"ألكتراز العقرب": شهادات عن مقبرة مصرية بهيئة سجن

17 اغسطس 2015
كل أساليب الإهانة والتعذيب مباحة في "العقرب" (الأناضول)
+ الخط -

تكشف تقارير وشهادات لسجناء معتقلين في سجن "العقرب" جنوبي القاهرة، وآخرها كلام عصام الحداد، مساعد الرئيس المعزول محمد مرسي قبل يومين، أن السجن تحوّل إلى مغارة لانتهاك حقوق الإنسان وتعذيبه والحطّ من كرامته.

السجن، الذي يعود إلى حقبة الرئيس المخلوع حسني مبارك إذ إنه أحد مشاريع وزير داخليته حبيب العادلي، بات أقرب إلى المقبرة، إذ توفي في الفترة الماضية عدد من السجناء فيه وخصوصاً السياسيين المعارضين للسلطة، نتيجة التعذيب الممارَس بحقهم، والحرمان من شروط الحياة والعناية الصحية.

يقول أحد السياسيين، ممن قضوا في هذا السجن سبع سنوات، لـ"العربي الجديد"، إن "ضباط السجن كانوا يحرصون، كنوع من التخويف والإرهاب، على الحديث أمامنا، بل واصطحابنا في جولة سريعة على أركان السجن، وأسواره التي ترتفع إلى أكثر من سبعة أمتار، وعليها بوابات مصفحة لا يخترقها الرصاص".

وقد نُقل شباب "الجماعة الإسلامية" إلى السجن عند افتتاحه في 26 يونيو/حزيران 1993، والنسبة الكبيرة منه خصصت للمعتقلين الجنائيين، لكنها تغيّرت الآن وأصبحت النسبة الغالبة للمعتقلين السياسيين. في "العقرب"، كل أساليب الإهانة والتعذيب والقهر والقمع مباحة لكي يستسلم المعتقل ويلفظ أنفاسه. وتعرض "العربي الجديد" جزءاً من شهادات تُظهر الذلّ في "ألكتراز مصر".

للتعذيب أشكال

تروي ياسمين، ابنة نقيب أطباء الأسنان في مصر حازم فاروق، المعتقل منذ سنتين، أنه تم منع الرعاية الصحية عن أبيها في بداية اعتقاله عندما تعرض لانزلاق غضروفي، ومنعوها مرة أخرى عندما أصيب بالتهاب حاد في جدار المعدة نتيجة تلوث المياه، ومنذ ما يقرب من خمسة أشهر حرموه من رؤية أولاده، وخلال السنتين منعوا دخول أي محامٍ له لمتابعة أحوال النقابة. يقبع فاروق في زنزانة انفرادية منذ ما يقرب العامين، وممنوعة عنه الزيارة منذ ثلاثة أشهر، ومحروم من المياه النظيفة والطعام والدواء ورؤية الشمس.

من جهتها، فإنّ عائشة الشاطر ممنوعة وعائلتها من الزيارة العادية لوالدها خيرت الشاطر، على الرغم من أن لوائح السجون تنص على حقهم في الزيارة مرة أسبوعياً، لكن منع الزيارات يُمارس لفترات طويلة تصل إلى أربعة أشهر ونصف. الحرمان لا يقتصر على الزيارات، بل يطاول المأكل والشراب والحصول على المنظفات، فيمر على نزلاء "العقرب" ثلاثة أشهر من دون أي منظفات أو غسل لملابسهم، بالإضافة إلى قطع الكهرباء والمياه عنهم لفترات طويلة، ونقل بعضهم لعنبر التأديب من دون أي سبب وتعرضهم للتعذيب والضرب اليومي به، وحرمانهم من حقهم في التريض (السير ساعة يومياً).

كما يُمنع الدواء عن سجناء "العقرب"، على الرغم من وجود شريحة ليست بالقليلة من كبار السن بحاجة لأدوية السكري والضغط والقلب. ويُحرم بعضهم من المتابعة الدورية في المستشفى على الرغم من حاجتهم لها بسبب المشاكل الصحية التي يعانون منها.

وأدت حملة التجويع التي يتعرض لها السجناء على مدار ثلاثة أشهر ماضية، لفقدان بعضهم أكثر من ثلاثين كيلوغراماً من أوزانهم، وتعرضهم لإغماء أكثر من مرة، فضلاً عن التفتيش المهين الذي يتعرضون له في زنازينهم بدخول كلاب بوليسية عليهم في منتصف الليل وإخراجهم بالقوة من الزنزانة.

اقرأ أيضاً: مصر: "حملات تعذيب" معتقلين في سجن العقرب

حرمان من الأدوية

تقول سمر زوجة أحمد شريف المحبوس على ذمة قضية 250 أمن دولة المعروفة بـ"خلية الجيزة"، إنهم "رفضوا دخول أي كتب دراسية لزوجي ثم رفضوا خروجه لأداء الامتحان، وزوجي يتعرض لتجويع متعمد وحرمان من أي أدوات للنظافة، ويُمنع أيضاً رؤية أطفاله، كما تم منع زيارة المحامين للمعتقلين، وهو يعاني من أمراض مزمنة وتم منع الأدوية عنه منذ أكتر من ثلاثة أشهر، ومدة الزيارة أصبحت ثلاث دقائق كل ثلاثين يوماً، والوجبة التي يسمحون بها في الزيارة تدخل بشكل مهين وبكميات ضئيلة للغاية". وتضيف: "إدارة العقرب تتعمد إذلال الأهالي والمعتقلين، وهو الوحيد من بين المتهمين في هذه القضية الموجود في هذا السجن على الرغم من أن الآخرين في سجون أخرى".

