الجمهوريون في السباق الرئاسي الأميركي: عودة إلى التدخل الخارجي

21 يونيو 2015
يتخوّف المرشحون من توسّع الإرهاب إلى عقر دارهم (Getty)
+ الخط -
تدلّ جميع المؤشرات على أنّ السياسة الخارجية ستحجز لنفسها مكاناً كبيراً في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في عام 2016، لا سيما العراق والحرب على "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، وكل ما يمكن أن يكون مادة انتقاد يستعيد فيها الجمهوريون حجج تفوّقهم المفترض على الديمقراطيين في الدفاع عن الأمن القومي. تبدو المعادلة بسيطة؛ بعدما نجح الرئيس باراك أوباما بتجاوز الركود الاقتصادي الذي واجهته الولايات المتحدة منذ عام 2008، اتجهت أنظار معارضيه إلى ما يراه بعضهم "نقطة ضعف" ولايته، أي السياسة الخارجية المترددة أو ما يصفه صناع القرار في البيت الأبيض بـ"الصبر الاستراتيجي". وفي السياق ذاته، ومع تراجع الهم الاقتصادي وبروز خطر "داعش"، تشير استطلاعات الرأي إلى اهتمام الأميركيين المتزايد بالسياسة الخارجية وتحدياتها. ويبدو كأن المزاج الأميركي تعافى من حربي العراق وأفغانستان، وبدأ يستعيد تساؤلات حول جدوى التدخل الخارجي بشكل استباقي وحذر كي لا تتوسع الأعمال الإرهابية وتطارد الأميركيين في عقر دارهم.

يقرأ الحزب الجمهوري بتمعّن هذا المشهد السياسي ويرى ثغرة لاستهداف الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولا بد هنا من فرز الأسماء عند النظر إلى لائحة المرشحين الجمهوريين مع أكثر من 28 مرشحاً حتى الآن، كأنّ هناك عطشاً للسلطة بعد ثمانية أعوام خارج الحكم. لكن الغالبية منهم، لا حظوظ جدية لها، مثل المرشحين الدائمين (جورج بتاكي وريك بيري وريك سانتوروم)، ومرشحي "تلفزيون الواقع" الذين يستهلكهم الإعلام مثل مايك هكابي ودونالد ترامب. هناك المرشحون الجدد أيضاً مثل حاكم ولاية ويسكونسن، سكوت واكر، والذي تعرض لانتقادات حادة حين حاول التعويض عن قلة خبرته في السياسة الخارجية بالقول: "مواجهة تظاهرات الاتحادات العمالية في ويسكونسن، كانت استعداداً جيداً لمحاربة داعش"، بالإضافة إلى سيناتور ولاية كارولينا الجنوبية، ليندسي غراهام، الأكثر اندفاعاً في الحديث عن السياسة الخارجية، والذي دعا أخيراً إلى إرسال 10 آلاف جندي أميركي إلى العراق وسورية.


اقرأ أيضاً: السباق نحو البيت الأبيض

لكن في صلب السباق الرئاسي عند الجمهوريين، تبقى المعركة الأيديولوجية المفتوحة منذ انتهاء ولاية جورج بوش عام 2008 بين القيادة التقليدية في الحزب والتيار المحافظ الذي تبلور في حركة "حفل الشاي" كبديل شبابي عن تيار "المحافظين الجدد" وسقوطه بعد غزو العراق. أبرز وجوه هذا التيار المحافظ في السباق الرئاسي هما سيناتور ولاية تكساس، تيد كروز (أحد أبرز منظّريه المتشددين)، وسيناتور ولاية كنتاكي، راند بول، والذي يقترح نموذجاً محافظاً آخر يدعو إلى تقليص الدين العام الأميركي والحد من التدخل الخارجي. أفكار هذا التيار ستطغى على النقاش في الانتخابات الرئيسية التمهيدية عند الجمهوريين. وكالعادة، سيفرض هذا التيار على مرشحي القيادة التقليدية تبني خطاب متشدد لفترة قبل التموضع في الوسط مجدداً قبيل المواجهة المرتقبة مع مرشح الرئاسة الديمقراطي العام المقبل.

