لبنان: السلطة مرعوبة من الشارع وضغوط دبلوماسية لمنع "الفراغ"

29 اغسطس 2015
خيارات الحكومة: الاستقالة، التراجع أو قمع المتظاهرين (حسين بيضون)
+ الخط -
أقفلت سفارات غربية في لبنان مكاتبها مؤقتاً، تخوّفاً من الأجواء المتشنجة التي تشهدها شوارع العاصمة بيروت نتيجة الاحتجاجات الشعبية على السلطة اللبنانية. يأتي هذا القلق الغربي نتيجة الخوف من تحوّل التحركات الشعبية إلى ذريعة لبعض الأحزاب للانقضاض على الشارع بهدف فرض معادلات سياسية على خصومها. والمقصود بذلك، مباشرة، حزب الله الذي لا يزال يحافظ على صمته تجاه حملة الناشطين اللبنانيين التي تحوّلت إلى كرة ثلج تكبر بوجه كل الأطراف المشاركة في الحكومة.
وبفعل الاعتصامات المستمرة منذ مساء السبت الماضي، والتي تخلّلها قمع للناشطين وحملة ضغوط سياسية وأمنية، تعيش الحكومة في حال إرباك تام، ويصل الأمر ببعض العارفين بالسلطة، إلى القول إنها تعيش حالة رعبٍ.
وينقل عدد من زوار السرايا الحكومية لـ"العربي الجديد"، أنّ رئيس الوزراء، تمام سلام، "غير متمسّك بكرسيه ولن يرضى بأن يقف في موقع المشاهد تجاه الروح الشعبية التي تهبّ الشارع وتعيش الظلم والقمع".

إقرأ أيضاً: إجهاض حراك بيروت... كل شيء مُباح لدى السلطة

ويمكن نقل الجوّ نفسه عن وزير البيئة، محمد المشنوق الذي تحوّل، مع استمرار تفاعل أزمة النفايات داخل الحكومة وخارجها، إلى ما يشبه "كبش محرقة" الطبقة السياسية. أما وزير الداخلية نهاد المشنوق، المسؤول السياسي المباشر عن قمع الاعتصامات في الأيام الماضية، فلجأ إلى مجموعة من الصحافيين وعقد معهم جلسة نقاش لمحاولة فهم أخطائه (التي لم يفهمها بعد) من جهة وللسيطرة على بعض الأقلام وتوظيفها من جهة أخرى. ولعلّ أبرز ما جاء على لسان المشنوق خلال هذه المشاورات قوله إن "أكبر تظاهرة يمكن لأصغر عمامة إلغاؤها"، في إشارة إلى دور رجال الدين، ليعود ويستدرك بالقول "إلغاء مفاعيلها". ويشير هذا الأمر إلى السعي السياسي المستمرّ لتعطيل الحراك الشعبي في بيروت.  
وأثمرت الاتصالات الداخلية التي أجراها مسؤولو تيار المستقبل إلى تكريس هذا الإرباك. فاستعاد عدد من مستشاري زعيم المستقبل، سعد الحريري، خطاب والده رفيق الحريري (الذي اغتيل في بيروت في العام 2005) والقائل إنه "بين السلطة ودمار البلد ودم الناس أختار الخروج من الحكم". ويمهد هذا الموقف لأي تراجع يمكن أن يحصل على الجبهة الحكومية من قبل هذا الفريق في حال استمرار الحراك.
كما أشارت مصادر وزارية لـ"العربي الجديد" إلى أنّ أحد أطراف قوى 14 آذار المشاركة في الحكومة، وضع ورقة استقالة وزرائه على الطاولة "قبل أن يعود ويتراجع نتيجة ضغوط دبلوماسية صريحة أكدت أنّ الفراغ ممنوع في السلطة". ويعني هذا الأمر أنّ السلطة، إذا ما أرادت التمسك بالحكم، فهي مقدمة إما على تسجيل سلسلة من التنازلات لصالح الناس ومطالبهم، أو ضرب حراكهم والبطش به.


