدى الطويل أن تكون روسيا جزءاً من النظام الأوروبي، وليست قوة إقليمية معزولة. كما يجب الإبقاء على العقوبات ضد روسيا، وتحجيم نفوذها في أسواق الطاقة العالمية، وعدم تطبيع العلاقات مع موسكو إلى حين التوصل لتسوية مقبولة للصراع الأوكراني وامتثال روسيا لالتزاماتها الدولية".

ويرى المشاركون في الدراسة أن "على الغرب تعزيز الشراكة مع شركاء الاتحاد الأوروبي من دول أوروبا الشرقية، ومساعدتها على تدعيم سيادتها والنهوض باقتصادياتها، مع ضرورة الحفاظ على مصداقية حلف شمال الأطلسي كرادع للعدوان الروسي، والتأكيد على أن الرد على أي حرب غامضة أو هجينة، لن يكون محدوداً بل سيكون قوياً".

اقرأ أيضاً: روسيا.. لإزالة سورية من الخارطة

المساهمون