السودان أمام "مجلس حقوق الإنسان" اليوم... شبح البند الرابع

14 سبتمبر 2015
يراهن السودان على روسيا والصين (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
تتأهب الحكومة السودانية لخوض معركة جديدة، اليوم الاثنين، داخل أروقة "مجلس حقوق الإنسان"، التابع للأمم المتحدة، من أجل إجهاض قرار أميركي يهدف لإعادة فرض البند الرابع من بنود المجلس (الوصاية والرقابة)، على السودان. هو بند تخشاه الخرطوم، كونها خضعت له بين عامي 1993 و2009، قبل أن يُفرض عليها البند العاشر (الإشراف) في سبتمبر/أيلول 2009.

ويرى مراقبون أن "فرص الخرطوم في مناهضة القرار قليلة جداً، باعتبار أن القرار سبق أن طُرح في دورة المجلس، العام الماضي، وتم تجاوزه بعد التزامات من الحكومة السودانية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان". ودفعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ونيجيريا بتقرير، خلال الجلسة الإجرائية للمجلس التي عُقدت الأسبوع الماضي، أكدت خلالها أن "حالة حقوق الإنسان في السودان، تتطلّب إعادته إلى البند الرابع وتعيين مقرّر مستقل".

وكانت 16 منظمة دولية حقوقية قد سلّمت رسالة إلى "مجلس حقوق الإنسان" قبل أن تنعقد جلسته المقررة، اليوم الاثنين، طالبت فيها المجلس بـ"استصدار قرار قوي وفوري يقضي بإعادة الخرطوم إلى البند الرابع، فضلاً عن إرسال فريق تحقيق متخصص في قضايا العنف الجنسي، للتقصّي حول انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، لتحديد المسؤولين ورفع توصية بمساءلتهم".

وأكدت المنظمات في الرسالة أن "أوضاع حقوق الإنسان تتدهور في السودان، بسبب تزايد القمع السياسي واستمرار اعتقال السياسيين، فضلاً عن الإفلات من العقاب وقصف المدنيين بمناطق النزاع في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان".

وأشارت المنظمات إلى "وجود أدلّة متزايدة لارتكاب القوات السودانية جرائم حرب في تلك المناطق"، مؤكدة أن "الخرطوم أثبتت انعدام الإرادة والقدرة على إجراء تحقيق حقيقي وملاحقة الجرائم الدولية، لعدم وضعها آليات فعّالة ونزيهة ومستقلّة للمساءلة". وجاء في الرسالة، أيضاً، "حان الوقت لأن يتخذ مجلس حقوق الإنسان ردّاً قوياً على الانتهاكات الواسعة النطاق والجسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني في السودان".

اقرأ أيضاً: سلام دارفور مستمر والاتحاد الأفريقي يعلن دعمه وثيقة الدوحة

وعلمت "العربي الجديد"، أن "فريقاً من وزارة العدل السودانية، أُسندت إليه مهمة الدخول في مفاوضات مباشرة، مع الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، للتوصل إلى صيغة تُبعد شبح البند الرابع عن الخرطوم". كما سيقوم الفريق بـ"شرح القرارات التي اتخذتها الحكومة السودانية أخيراً، والتي تضمّنت 52 قراراً، معظمها متّصل بتنفيذ التزامات سابقة للسودان، من بينها تعديل قانون الأمن المثير للجدل، وإنشاء قضاء مستعجل للنظر في قضايا الحقوق الأساسية والحريات العامة". وسيقدّم الفريق ملخصاً عن "جهود وزارة العدل فيما يتصل بالتحقيق في أحداث تظاهرات سبتمبر 2013، التي راح ضحيها أكثر من 500 شخص بين قتيل وجريح، معطوفاً على قرار الرئيس عمر البشير بتعويض أُسَر الضحايا".