أكثر من يعبّر حتى الآن عن القيادة التقليدية في الحزب الجمهوري، هما مرشحان من ولاية فلوريدا المحورية: حاكمها السابق جيب بوش والسيناتور ماركو روبيو. هناك أيضاً حاكم ولاية أوهايو المحورية، جون كاسيتش الذي يحاول جاهداً إقناع النافذين الجمهوريين بضرورة دعمه في ظل تعثر حملة جيب بوش في خطواتها الأولى. لكن تصريح كاسيتش لمجلة "تايم" أخيراً الذي قال فيه، "الحزب الجمهوري عربتي وليس سيدي"، قد لا يساعده في هذه المهمة.

أمّا روبيو الشاب من أصل كوبي، فقد اكتسب خبرة في السياسة الخارجية خلال دوره في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. كانت لديه مواقف متقدمة من قانون الهجرة، لكنّه تراجع عنها لاستقطاب التيار المحافظ. كما كان له خطاب، الشهر الماضي، في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، كشف فيه عن "عقيدة لممارسة النفوذ الأميركي في العالم"، تبنى فيها خطاب متشدد من دون الالتزام بأي سياسة خارجية ملموسة. عين روبيو على الرئاسة منذ دخوله قبل سنوات إلى الكونغرس، لكن بدأ الحديث أن لديه "مشكلة أوباما" أي سيناتور شاب مع كاريزما ومن دون خبرة تنفيذية في الحكم، فيما الأميركيون يبحثون الآن عن بروفايل لرئيس آخر.

اقرأ أيضاً: جيب بوش كان سيجيز غزو العراق في 2003

وتكمن قوة جيب بوش في أنه قادر على جمع الحزب ومتموليه والبناء على رصيد عائلي. لكن مشكلته، هي في إرث أخيه جورج بوش الذي سيطارده في السباق الرئاسي، وفي مواقفه المتقدمة من ضرورة إصلاح قانون الهجرة التي قد تساعده في الانتخابات العامة، لكن التيار المحافظ سيعاقبه عليها في الانتخابات التمهيدية عند الجمهوريين. جيب بوش تعثّر في البداية حيال موقفه من غرو العراق عام 2003، لكن في النهاية حسم موقفه ولخّصه بالقول: "لو علمت ما أعلم اليوم، لما كنت غزوت العراق".

الملفت، أنّ غالبية المرشحين الجمهوريين ينتقدون بشدة استغلال جورج بوش الابن قضية "أسلحة الدمار الشامل" لغزو العراق على الرغم من عدم وجودها، والسبب الرئيسي لاستعادة هذه القضية في الحملة الرئاسية هي طبعاً ربط جيب بوش بأخيه جورج. لا يزال أمام جيب بوش طريق طويل لإبراز قدراته على استيعاب كل التحديات الخارجية التي تواجهها واشنطن وإظهار قدرات خطابية أفضل أيضاً، وبالتالي لم تلتف نخب الحزب حوله بالسرعة التي كان يأملها.

أبعد من كل ذلك، من المبكر الحديث عن ملامح سياسة خارجية لماركو روبيو أو جيب بوش، أو أي مرشح جدي محتمل لم يتبلور بعد، قبل الدخول رسمياً في زمن الحملات الرئاسية وتموضع محاور النفوذ داخل الحزب الجمهوري. المعركة الرئيسية الآن تجري خلف أبواب مغلقة، إذ يسعى المرشحون الرئيسيون لاقناع أثرياء الحزب ونافذيه بدعمهم مالياً وسياسياً لإطلاق الحملة. وبعدها، لدى كل مرشح حتى نهاية العام لإقناع الجمهوريين بأنه الأكثر جدارة أو بأقل شوائب، أو الأهم، القادر على هزيمة هيلاري كلينتون.

اقرأ أيضاً: خصمان جديدان لترشيح هيلاري كلينتون للرئاسة