إيران ما بعد الاتفاق: حسابات الداخل ومتطلبات الإقليم

17 يوليو 2015
الاتفاق سيفتح الباب أمام علاقات إيرانية ــ غربية إيجابية(Getty)
+ الخط -
بعد وقت قليل، ستهدأ أجواء الفرح والصخب والتفاؤل التي زادت إبان الإعلان عن اتفاق فيينا النووي بين إيران والدول الست الكبرى، وستبدو الأمور أكثر واقعية بالنسبة لإيران. يتوجب حينها على وزير الخارجية الإيراني ورئيس الوفد المفاوض، محمد جواد ظريف، التوجه إلى البرلمان لتقديم تفاصيل الاتفاق النووي أمام النواب المحافظين بغالبيتهم. كما يتوجب عليه أن يمرر الاتفاق إلى لجنة الأمن القومي العليا، التي ستصكّ نص الاتفاق ليصبح قابلاً للتطبيق من قبل الطرف الإيراني.

عقبات عدة قد تعرقل هذين الأمرين، ومنها تصاعد الخلافات والانتقادات في الداخل الإيراني. وعلى الرغم من إيجابية الأجواء الحالية وترجيح الغالبية لخيار تمرير الاتفاق إيرانياً، هناك بعض الأطراف القلقة التي لم تتصاعد أصواتها القوية حتى الآن، وهي أصوات المحافظين المتشددين غير الواثقين بالولايات المتحدة والمتخوفين من تشدد جمهوريي الكونغرس.

كتب رئيس تحرير صحيفة "كيهان" الإيرانية، حسين شريعتمداري والمحسوب على خط المحافظين المتشددين، أن "الكلام الذي جاء في الخطاب المتلفز للرئيس حسن روحاني، الذي بثّ عقب الإعلان عن الاتفاق منتصف يوم الثلاثاء، لم يحمل النقاط ذاتها التي جاءت في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي بث في الوقت نفسه"، مضيفاً "هذا الأمر يلخّص القلق الموجود لدى كثيرين، إذ يتخوف هؤلاء من تغيّر وجهة النظر الأميركية في لحظات التطبيق الحاسمة".

من جهته، اعتبر رئيس تحرير صحيفة "رسالت" الإيرانية المحافظة، كاظم أنبارلويي، أنه "لا يمكن الثقة بالطرف الأميركي الذي من المحتمل أن يتراجع عن تعهداته في الاتفاق بأي لحظة"، لكنه اعتبر أنّ "الاتفاق سيفتح الباب أمام علاقات إيرانية ــ غربية إيجابية بعد توتر دام لعقود".

كل هذا، يبرز قلق بعض الأطراف التي تنتمي إلى التيار المحافظ ومنها شخصيات فاعلة في مراكز صنع القرار الإيراني. فهذه الفئة قلقة للغاية من مستقبل الاتفاق الذي رأى البعض، في وقت سابق، أنّه قدّم تنازلات حقيقية ولا سيما مع قبول المفاوضين خفض نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 3.67 في المائة. لكن في الوقت عينه، هناك إجماع شبه كامل على دعم الاتفاق على الأقل خلال المرحلة المقبلة. فالمكاسب كبيرة على الرغم من التنازلات، وهذا كفيل بتهدئة الأجواء قليلاً.

من جهة ثانية، يدرك المسؤولون في إيران، في الوقت الحالي، أنّ بعض الأطراف في الخارج تراهن على تحوّل الاتفاق إلى عامل خلاف يساهم في انقسام الداخل، وهي نقطة بدأ بعض المسؤولين في البلاد بالتركيز عليها والتنبيه من تبعاتها. وهذا كان واضحاً في رسالة المرشد الإيراني، علي خامنئي، التي رد خلالها على رسالة روحاني حول نتائج الاتفاق النووي، ودعا فيها الجميع في الداخل إلى الانسجام.
ووفق المعطيات، فإن الانقسام الحاد لن يقع في المستقبل القريب، وخصوصاً في ظلّ المكاسب الكبرى التي تنتظر طهران جني ثمراتها، وأولها تطبيق بند إلغاء العقوبات المفروضة على البلاد بسبب النووي. وهو الأمر الذي سيحقق انتعاشاً اقتصادياً في الدرجة الأولى، سيكون كفيلاً بإطفاء احتجاجات وانتقادات المعترضين في الداخل.

اقرأ أيضاً: إيران تتوقّع تدفّق الاستثمارات الأجنبية بعد رفع العقوبات

من جهة أخرى، فإن دعم خامنئي للمفاوضين وللاتفاق سيفكّ أي اشتباك متوقع. فالمرشد الإيراني يعلم تماماً أنّ الداخل الإيراني في حاجة إلى هذا الاتفاق في الوقت الحالي. كما يعلم أن الغايات منه لن تتحقق إلّا في زمانه، بسبب صعوبة التعامل مع ملف من هذا القبيل في زمان غيره. فالقضية معقّدة للغاية في الداخل، والمرشد قادر على إدارة دفة الحوار المشروط مع أميركا بسبب مرجعيته السياسية. كما أنه قادر على التأثير على الجهات الإيرانية الفاعلة والمنتقدة أحياناً، كالأحزاب المحافظة ومؤسسة الحرس الثوري. فمرجعيته القوية وقدرته على إدارة هذا الحوار، جعلتا كل هذه الأمور على شكل عوامل داعمة لإنجاح الاتفاق وتفادي أي مسببات قد تؤثر على تطبيقه في الداخل، على الأقل، خلال المرحلة القليلة المقبلة.

