تزايد التحديات أمام باكستان: هل تدفعها لتغيير استراتيجيتها؟

31 اغسطس 2015
تزايد أعمال العنف داخل باكستان (الأناضول)
+ الخط -
تواجه باكستان تحديات وصعوبات جمّة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ما قد يدفعها إلى إعادة النظر في استراتيجيتها التي تتبعها منذ عقود إزاء بعض دول المنطقة، لا سيما أفغانستان، التي حاولت كما يقول رئيسها أشرف غني، على مدى الأشهر العشرة الماضية، أن تحسّن علاقاتها بباكستان لمصلحة جنوب آسيا كله، وليس للدولتين فحسب.

وفي خضم الأزمة الأمنية والسياسية الداخلية وتدهور علاقات إسلام أباد بكابول، تُصعّب التطورات المتسارعة على حدود باكستان مع الهند مهمة الحكومة الباكستانية وقواتها المسلحة. وثمة من يتحدث من الساسة الباكستانيين عن التنسيق والعمل المشترك بين كابول ونيودلهي ضد بلادهم، وارتفعت وتيرة هذا التعاون، حسب اعتقادهم، بعد الأعمال الدموية التي شهدتها الساحة الأفغانية أخيراً، واتهام كابول لإسلام أباد بدعم الجماعات المسلحة التي تنشط في أفغانستان.

وشهدت العلاقات الأفغانية الباكستانية تحسّناً على مدى الأشهر العشرة الماضية، بعد أن قام الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني بزيارة مهمة إلى إسلام أباد، أعلن خلالها فتح صفحة جديدة في علاقات بلاده مع باكستان. وفي تلك الفترة الوجيزة شهدت العلاقات بين الجارتين تطورات إيجابية، من أهمها عودة "طالبان" إلى الحوار مع الحكومة الأفغانية، إضافة إلى العمليات المشتركة بين البلدين على الحدود لقطع الطريق على المسلحين، وإرسال أفغانستان بعض ضباطها للتدريب في باكستان.

إلا أن هذه الصفحة يبدو أنها قد طويت بعد إعلان "طالبان" وقف الحوار مع الحكومة الأفغانية إثر إعلان وفاة الملا عمر، الزعيم الراحل للحركة، ثم عودة سلسلة من أعمال العنف الدموية إلى كابول. وبالتالي عادت العلاقات الأفغانية الباكستانية إلى ما كانت عليها إبان حكم الرئيس الأفغاني السابق حامد قرضاي، بل أسوأ من ذلك نظراً للهجمات الحدودية المتواصلة بين قوات الدولتين، واتهام كل دولة نظيرتها بانتهاك الحدود وقتل الجنود.

وفي أعقاب سلسلة من أعمال العنف التي سقط خلالها مئات المدنيين بين قتيل وجريح في كابول وضواحيها، خرج الرئيس الأفغاني أمام شعبه في كلمة، سأل فيها: "لو كانت هناك جماعة تقتل الأبرياء في باكستان ثم تتخذ من كابول ومدن أفغانية أخرى مقراً لها، تنشط فيها بكل حرية وطلاقة، وكنا ندعمها بكل أنواع الدعم، ماذا كانت ردة فعل باكستان؟". ثم لمّح إلى استراتيجية بلاده الجديدة قائلاً: "لقد ولّى أوان الحوار، ويتوجب على باكستان وقواتها المسلّحة أن تقوم بعملية ضد طالبان أفغانستان". وأعلن أن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف اتفق معه، على "أن تقوم القوات المسلحة الباكستانية بعملية ضد "طالبان" أفغانستان إذا ما رفضت الأخيرة الحوار، وها هي رفضت الحوار، واختارت طريق العنف، لذا نطالب باكستان بالعملية المسلحة ضدها".

وفي خضم اتهامات المسؤولين الأفغان لباكستان بدعمها للجماعات المسلحة، بدأت الحدود المشتركة تشهد انتهاكات متواصلة بين قوات الدولتين، وادعت كل من كابول وإسلام أباد مقتل عدد من جنودهما بفعل نيران الجانب الثاني. واستدعت كل واحدة سفير الطرف الثاني أكثر من مرة على المدى الأسبوعين الماضيين.

لم تقف الأمور عند حد الانتهاكات الحدودية وتبادل الاتهامات بين الجارتين اللتين تربطهما علاقات دينية وثقافية واجتماعية وعرقية، بل وصلت إلى تهديد أفغانستان بملاحقة المسلحين المختبئين داخل الأراضي الباكستانية، في حال استمرار الوضع الحالي، إذ تقول السلطات الأفغانية أن باكستان ترعى الجماعات المسلحة التي تنشط في أفغانستان ضد الحكومة والجيش والقوات الدولية.

