جريمة السياح المكسيكيين: القتل الاستباقي استراتيجية أمنية مصرية

15 سبتمبر 2015
المستشفى الذي نُقل إليه الجرحى (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
تفضح عملية قتل الأشخاص الـ12 في الصحراء الغربية في مصر، ليل الأحد، استراتيجية الأمن المصري، ممثلاً بالجيش والأجهزة الأمنية، القائمة على القتل الفوري لكل مشتبه به، أو إن صحّ التعبير "القتل الوقائي" لمجرد الشكّ. وإذا كان النظام قادراً على الادّعاء في التصفيات الجسدية المتواصلة للمصريين المعارضين، بأنهم كانوا مسلحين، فهو لن يكون قادراً على فعل الأمر نفسه في شأن ركاب أربع سيارات سياحية تجول في إطار سياحة صحراوية (سفاري)، يستحيل أن يكونوا مسلحين. ويرى كثيرون أنه لو لم يكن الضحايا من السياح الأجانب، يرافقهم سائقون وأدلّاء مصريون، لكانت القصة انتهت ربما ببيان عن عملية أمنية استأصلت فيها السلطات الأمنية "مجموعة إرهابية في الصحراء".

وحصلت "العربي الجديد" على شهادة أحد شهود العيان على جريمة الصحراء الغربية. يروي الشاهد، الذي رفض نشر اسمه لأسباب أمنية، لـ"العربي الجديد"، واقعة القتل وما سبقها، بما يناقض البيان الرسمي الصادر عن وزارة الداخلية المصرية. يقول الشاهد من سكان منطقة الواحات البحرية إن "هناك شخصاً في المنطقة اسمه صالح، من قرية تُدعى الريس، تابعة لمنطقة الحيز بالواحات البحرية، وكان صالح يعمل مرشداً للجيش، لعلمه بدروب الصحراء، وقد اتصل به المهربون، أكثر من مرة، ووجهوا له رسائل عدة بأن يترك العمل مع الجيش، لأنه تسبب في خسائر لهم".

يتابع الشاهد أنه "منذ أربعة أيام نزل المهربون إلى قرية الريس عند الساعة 12 ليلاً، واقتحموا منزل صالح واقتادوه معهم، وعندما سمع أولاد أعمامه بما يحدث خرجوا بسبب الأصوات المرتفعة، وحدثت معركة، فقتل المهربون أحدهم وأصابوا اثنين آخرين، وقاموا بخطف صالح واتجهوا به إلى منطقة صحراوية تُسمّى البحور".

ويكمل الشاهد: "قام أهل صالح بإبلاغ الشرطة، التي لم تُحرّك ساكناً، لعلمها أن المهربين مسلّحون، ويعلمون دروب الصحراء جيداً. وقالت الشرطة، كما روى لنا أحد أقارب صالح، إنهم قاموا بإبلاغ الجيش الذي رفض التدخل، لعلمه أيضاً أن المهربين مسلحون".

ويكشف أن "المهرّبين ربطوا صالح على أحد الجبال في منطقة البحور، وعندما قيل لهم إن الجيش سيتدخل بالطيران قاموا بذبحه وتركوه وهربوا. وقام الجيش بمسح المنطقة بالطيران، وعندما وجد سيارات السياح المكسيكيين ومرافقيهم المصريين، قام بالتعامل معهم على أنهم المهرّبون. هذا كل ما حدث، والموضوع ليست له علاقة بما ذكره بيان الداخلية".

اقرأ أيضاًالسيسي يشترط دستوراً بطعم "النوايا السيئة" قبل البرلمان

وكان بيان وزارة الداخلية، قد اكتفى بالإعلان عن الواقعة وقتل السياح عن "طريق الخطأ أثناء ملاحقة عناصر إرهابية في طريق الواحات بالصحراء الغربية". واعتبرت الوزارة، في بيانها، أنه "في الساعات الأولى من صباح الإثنين، تعاملت قوات مشتركة من الشرطة والجيش، أثناء ملاحقة بعض العناصر الإرهابية في منطقة الواحات، مع أربع سيارات دفع رباعي، تبيّن أنها خاصة بفوج سياحي مكسيكي الجنسية، تواجد بذات المنطقة المحظور التواجد فيها عن طريق الخطأ". وجاء تكذيب آخر للرواية الرسمية من قبل "رابطة المرشدين السياحيين المصريين"، التي نشرت صورة من تصريح الموافقة الأمنية على دخول الفوج السياحي للمنطقة، التي زعم بيان الداخلية أنها محظورة، وأن الفوج لم يحصل على التصريح اللازم.

بالإضافة إلى ذلك، لم يأتِ بيان الداخلية بأي تفاصيل عن طريقة التعامل مع السيارات، وأين ذهبت سيارات المسلحين الذين يتحدثون عنها، وما إذا كانت الملاحقات تتم بشكل برّي، بالتالي كيف ضلّت قوات الجيش والشرطة أهدافها.