وانطلاقاً من هذه النقطة، فإن طهران تعلم أن هذا الاتفاق سيعود عليها بفوائد كبرى، منها ما يتعلق بالسياسة الخارجية. وبدا هذا واضحاً في تصريحات المسؤولين بعد الإعلان مباشرة عن نص الاتفاق النووي مع الغرب.

قال ظريف إن "هذا الاتفاق سيساهم بزيادة تعاون بلاده مع باقي الأطراف الإقليمية والدولية". وخصص موضوع الحرب على الإرهاب في تصريحاته، وهو ما جاء على لسان روحاني أيضاً، الذي أكّد خلال لقائه بالمرشد الأعلى، عشية الثلاثاء، أي بعد الإعلان عن الاتفاق، أنه "إنجاز تاريخي سيساهم في تطوير علاقات إيران مع الآخرين". وكتب لاحقاً في رسالته للمرشد الأعلى، إن "الاتفاق درس للجميع في المنطقة، ويؤكد على أن الخيارات السياسية تبقى أفضل الحلول لكل الملفات الإقليمية".

رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، والذي يدير أهم مراكز صنع القرار في البلاد، ويعدّ شخصية مقربة من المرشد، توجّه بخطابه، يوم الأربعاء، إلى النواب المحافظين بغالبيتهم، ومنهم المتشددون، كما وجّه رسائل إلى الخارج ولا سيما دول الجوار، داعياً المسؤولين في المنطقة إلى التنبه للتبعات الإيجابية لهذا الاتفاق واستغلالها، بما يصبّ لصالح التعاون وحلحلة أزمات المنطقة. وقال لاريجاني للنواب الإيرانيين أيضاً، إن "تمرير هذا الاتفاق، سيكون لمصلحة البلاد أولاً"، في إشارة منه إلى ضرورة التركيز على تطبيق الاتفاق عملياً لنيل المكاسب نفسها.

الاتفاق النووي يعني استمرار التفاوض حول قضايا رئيسية أخرى في المنطقة، وهذا ما جاء بين طيّات كلام هؤلاء المسؤوليين، لكن يستبعد مراقبون في الوقت عينه، تخلّي طهران عن خطابها الأصلي، أو التخلي عن المصالح الحيوية في المنطقة.

في هذا السياق، يتوقّع الخبير في الشؤون الإيرانية، أحمد مهدي أن "تتجه سياسة إيران الخارجية نحو مزيد من التفاعل إقليمياً ودولياً، إذ ستعمل البلاد على تكوين شكل جديد من العلاقات المؤثرة". وأشار مهدي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "إيران ستنطلق من أرضية تقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الآخرين، وهو الأمر الذي سيوفره إلغاء الحظر الاقتصادي، بموجب الاتفاق النووي. فالعلاقات الاقتصادية الجيدة تعني ضرورة الحفاظ على مستوى جيد من العلاقات السياسية، وتراهن طهران على تحقيق هذه النقطة".

لكن هذا لا يعني التنازل عن الخطوط الحمراء أو حصول تغييرات جذرية في المواقف إزاء ما يجري في سورية والعراق على سبيل المثال، أو تخفيف الدعم للفصائل الفلسطينية أو غيرها من السياسات الإيرانية الاستراتيجية. فمن غير المتوقع، أن تغيّر إيران من سياساتها هذه، كما يتوقع البعض بقاء التوتر قائماً بين إيران والدول الجارة المتخوفة من تبعات الاتفاق النووي. وهو ما قد يستغلّه الغرب مستقبلاً لمحاصرة إيران، لكن ليس نووياً هذه المرة، بحسب رئيس تحرير صحيفة "جوان"، عبد الله غنجي، لـ"العربي الجديد".

وبحسب مراقبين، أنه لن يحدث تحوّل مصيري في هذا السياق، في المستقبل القريب على الرغم من التوقعات التي تصبّ لصالح تحسين العلاقات الإيرانية مع الآخرين، لتحقيق المكاسب الاقتصادية في الدرجة الأولى، فضلاً عن التوقعات بمشاركة إيرانية أكثر تأثيراً ووضوحاً في عدد من الملفات الإقليمية المتوترة.
لكن في كل الأحوال، فإن انعكاس الاتفاق على المنطقة منوط بتطبيقه. فإن كان التطبيق سلساً وتجاوبت الأطراف الغربية مع طهران خلال الفترة المقبلة، فهذا يعني مرونة إيرانية في السياسة الخارجية. وفي حال تشدد هذه الأطراف، فهذا يعني عودة طهران إلى التشدد من جديد في ملفات السياسة الأخرى.

اقرأ أيضاً آخر معارك أوباما: تسويق الاتفاق النووي داخليا

المساهمون