وأكد مستشار الرئيس التنفيذي في الحكومة الأفغانية، سيد أقا حسين فاضل سنشاركي، أن القوات المسلّحة الأفغانية قادرة على القضاء على مخابئ المسلحين ومواقع تدريبهم في الأراضي الباكستانية، موضحاً أن "القوات الدولية ستقف إلى جانب القوات المسلّحة الأفغانية من أجل استئصال جذور الإرهاب الذي تصدّره باكستان إلى دول الجوار".

من جهته، اعتبر نائب الرئيس الأفغاني، الجنرال عبد الرشيد دوستم، أن "القوات المسلّحة الأفغانية لا تحارب أصلاً ضد طالبان أو أي مواطن أفغاني، إنما حربها مع جهاز الاستخبارات الباكستاني". وشدد دوستم على أن "القوات المسلّحة تقود حالياً معركة شرسة في شمال أفغانستان ضد المسلحين الذين كان يقودهم جنرال باكستاني، كان ينشط في شمال أفغانستان، وقد قُتل في المعارك الأخيرة".

اقرأ أيضاً: اشتباكات حدودية بين الهند وباكستان

في المقابل، رفضت باكستان تلك التهم، وقالت إنها بذلت جهوداً حثيثة لحل المعضلة الأفغانية من خلال حوار مثمر بين الحكومة الأفغانية و"طالبان". واعتبر وزير الداخلية الباكستاني، شودري نثار، أن كابول لم تُقدّر الجهود التي بذلتها إسلام أباد لحلحلة الأزمة الأفغانية. فيما قال المتحدث باسم الخارجية الباكستانية القاضي خليل الله، إن المفاوضات أمر داخلي بين كابول وطالبان ولا دخل لإسلام أباد في الشؤون الأفغانية.

وعلى عكس ذلك، يدعي الرئيس الأفغاني أن عملية الحوار والأحداث التي تبعت وفاة الملا عمر، قد أثبتت أن قيادات "طالبان" كلها في باكستان، وإسلام أباد توفر لهم جميع أنواع الدعم.

وفي موازاة تصاعد التوتر في العلاقات بين أفغانستان وباكستان، والانتهاكات الحدودية المتكررة بينهما، تشهد الحدود الهندية الباكستانية كذلك أعمال عنف مرتفعة. فقد قُتل أكثر من 14 مواطناً باكستانياً جراء نيران هندية، وفق تصريحات الجيش الباكستاني. وكان آخر تلك الحوادث، الهجمات بقذائف وأسلحة على القرى الباكستانية في الـ28 من أغسطس/آب، ما أسفر عن مقتل ثمانية مواطنين وإصابة أكثر من أربعين آخرين كان بينهم 22 امرأة، حسب بيان الجيش الباكستاني.

انتهاكات القوات الهندية على وجه العموم، والهجوم الأخير على وجه الخصوص، أثار ضجة في الأوساط السياسية والشعبية الباكستانية، إذ أمر رئيس الوزراء نواز شريف وزارتي الدفاع والخارجية بأخذ تدابير لازمة بهذا الشأن ورفع القضية على كافة الأصعدة المحلية والدولية. فيما أكد قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف، أثناء زيارته للحدود المشتركة وللمناطق المتضررة بفعل الهجمات الهندية، أن القوات المسلحة على أهبة الاستعداد للرد على أي عدوان محتمل، والدفاع عن المواطنين.

لكن في المقابل، قالت نيودلهي إن القوات الباكستانية هي التي بدأت بإطلاق النار على الأراضي الهندية، وانتهاك اتفاقية وقف إطلاق النار المبرم بين الدولتين منذ العام 2003. كما أعلنت أن العديد من المواطنين الهندوس سقطوا بين قتيل وجريح في النيران الباكستانية.

والأخطر في هذه السلسلة من التطورات، هو ما يراه بعض الساسة في باكستان، أن ما يحصل على الحدود الشرقية (مع الهند) والغربية (مع أفغانستان) كلها تطورات منسّقة تجري بصورة ممنهجة لإرباك الأمن في باكستان وإضعاف قوته، كما يعتقد مشاهد حسين سيد القيادي في حزب "الرابطة-جناح قائد أعظم" وعضو مجلس الشيوخ الباكستاني.

بيد أن المحلل الأمني الأفغاني عبيد خان، رفض ذلك، قائلاً إن وضع العلاقات الافغانية الباكستانية الحالي يختلف تماماً عن قضية الهند مع باكستان، وفي حال قامت الأخيرة بالعمل ضد الجماعات التي تنشط في أفغانستان، فإن العلاقات الأفغانية الباكستانية ستتحسن بصورة سريعة، وليس هناك أي سبب آخر لتدهور العلاقات بين الجارتين.

