العراق: "داعش" يستغل الأزمات السياسية لابتلاع مناطق جديدة

25 اغسطس 2015
استغلّ التنظيم انشغال القوات الأمنية وهاجم مدينة بيجي(فرانس برس)
+ الخط -
استغل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) التظاهرات الشعبية المطالبة بالقضاء على الفساد وتحسين الخدمات، والجدل الكبير الذي أثارته الإصلاحات التي دعا إليها رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ليحقّق تقدّماً ملحوظاً في مناطق عدة في محافظتي صلاح الدين والأنبار ومحيط بغداد. وتمكّن التنظيم من السيطرة على مناطق جديدة شمال وغرب العراق، أهمها، مدينة بيجي وبلدات تل الجراد والذراع والهاشمية والعباسية. وفي الأنبار، استعاد التنظيم ست قرى تقع على مقربة من قاعدة عين الأسد الجوية. فيما نجح بتنفيذ كمائن وهجمات أوقعت العشرات من مقاتلي الجيش والشرطة والمليشيات بين قتيل وجريح.

ويؤكد مصدر رفيع في الداخلية العراقية تحدث لـ"العربي الجديد" أنّ عناصر "داعش" "استعادوا السيطرة على مناطق الستمية المحاذية لمصفاة بيجي النفطية ومنطقة اللاين التي تربط حقول بيجي الجنوبية بالشمالية، وتل جراد الحيوية التي تربط مدينة بيجي بالمصفاة، فضلاً عن العباسية والهاشمية والذراع"، مشيراً إلى وصول مئات العناصر المدججين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة التابعين للتنظيم من محافظة الموصل إلى مدينة بيجي، تمهيداً لشنّ هجمات واسعة على البلدات الجنوبية من محافظة صلاح الدين، التي قد تعيد في حال نجاحه، سقوط تكريت بيد التنظيم.

ويضيف المصدر أن "التنظيم تمكّن من فرض سيطرته الكاملة على منطقة السدة جنوبي سامراء الجزيرة وغربها، فضلاً عن ست قرى قرب عين الأسد غرب الأنبار"، مبيّناً أنّ التنظيم أخفق في السيطرة على مدينة مكيشيفة القريبة من بيجي بفعل استبسال قوات العشائر هناك. ويقول مصدر عشائري محلي لـ"العربي الجديد"، إنّ "التنظيم سيطر يوم الأحد الماضي، على عدد من القرى المحيطة بمدينة حديثة غربي الأنبار"، مشيراً إلى تراجع القطعات الأمنية إلى داخل المدينة بعد استهدافها بالصواريخ والسيارات المفخّخة.

من جهته، يؤكد المتحدث باسم قوات الجيش في الأنبار، العقيد محمد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "التظاهرات الحالية لها تأثيرات غير مباشرة على سير المعارك، ونأمل أن تستعيد المعارك زخمها في كسر شوكة داعش، كما فعلنا في الأشهر القليلة الماضية"، مؤكداً أنّ الجهد الأمني والعسكري الذي تم توفيره للتظاهرات، كان يجب توجيهه ضد "داعش".

وفي سياق متصل، يؤكد القيادي في العشائر المتصدية لـ"داعش"، محمد خلف الجميلي تقدّم التنظيم في مساحات واسعة من مدينة الكرمة شرقي الأنبار، موضحاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ التنظيم فرض سيطرته الكاملة على منطقة ذراع دجلة، التي تقع ضمن قطاع مسؤولية قيادة عمليات بغداد وتمثّل بداية الحدود الغربية للعاصمة. ويلفت الجميلي إلى أنّ مساحات واسعة من الأرض أصبحت خالية أمام التنظيم، "وقد تمكّن من السيطرة عليها بسهولة بسبب انسحاب قطعات الشرطة الاتحادية ومليشيا الحشد الشعبي إلى بغداد والمحافظات الجنوبية للمشاركة في التظاهرات أو حمايتها".

اقرأ أيضاً: خلاف داخل "الحشد الشعبي" بسبب خسائر معركة بيجي

وأوضح زعيم مليشيا "بدر"، هادي العامري، أنّ "التنظيم استغلّ انشغال القوات الأمنية بحماية التظاهرات التي شهدتها العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية، ليهاجم مدينة بيجي بأكثر من عشرين سيارة مفخخة"، داعياً في بيان له، إلى ضرورة الالتفات إلى ساحات القتال لاستعادة المناطق التي خسرها الجيش العراقي والشرطة الاتحادية و"الحشد الشعبي" لصالح "داعش". كما أقرّ المتحدث باسم مليشيا "عصائب أهل الحق"، وهي إحدى فصائل "الحشد الشعبي"، نعيم العبودي، بـ"نجاح التنظيم في السيطرة على مناطق في مدينة بيجي وتحقيقه بعض الاختراقات".