أما رُفيدة شمس، فتقول إن والدها عضو مجلس الشعب المعتقل منذ سنتين، أُصيب بالتهاب حاد بالكلى نتيجة المياه الملوثة وغير الصالحة للاستخدام، مضيفة أنه "بعد الحكم عليه بالمؤبد فيما عرف بقضية وادي النطرون لم نتمكن من رؤيته، إذ يقبع في زنزانة انفرادية وممنوع عنه الطعام والمياه النظيفة والدواء والتريض ورؤية الشمس".

أما علا يوسف، فزوجها مهندس تم اعتقاله من بيته منذ أكثر من عام، وهو محروم كغيره من المعتقلين من كل مستلزمات الحياة البسيطة، ومسجون احتياطياً على ذمة اتهامه في قضية "تحالف دعم الشرعية" من دون محاكمة ويتم تجديد حبسه كل 45 يوماً.

منى السيد انتظرت من 16 أغسطس/آب 2014 تاريخ اعتقال والدها أسامة السيد محمد الحكيم، حتى منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول لتعرف أنه في سجن "العقرب" بعد فترة قضاها تحت التعذيب في أمن الدولة. تشرح أنه "في البداية كانت الزيارة حتى 10 مارس/آذار 2015 مرة كل أسبوعين مع وجود حاجز زجاجي والحديث من خلال الهاتف، ثم منعت الزيارة لمدة ثلاثة أشهر، وزرناه بعدها في 19 مايو/أيار الماضي مع التضييق في منع دخول الأطعمة والأدوية".

هاني بشر، نجل الوزير السابق محمد علي بشر، ممنوع خلال الزيارة التي لا تستمر سوى لخمس دقائق أو أقل، من إدخال الدواء لوالده المريض بـ"فيروس سي"، والذي يُمنع عنه حتى الطعام والتريض.

تعذيب المرضى في "العقرب" يصل إلى حدّ منعهم من إجراء العمليات الجراحية، مثلما حصل مع محمد إسماعيل دحروج (66 عاماً)، المعتقل منذ 14 مايو/أيار 2014 والذي يعاني من مرض السكري وشبه توقّف في إحدى كليتيه، وبعدما حُددت له عملية جراحية في 18 مارس/آذار 2015 منع من الذهاب إلى المستشفى ولم تُوفّر له أي أدوية أو علاج حتى الآن بحسب ابنته فاطمة الزهراء.

حال خالد محمود الشوربجي مشابهة لمعظم حالات سجناء "العقرب"، فتروي زوجته سمية نجيب كيف تم اختطافه وتعذيبه بالضرب والصعق بالكهرباء لمده 22 يوماً في أمن الدولة وتم ترحيله إلى "العقرب" في 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتمنع الزيارات عنه كما يمنع دخول أي من المستلزمات الشخصية له.

اقرأ أيضاً: مصر: وفاة قيادي سلفي في سجن العقرب

خطر الموت

عمرو محمد زكي نائب آخر معتقل في "العقرب" منذ عام بعدما تم نقله من طره ثم ليمان طره. لا يزال مسجوناً بشكل انفرادي، وهو يعاني من مرض السكري والضغط، وأجرى قبل اعتقاله عملية رباط صليبي في ركبته وغضروف في القدم الأخرى، وممنوعة عنه الزيارة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

التعذيب متعدد الأشكال يطاول السجناء الإسلاميين وغير الإسلاميين، فالأمين العام لحزب الاستقلال محمد مجدي علي حامد (المعروف بمجدي قرقر)، يتعرض بدوره لما يتعرض له زملاؤه من "جحيم العقرب". زوجة مجدي قرقر، مديحة، تكشف أنه بعد تولي مجدي عبد الغفار وزارة الداخلية المصرية، تم سحب أغراض المعتقلين من ملابس ومصاحف وساعات وأغراض نظافة شخصية كانت قد أُدخلت في وقت سابق بوساطة الأهالي، ولم يبقَ لهم غير طقم سجن واحد. الزيارات ممنوعة منذ خمسة أشهر، وقبل شهرين فُتحت الزيارة لمدة أسبوعين بشكل ضيق، لم يتمكن الكثير من الأهالي من استصدار تصاريح من أمن الدولة. اليوم، حياة مجدي قرقر مهددة، فهو مريض بـ"فيروس سي" وبعض مشاكل القلب والضغط، وسبق له أن أُصيب بخراج في عموده الفقري أدى إلى إصابته بالشلل في نصفه السفلي في 2009. "العقرب" لا يُقدّم للمعتقلين علاج الأمراض المزمنة كالتي يعاني منها قرقر، وأظهرت صوره في 27 يوليو/تموز الماضي أنه فقَدَ عشرات الكيلوغرامات وضعفت صحته بشكل ملحوظ.

اقرأ أيضاً: مساعد الرئيس المصري السابق: قتل طبي ممنهج بسجن العقرب

المساهمون