ووسط توقّعات بارتفاع وتيرة العنف على الحدود الباكستانية الهندية، لا توجد أي بوادر لحل المعضلة بين الدولتين وتهدئة الأوضاع على الحدود، ولا سيما أن المفاوضات التي كان يُتوقَع انعقادها في الـ23 والـ24 من شهر أغسطس/آب في نيودلهي، بين مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للأمن القومي سرتاج عزيز ونظيره الهندي للتباحث بشأن جميع الملفات العالقة بين الدولتين بما فيها ملف المناوشات الحدودية وقضية إقليم كشمير العالقة، قد ألغيت. وكان سبب إلغاء المفاوضات هو رفض الهند اجتماع الوفد الباكستاني بزعماء إقليم كشمير. إلا أن الجانب الباكستاني أصر على أن تكون قضية كشمير على رأس الأجندة، والاجتماع بالقادة الكشميريين من أولويات الوفد الباكستاني. وبالتالي رفضت إسلام أباد المفاوضات بشروط هندية، كما أعلن وزير الدفاع الباكستاني خواجه أصف، الذي اعتبر أن "الهند تخلق أسباباً لإشعال فتيل حرب على الحدود بين الدولتين، ولكن الحرب لن تكون في مصلحة الجميع".

وبالإضافة إلى التحديات الخارجية، تواجه الحكومة الباكستانية العديد من التحديات في الداخل، على رأسها عودة موجة العنف الشديدة إلى الساحة، وكان من أشدها وأكثرها دموية الهجوم الذي استهدف وزير الداخلية في حكومة إقليم البنجاب شجاع خانزاده وهو في اجتماع قبلي في مدينة أتك في الـ16 من شهر أغسطس/آب. إضافة إلى ارتفاع وتيرة أعمال الاغتيالات المتعمدة في مدينة كراتشي، جنوبي البلاد، ما أدى إلى مقتل العديد من عناصر وضباط الشرطة والمسؤولين خلال الشهر الحالي. كما أن الهجمات المتفرقة أودت بحياة العديد من شيوخ القبائل الموالين للجيش الباكستاني في المقاطعات القبلية.

وعلى الرغم من أن الحالة الأمنية في باكستان أضحت متردية منذ نحو شهر تقريباً، إلا أن ثمة بعض تطورات إيجابية، من أهمها اختراق الحكومة الباكستانية صفوف الجماعات البلوشية الانفصالية، إذ تمكنت من إقناع بعض قيادات تلك الجماعات بإلقاء السلاح، والمصالحة مع الحكومة. كما أن هناك جهوداً حثيثة ومتواصلة في ملف بلوشستان، الذي بات أحد أهم الملفات في وجه الحكومات الباكستانية المتعاقبة.

وبالإضافة إلى ما سبق من التحديات الخارجية التي تواجهها باكستان والوضع الأمني الداخلي، أدت بعض تصرفات مسؤولي الحكومة إلى تفجير صراع سياسي قد يعصف بالهدوء النسبي الذي تشهده الساحة السياسية منذ أشهر. فقد أعلنت "الحركة القومية المتحدة"، أحد أهم الأحزاب السياسية في إقليم السند والمشارك في الحكومة الإقليمية هناك، استقالة نوابها من البرلمان اعتراضاً على بعض سياسات الحكومة، والتي من أبرزها الحملة الأمنية في كراتشي التي استغرقت أشهراً عديدة، وطاولت سياسيين ونواباً.

وحاول شريف أن يقنع "الحركة القومية" بالتراجع عن قرارها، ولكن الأخيرة لا تزال تصر عليه وتخيّر الحكومة بين وقف الحملة الأمنية، أو قبول استقالة أعضائها ويبلغ عددهم نحو ثلاثين نائباً.

إلى ذلك، فإن حزب "الشعب" الباكستاني الذي يتزعمه الرئيس السابق أصف على زرداري، بدأ يهدد بالاحتكام إلى الشارع، بعد أن قامت القوات الخاصة باعتقال بعض القياديين في الحزب.

كما أعلن قيادي في حزب حركة "الإنصاف" التي يتزعمها عمران خان، أنها تستعد لتنظيم اعتصامات مفتوحة في مدينة لاهور مسقط رأس رئيس الوزراء، وكذلك في العاصمة إسلام أباد بعد أن وثقت لجنة قضائية خاصة حصول تزوير في انتخابات عام 2013 لصالح رئيس الوزراء.

وبالنظر إلى الأوضاع الداخلية السياسية والأمنية، بالإضافة إلى التحديات الخارجية وعلى رأسها الوضع على الحدود الشرقية والغربية، وعلاقات باكستان بجارتيها الهند وأفغانستان، يتضح أن أمام الحكومة الباكستانية والقوات المسلحة ملفات شائكة ومتعددة، ما قد يدفع الدولة الباكستانية إلى تغيير استراتيجيتها على الصعيدين الداخلي والخارجي.

اقرأ أيضاً: الجيش الأفغاني: هجمات باكستان الصاروخية لن تبقى بدون رد

المساهمون