اقرأ أيضاً: "هيومن رايتس ووتش" تدعو السلطات اللبنانية لعدم استعمال العنف 

أما على صعيد فريق 8 آذار، فلا يزال رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون يحاول اللعب على حبال الناس والسلطة في آن. أعلن عون عن دعمه للحراك الشعبي واعتبر أنّ المتظاهرين سرقوا شعاراته ومطالبه، في حين هو يشكل فريقاً أساسياً من الحكومة المسؤولة عن تكدّس النفايات في الشوارع، ودوره التعطيل داخل الحكومة لا يساهم إلا في تعقيد الأمور أكثر في ما يخص باقي الملفات الاقتصادية والاجتماعية.
أما رئيس مجلس النواب، نبيه بري، فمنشغل في تسوية الأوضاع داخل الحكومة قبل الانتقال لمعالجة الأزمة الشعبية، وذلك من خلال المبادرة التي يحملها لإرضاء عون في ملف التعيينات العسكرية بهدف المحافظة على حظوظ صهر عون، العميد شامل روكز، في تبوؤ قيادة الجيش. فالاهتمام بعون ومطالبه، فرضه حزب الله على الحلفاء والخصوم بمن فيهم رئيس كتلة اللقاء الديموقراطي، النائب وليد جنبلاط. وتشير معلومات خاصة بـ"العربي الجديد" إلى أنّ الأخير التقى الأربعاء الماضي، أحد كبار المسؤولين في حزب الله وتبلّغ منه أنّ "على الجميع الاختيار بين البلد أو الشراكة مع عون"، بحسب أحد المطلعين على مجالس جنبلاط الذي أكد أمس الجمعة أنّ الحوار ضروري مع عون.

وبالعودة إلى حركة الشارع، من المفترض أن تشهد ساحة الشهداء في بيروت مساء اليوم، حشداً شعبياً يرفع شعارات مطلبية في وجه السلطة السياسية، بسبب "فشلها" في حلّ أزمات النفايات منذ 17 يوليو/تموز الماضي، والقمع العنيف الذي تعرّض له المتظاهرون منذ السبت الماضي.
استطاعت المجموعات المنظمة للتحرك أن تنظم نفسها بشكل أكبر، خصوصاً مع ازدياد المجموعات الداعية للتحرك، مع انضمام مجموعات مثل "عالشارع"، "بدنا نحاسب"، "22 آب" و"شباب ضد النظام"، إلى مجموعة "طلعت ريحتكم". والأخيرة كانت السباقة في الدعوة للتحرك. وبعد جلسات طويلة، توصّل الداعون للتحرك إلى التوافق على عناوين سياسية، مثل المطالبة بالدولة المدنية والعادلة والديمقراطية. كما وضع المتظاهرون سقفاً لمطالبهم وتتركز حول المطالبة باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق ورئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر بسبب فشلهما في إدارة ملف النفايات، ومحاسبة كل المتورطين في الاعتداء وقمع المتظاهرين ومن أعطى القرار بذلك، ومن لم يمنع هذا العنف وكان يستطيع أن يقوم بذلك. كما سيدعو المتظاهرون إلى تسليم البلديات إدارة ملف النفايات وخصوصاً أن القانون يُحدد أن هذا دورها. وحدد المتظاهرون أسبوعاً، لتقوم السلطة بتنفيذ هذه المطالب، وإلا ستذهب الأمور باتجاه تصعيدي. ويرفض المتظاهرون تحديد عناوين التصعيد وأشكاله، إذ يرغبون بترك الأمر مفاجأة للسلطة، إذا ما امتنعت عن الاستجابة لهم.
وفي المعطيات، فإن نقل التحرك من ساحة رياض الصلح إلى ساحة الشهداء، له أسباب عديدة بسبب المنظمين. فساحة الشهداء تتسع لأعداد أكبر من المتظاهرين والتوقعات أن يفوق العدد الأعداد السابقة. كما أن ضبط التظاهرة أمنياً أسهل خصوصاً وأن الجهات الداعية، قررت تحديد مجموعة من الشبان مهمتها تشكيل حاجز بين القوى الأمنية والمتظاهرين لمنع أي احتكاك في محاولة لتجنب العنف.
وفي الساعات الـ48 الأخيرة، عقد الداعون للتظاهر لقاءات عديدة لوضع خطط لكيفية منع أيٍ من قوى 8 و14 آذار من مصادرة التحرك واستثماره سياسياً، وخصوصاً مع وجود معلومات عن نية عدد من النواب والوزراء المشاركة في التحرك خصوصاً من فريق 8 آذار. كما نظمت الجهات الداعية للتحرك لجان عمل، تُعنى بمختلف أوجه التحرك، ومن أبرزها لجان متخصصة بتوثيق ما يجري وخصوصاً قمع الأجهزة الأمنيّة، إذ يتوقع هؤلاء أن تسعى السلطة لخرقهم وضرب تحرّكهم بمختلف الطرق، نظراً لكونه يعترض على بنية النظام وليس على فريق دون غيره.