أكراد ديالى وكركوك يطردون النازحين تحسباً لتغيير ديمغرافي

02 سبتمبر 2015
نزح أكثر من ثلاثة ملايين عراقي من مناطقهم (الأناضول)
+ الخط -
اتخذت الأجهزة الإدارية والأطراف السياسية العراقية الناشطة، في أقل من أسبوع، إجراءات في محافظتي كركوك وديالى، تهدف إلى التخلص من آلاف النازحين إليها جراء الحرب مع مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وإجبارهم على العودة إلى مناطقهم.

ففي كركوك، شمال بغداد، أيّد معظم أعضاء مجلس المحافظة (الحكومة المحلية)، في اجتماعها الأخير الذي عقد يوم 31 أغسطس/آب الفائت، إصدار قرار ينصّ على إجبار النازحين إلى المحافظة بسبب الحرب ضد "داعش" على العودة إلى مناطقهم.

وفي الوقت الذي يريد الأكراد الذين يعدّون حالياً أكبر مكوّنات سكان كركوك، رؤية المحافظة خالية من جميع السكان العرب الذين استقروا فيها مع مجيء حزب البعث إلى السلطة في العراق قبل 47 عاماً، واعتبروهم جزءاً من مشروع سياسي، يهدف إلى تعريب كركوك، يتمسك العرب سواء الذين جاؤوا للإقامة في المحافظة بسبب "داعش" أو في الأعوام السابقة، بهدف حق العيش في المحافظة باعتبارها جزءاً من العراق. وبين هذين الرأيين، هناك التركمان الذين يتحدثون عن "الهوية التركمانية" لكركوك.


وفي حين تأمل إدارة كركوك بصدور قرار مجلس المحافظة أن يؤدي إلى إخراج نحو 550 ألف شخص من كركوك، جاؤوا من محافظات عديدة، مثل بغداد وصلاح الدين وديالى ونينوى، (((أعلن وزير الهجرة والمهجرين العراقي، جاسم محمد، أمس الثلاثاء، عن عودة 8 آلاف و743 أسرة نازحة في محافظة ديالى، إلى مناطقهم. ونشرت الوزارة بياناً، أشارت فيه إلى أنّ "الصعوبات التي تقف حائلًا دون عودة العوائل النازحة إلى مناطقهم الأصلية ستحلّ بالتعاون مع الجهات الأمنية". وشدّد محمد في بيانه، على أهمية مساهمة العشائر والقبائل في المحافظة على الأمن، الذي سيكون تحقيقه مدعاة لتشجيع النازحين على العودة إلى مواطنهم الأصلية.)))

وتتشدد الإدارة في موضوع استقرار النازحين في المحافظة، خوفاً من عدم مغادرتها مستقبلاً. ويقول عضو مجلس محافظة كركوك عن المكوّن الكردي، أحمد العسكري، في تصريح صحافي، أخيراً، إنّ "التجارب السابقة في قضية تعريب كركوك، تجعلنا حذرين في التعامل مع النازحين إلى المحافظة، وقد تم إخطار الدوائر الحكومية في كركوك بعدم تسهيل نقل محل السكن لأي نازح في الوثائق الرسمية المعتمدة مثل هوية الأحوال المدنية، والبطاقة التموينية".

لكن إجراءات إدارة كركوك تصطدم مع قرار لمجلس الوزراء العراقي الذي كان قد صدر في وقت سابق من العام الحالي، وينصّ على السماح للعراقيين بتغيير محال سكنهم كيفما شاؤوا في الوثائق الرسمية، ومنها بطاقات الأحوال المدنية والبطاقة التموينية.

وكانت الحرب ضد "داعش" وتمدّد مسلحي التنظيم، قد تسبّبت بنزوح أكثر من ثلاثة ملايين عراقي من مناطقهم، ويأوي إقليم كردستان نحو مليوني شخص منهم، وهو ما تسبب بزيادة نسبة 29 في المائة على عدد سكانها البالغ نحو 5 ملايين نسمة. وتحسباً من حصول تغيير ديمغرافي في التركيبة السكانية وبشكل ثابت، تحركّت كركوك لإبعاد النازحين. وإلى جانب قضية التغيير الديمغرافي، تتحدث إدارة كركوك عن أسباب أخرى تدفعهم إلى إخراج النازحين، وهي تراجع الخدمات الأساسية بسبب الزيادة الكبيرة الحاصلة في عدد السكان.

اقرأ أيضاً: بعد بغداد والموصل ... مسيحيو كركوك يتعرضون للقتل والخطف

وأعلنت إدارة كركوك عن حصولها على موافقة الحكومة العراقية على البدء بإبعاد النازحين إلى مناطقهم الأساسية، لكن لم يصدر أي موقف رسمي من بغداد يؤيد ذلك أو ينفيه، باعتبار أنّ الموافقة على مثل هذا القرار من جانب بغداد ستشكّل دعماً للأكراد مقابل العرب، ما سيدفع الكتل البرلمانية إلى تفسير أي خطوة بهذا الخصوص من قبل الحكومة كل بحسب رؤيته.