وينصّ البند الرابع على تعيين مُقرر خاص لمراقبة ورصد سلوك الدولة، التي تُصنّف وفقاً لهذا البند ضمن الدول التي تكون حالة حقوق الإنسان فيها وصلت إلى مرحلة خطرة. الأمر الذي يُسيء لها ويؤثر في مصداقيتها، وينعكس سلباً في تعاملاتها مع الدول الأخرى، خصوصاً الدول الغربية. وتُتاح من خلال البند الرابع صلاحيات واسعة للمُقرّر المُولج ملف الدولة المعنية، قد تقود إلى تدخّل دولي لحماية حقوق الإنسان في هذه الدولة.

وتناوب على السودان خلال الفترة من عام 1993 وحتى عام 2009، سنوات خضوعه للبند الرابع من بنود "مجلس حقوق الإنسان"، خمسة مُقررين خاصين. ومورست على الخرطوم ضغوط كبيرة، فشلت معها في الحصول على الامتيازات التي تحصل عليها دول العالم الثالث، كما تحاشت دول غربية التعاون مع السودان بفعل هذا الوضع. ويقول محللون إن "إعادة السودان للبند الرابع، سيفرض عليه ضغوطاً أشدّ، باعتبار أن المجتمع الدولي سيعتبر أنه لا بدّ من مواجهة التراجع بعد التحسّن، بصرامة أكبر".

وفي هذا الصدد، يعتبر المحلل السياسي، عبدالله إبراهيم، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أخطر ما في التحركات الخاصة بإعادة السودان للبند الرابع، أن الولايات المتحدة تقود هذا التحرّك بنفسها، بالنظر للدور الذي أدّته في نقل البلاد إلى البند العاشر".

وهو ما اعترف به وزير الخارجية السوداني السابق، علي كرتي، الذي أكد أنه "لولا واشنطن لظلّت الخرطوم تحت البند الرابع". وأوضح أن "المنظمات المدنية هي التي تحرّك الولايات المتحدة، التي تؤثر بشكل مباشر على الخريطة السياسية، وعادة ما تسعى الحكومات في الولايات المتحدة لكسب ودّها".

ورجّح كرتي أن "تتمّ المصادقة على القرار الأميركي، وأن تحاول الحكومة في السودان الإمساك بورقة الحوار السوداني في محاولة للضغط عبره وتقديم تنازلات كبيرة لإنجاحه، مع تقديم حزمة التزامات جديدة، بما يتصل بأوضاع حقوق الإنسان وتعديل القوانين المقيّدة لها وللحريات. 

في المقابل، كشفت الحكومة في الخرطوم أنها "بدأت اتصالات واسعة بالتنسيق مع حلفائها الدوليين والإقليميين، لإحباط التحرّك الأميركي". واستنكر وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور الخطوة الأميركية، واعتبرها "تصبّ في إطار رغبة واشنطن إخضاع الخرطوم". وقال في تصريح إن "الحكومة السودانية تعتقد أن الولايات المتحدة تريد حكومة في الخرطوم تأتمر بأمرها، ولا تكون لديها حرية اتخاذ قرار". وأضاف أن "الحكومة لن تقبل سوى بعلاقات طبيعية تمتنع فيها واشنطن من التدخل في قضايا البلاد الداخلية". وأبدى اندهاشه حول مطالبة الولايات المتحدة للسودان بتقديم تعاون لحلّ قضايا المنطقة. وشدّد إنه "على من يريد التعاون أن يحترمنا ويتعامل معنا بجدية".

ويُراهن السودان على كل من الصين وروسيا، لا سيما بعد أزمته الأخيرة مع الاتحاد الأفريقي، الذي أصدر مجلسه "السلم والأمن" قراراً اعتبرته الحكومة موجّهاً ضدها. ونصّ القرار على عقد مؤتمر تحضيري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يضمّ المعارضة المسلّحة والسلمية، لوضع أطر لحوار يشارك فيه الجميع من دون استثناء. كما عقد مجلس "السلم والأمن" جلسة خاصة استمع خلالها لقادة المعارضة السودانية السلمية والمسلحة.

اقرأ أيضاً: الفصل الجديد من صراع البشير مع الجنائية