الغريب في بيان وزارة الداخلية، هو توقيت الواقعة التي حدثت في الساعات الأولى من صباح الإثنين، بيد أن مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بهذا الخبر في غضون الساعة التاسعة أو العاشرة، من مساء الأحد. أما الأخطر في الواقعة، بالنسبة لمصدر أمني مصري سابق، فهو أن "البيانات التي كانت تُنسب إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أصبحت محل شك كبير بعد حادثة ليل الأحد". ويُضيف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "ليس مصادفة، أنه قبل الكشف عن حادث قتل السياح المكسيكيين بقليل، يخرج بيان مشبوه لداعش، يُعلن فيه التصدّي لحملةٍ للجيش المصري في الصحراء الغربية. مع العلم أنها المرة الأولى التي تبثّ فيها حسابات تدّعي انتماءها لتنظيم "ولاية سيناء"، التابع لـ"داعش"، بياناً للأخير يُعلن فيه "تصدّيه لحملة الجيش في الصحراء الغربية". وجاء في البيان، أن "جنود الخلافة يسّر الله لهم التصدّي لحملة الجيش بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقذائف الآر بي جي، مما أدى إلى فرار القوات في الصحراء الغربية".

وأُرفقت مع البيان صور عدة، تكشف تواجد عدد من سيارات الدفع الرباعي في منطقة صحراوية شاسعة، خلال عمليات تبادل إطلاق نار، من دون إظهار الجهة المقابلة لعناصر التنظيم، وما إذا كانوا من جنود الجيش أم لا. وأعلن التنظيم في البيان عن "ذبح شخص" وصفه بـ"جاسوس لقوات الجيش، ويُدعى صالح قاسم سيد".

يقول الخبير الأمني، محمود قطري، إن "استهداف سيارات السياح في الصحراء الغربية، هو فشل أمني جديد يضاف للمنظومة بأكملها في مصر". ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأزمة في مصر أكبر وأخطر من فكرة ضبط المنظومة الأمنية، بقدر ما هي تغيير في الاستراتيجية، واعتماد سياسة القتل والتصفيات أولا قبل أي شيء". ويشير إلى أن "الجهات الأمنية باتت تتساهل في عمليات القتل بشكل كبير، من دون وجود رادع لهم من القانون والدولة".

ويقول خبير أمني، متخصص في مكافحة الإرهاب، إن "قوات الجيش والشرطة باتت تخاف من التعامل مع العناصر المسلحة وجهاً لوجه". ويضيف الخبير، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "الأمن في مصر بات يسير حسب الأهواء من دون وجود خطة أو رؤية". ويشدد على أن "قوات الشرطة تعتمد على مبدأ التصفيات الجسدية، وهو إعادة إنتاج فترة زكي بدر حين كان وزيراً للداخلية، وهذا الأمر بات السمة المميزة لقوات الشرطة". ويتابع: "اعتادوا على مبدأ قتل أي مواطن، ثم يُقال إنه قُتل خلال اشتباكات ومواجهات. ولكن في حادثة السياح لن يتمكن أحد من قول شيء، لأنهم أجانب بالتأكيد".

من جانبه، يقول خبير عسكري مصري، إن "الأزمة تتعلق بعدم وجود معلومات واضحة حول الواقعة، والبيان الذي أعلن عن مقتل السياح صادر عن وزارة الداخلية، ولا علاقة لها بالمناطق الحدودية والثغور". ويتساءل: "بيان الداخلية يتحدث عن التعامل مع أربع سيارات دفع رباعي، فما شكل هذا التعامل، هل هو قصف مروحي أم قذائف آر بي جي، أم مواجهات مباشرة؟". ويؤكد أنه في "الحالتين الأولى والثانية يمكن عدم التحقق عن البعد من تلك السيارات، ولكن إذا كانت مواجهة مباشرة، فكيف يتم قتل هذا العدد ولم يطلق من تلك السيارات رصاصة واحدة؟". ويلفت إلى أن "الجيش المصري بدأ ينجرّ إلى استخدام نفس أساليب الداخلية في عهود سابقة، في اتباع نهج التصفيات الجسدية فوراً، اعتماداً على مبدأ الشك في أي شخص". ويشدد على أن "المنطقة الغربية للحدود المصرية باتت مصدر قلق كبير بالنسبة للدولة، وليس فقط على النظام الحالي، بفعل تهديد الجماعات المسلحة لكيان الدولة الإسلامية". وحول التصاريح السياحية لسيارات السفاري، أكد الخبير الأمني، أنها "في الأغلب تابعة لجهات ليست عسكرية، ولكن المرشدين يعرفون جيداً ما هي المناطق المحظورة تحديداً، حتى لا يعرضوا أنفسهم للمخاطر".

من ناحية أخرى، يقول الخبير السياسي، محمد عز، لـ"العربي الجديد"، إن "الحادثة سيكون لها مردود سلبي على النظام الحالي، ليس فقط من الناحية السياسية، ولكن لناحية السياحة". ويضيف عز أنه "لو أراد أكثر أعداء الرئيس عبدالفتاح السيسي والنظام الحالي توجيه ضربة له، لن تكون أقوى مما فعلته قوات الجيش والشرطة" في الصحراء الغربية. ويؤكد أن "السياحة ستتأثر بقوة خلال الفترة المقبلة، بفعل العملية الأخيرة، فضلاً عن مناخ عدم الاستقرار الذي تشهده مصر، مما دفع الكثيرين إلى اللجوء لدول أكثر استقراراً مثل تركيا أو ماليزيا وتايلاند".

ويلفت إلى أن "تأثيرات الحادثة من الناحية السياسية لن تكون في تغيير الدول تعاملها مع مصر، ولكن سيكون واضحاً أمام العالم أن النظام الحالي يدفع بالعنف إلى الصدارة ولا يريد أي حلول سياسية، ويعتمد التصفيات الجسدية قبل التحقق، في ظل إهمال وتغافل القانون".

اقرأ أيضاً: 4 حكومات في مصر واقتصاد ضعيف

المساهمون