في المقابل، قلّلت وزارة الدفاع من أهمية التقدم الذي أحرزه "داعش" في عدد من الجبهات، مؤكدة في بيان لها، أنّ وزير الدفاع، خالد العبيدي دعا التشكيلات المقاتلة إلى مواصلة زخم النيران على التنظيم إلى حين انهياره في كل مناطق العراق، مؤكداً أنّ "بشائر النصر باتت قريبة".

يشكك الخبير في الشؤون الاستراتيجية، عماد الشيخلي بحديث وزارة الدفاع عن انهيار "داعش"، مؤكّداً في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "التنظيم أثبت قدرته في إمساك الأرض التي يسيطر عليها، خلافاً للقوات العراقية ومليشيا الحشد الشعبي التي عجزت عن ذلك في معظم المناطق التي حررتها". ويلفت الشيخلي إلى تمكّن عناصر "داعش" من ابتلاع مساحات واسعة ومهمة من الأرض في محافظتي الأنبار وصلاح الدين وأطراف بغداد، خلال فترة قياسية، مستغلّين انشغال الحكومة العراقية بالإصلاحات والتظاهرات.

ويوضح الشيخلي أن ترك مليشيا "الحشد الشعبي" لمواقعها في ساحات القتال، والانتقال إلى المدن التي تشهد تظاهرات، يمثّل ورقة ضغط على العبادي لتحقيق بعض المكاسب وتخفيف الضغط عن نائب رئيس الجمهورية المُقال، نوري المالكي الذي يعتبر الأب الروحي للحشد، داعياً الحكومة العراقية إلى البحث عن حلول جديدة لتحرير المدن التي يسيطر عليها التنظيم، "كالتنسيق مع الجانب الأميركي لاستقدام قوات خاصة مقاتلة، ودعم مسلحي العشائر في الأنبار وصلاح الدين بالتدريب والسلاح لتحرير مناطقهم".

ماراثون تظاهرات ومطالب

لكن الحركة الاحتجاجية لم تهدأ في أرجاء عديدة من العراق، على الرغم من اعتداء المليشيات عليها في أكثر من محافظة. ويوماً بعد يوم، يرتفع سقف الشعارات المطلبية، وتُضاف إلى لائحة الهتافات واللافتات، عناوين جديدة آخرها تُرجمت في بغداد، أمس الإثنين، حيث خرجت 4 تظاهرات تطالب بكشف مصير ضحايا "مجزرة سبايكر"، التي قتل فيها نحو 1700 منتسب أمني وطالب عسكري، في يونيو/ حزيران من العام الماضي، على يد تنظيم "داعش"، في محافظة صلاح الدين (شمال) العام الماضي.

وطالب المتظاهرون بأن تشملهم القوانين التي تمنح للمتعاقدين، بعد مضي عدة سنوات على عملهم بالتثبيت على الملاك الدائم. وفي ساحة التحرير في العاصمة، احتشد العشرات من موظفي مفوضية الانتخابات - بصفة عقود - مطالبين الحكومة بتثبيتهم على الملاك الدائم، أسوة بباقي موظفي الدولة والهيئات المستقلة. كذلك طالب العشرات من المتعاقدين الأمنيين مع وزارة النفط، بحماية خطوط نقل النفط في بغداد، والمطالبة بتثبيتهم على الملاك الدائم أيضاً، وعدم شمولهم بالإجراءات الخاصة بتقليص النفقات المالية للوزارات.
كما تظاهر العشرات من سائقي سيارات الإسعاف الفوري التابعين لوزارة الصحة، أمام مبنى الوزارة وسط بغداد، مطالبين بشمولهم بمخصصات مالية إضافية، لخطورة المهمة التي يؤدونها. وفي مدينة الحلة، مركز محافظة بابل الجنوبية، أمر رئيس الوزراء، حيدر العبادي، في ساعة مبكرة أمس الاثنين، بإلغاء قرار للجيش بفرض حظر ليلي للتجوال في المدينة بعد ساعات من اندلاع اشتباكات بين متظاهرين وقوات أمنية حاولت تفريق التظاهرة.

اقرأ أيضاً العراق: اتساع رقعة التظاهرات يمهد لـ"حكومة إنقاذ" و"الطوارئ"؟

المساهمون