وسبق أن قامت السلطات العراقية واستناداً إلى المادة 140 من الدستور العراقي الصادر في العام 2005، بدفع تعويضات مالية لجميع الأسر التي اعتبرت جزءاً من مشروع للحكومات العراقية للفترة الممتدّة بين العام 1968 و2003، يهدف إلى تعريب كركوك، وذلك ضمن خطة تهدف إلى إعادتهم إلى مناطق سكنهم السابقة، تسهيلاً لتنفيذ تلك المادة الدستورية الخاصة بالمناطق المتنازع عليها.

وتضمنت خطوات تنفيذ تلك المادة الدستورية، تعويض المتضررين من تنفيذ المادة ثم إحصاء سكان المناطق المشمولة وأخيراً إجراء استفتاء عام ليختار السكان عائدية مناطقهم إن كانوا يفضلون الارتباط بإقليم كردستان أو الحكومة العراقية. لكن معظم الأسر التي تلقّت التعويضات استقرّت في كركوك ولم تغادرها، وهو ما أغضب الأكراد فيها، ووجهوا أصابع الاتهام إلى الحكومة، متهمينها بالتغاضي عن ذلك.

وتأتي قضية "نازحي حرب داعش" لتدفع بالإدارة الكردية لكركوك إلى التحرك بسرعة لاتخاذ إجراءات ضد النازحين حتى لا يمضي الوقت ويصعب إخراجهم من المحافظة. وأكّدت إدارة المحافظة، أنّها قرّرت منح النازحين مهلة شهر ستنتهي أواخر سبتمبر/أيلول الحالي لمغادرة كركوك قبل أن تشرع الأجهزة الأمنية في طرد من يرفض المغادرة.

أما في محافظة ديالى، التي يبعد مركزها عن بغداد مسافة 64 كيلومتراً، فقد اتفقت الأحزاب والعشائر الكردية الموجودة في مدينة خانقين وبلدة جلولاء، مع ممثلين للعشائر العربية في المحافظة وبحضور رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري ووزراء الدفاع والمهجرين على خروج النازحين من مدينة خانقين والعودة إلى مناطقهم، وإبعاد جميع الأسر العربية التي سكنت في مدينة خانقين وبلدة جلولاء خلال فترة تولي حزب البعث السلطة في العراق، باعتبارهم جزءاً من مشروع لتعريب المنطقتين.

وقال سليم الجبوري في تصريح للصحافيين، أخيراً، إنّه "تمّ التوصل إلى جملة من الاتفاقات حول قضية المهجرين والنازحين وتحديد موعد عودتهم إلى مناطقهم الأصلية في مناطق محافظة ديالى". أما المساعد العسكري للرئيس العراقي السابق، جلال طالباني، محمود سنكاوي فقال بعد مشاركته ممثلاً للجانب الكردي في الاجتماعات، إنّ "كل من جاء إلى خانقين في زمن البعث، أبلغنا رئيس البرلمان بأنه غير مسموح له العودة إلى منطقة جلولاء والاستقرار فيها، وإذا أراد أي منهم رؤية البلدة، فبإمكانهم ذلك من خلال المنظار..".

ويرغب الأكراد في مدينتي خانقين وجلولاء، حيث يشكلون الأغلبية، استغلال قضية وجود النازحين والوافدين إليهما في السنوات السابقة لإبعادهم، بتشجيع من الحكومة العراقية في ظلّ حزب البعث. وينص اتفاق الأكراد والعرب الذي حضره رئيس البرلمان ووزراء في الحكومة على إبعاد السكان "غير الأصليين" من خانقين وجلولاء الذين سكنوا فيهما على مدى 40 سنة الأخيرة، وستعمل لجنة أمنية، سيجري تشكيلها بحسب الاتفاق، على التحقق من كون الأسر أصلية أم لا.

وتؤكد الأجهزة الأمنية في المنطقتين اللتين يسيطر عليهما الأكراد، أنّ "داعش" جنّد عدداً كبيراً من المتعاونين وأعدّ خلايا نائمة في ديالى، وخصوصاً في بلدة جلولاء. وبعد التحقيق، ثبت أن المتورطين بالتعاون مع المسلحين طيلة الفترة الماضية، هم من مؤيدي حزب البعث وجاؤوا للسكن في المنطقة بتشجيع من الحكومة قبل العام 2003.

اقرأ أيضاً: "داعش" و"الحشد الشعبي" يتنافسان على ارتكاب المجازر بديالى العراقية