ترحيل صِدام "إخوان" الأردن والسلطة

01 مايو 2015
الجماعة تجد نفسها أمام مواجهة وجودية (صلاح ملكاوي/فرانس برس)
+ الخط -

نجا الأردن من صِدام حتمي كان يُرتقب اليوم الجمعة. أطراف هذا الصدام هم جماعة "الإخوان المسلمين" المطعون في شرعيتها القانونية والمحظورة بقرار رسمي غير معلن، والسلطة التي تضرب حصاراً خانقاً على الجماعة بغية إنهاكها وتفكيكها، لصالح جمعية سياسية رُخصت حديثاً تحت اسم جماعة "الإخوان المسلمين" أيضاً، تريد لها السلطات أن ترث الجماعة التاريخية التي لم يعد وجودها مرغوباً فيه، استجابة لضغوط خارجية.

ونُزع فتيل الصدام أو أُجل في اللحظة الأخيرة، بعدما أدركت الجماعة أنه في غير صالحها، وأنه سينقلها من حالة الحظر غير المعلن، إلى المعلن، بدون استبعاد المخاطرة بإعلانها إرهابية، كما كشفت قيادات فيها لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أنّ "الحفاظ على الوضع القائم أفضل من مغامرة مجهولة العواقب".

وكان يفترض أن تدافع الجماعة عن شرعيتها، من خلال مهرجان حاشد تقيمه في الذكرى السبعين على تأسيسها، الذي تزامن مع تأسيس الدولة الحديثة في الأردن. وكانت تريد توجيه رسائل إلى السلطة، وجمعية "الإخوان" الجديدة، التي أسسها قادة فصلتهم تنظيمياً، فتستعرض أمام الجمعية قوتها التنظيمية والشعبية، وتقول للسلطة ضمنياً إنها "الفرس الرابح" الذي يراهن عليه، ومن أجل ذلك استفزت خلال الأسابيع الماضية كوادرها من أجل المشاركة التي اعتبرتها "واجبا شرعيا".

غير أنّ السلطات التي سهلت لجمعية (الإخوان) الناشئة في مطلع مارس/آذار الماضي، الحصول على ترخيص قانوني، أسقطت الشرعية القانونية عن الجماعة التاريخية التي رُخصت في عام 1946، كفرع من الجماعة الأم في مصر. وجاء هذا الإسقاط لأنّ الجماعة لم تصوّب أوضاعها خلال السنوات الطويلة الماضية بما يتناسب مع القوانين الأردنية التي تمنع وجود ارتباطات مع تنظيمات خارجية.

غير أنّ السلطة أدركت خطورة المهرجان الذي يحبط مخطط تفكيك الجماعة، فسخّرت جهودها لإفشاله قبل أسبوعين من موعده المقرّر.

وبدأت، عبر وزارة الداخلية المناط بها الإشراف على عقد الفعاليات العامة، بتهيئة الظروف للصدام، بحيث أسقطت بداية، ولأول مرّة، الشرعية عن الجماعة، التي قالت فيها "ما يسمى"، في معرض تلميحها لمنع المهرجان الإخواني، معلنةً تنفيذ القانون في التعامل معها بما يكفل المحافظة على الأمن والنظام العام، وعدم خرق القانون من أي جهة غير مرخصة قانونياً. وأعقب هذا الإعلان تعهد وزير الداخلية، الجنرال حسين المجالي، بعدم السماح "بتنفيذ فعالية على الأرض الأردنية نيابة عن جماعات خارجية تفرض أجندتها على الدولة".

أمام رسالة السلطة عالية اللهجة، كانت الجماعة تتعامل ببرود مثير وهي تروّج لمهرجانها، وتفصح عن يقينها بأنّ السلطة لن "تغادر رشدها بمنع المهرجان". وبدافع هذا اليقين، تقدّمت الجماعة بإشعار رسمي بخصوص الفعالية للجهة المسؤولة، بحسب ما ينص قانون الاجتماعات العامة، وهو الإجراء الذي لا يمكن الطعن فيه من الناحية القانونية التي تكفل لأي جماعة أو تنظيم تنفيذ فعاليتها، بشرط إشعار الجهات الرسمية قبل ثمان وأربعين ساعة من موعدها.

وفي حين ظل سلوك الجماعة الملتزم بالقوانين المعمول بها، لم تجد السلطة سبيلاً سوى اللجوء إلى سلاحها الاستراتيجي في المعركة المتمثلة بجمعية (الإخوان)، التي سارعت إلى الطعن رسمياً في الإشعار المقدّم من قبل الجماعة، على اعتبار أنها لا تمثل "الإخوان المسلمين"، مطالبة بعدم السماح بتنفيذ المهرجان، وهو ما قررته الداخلية فعلاً عندما رفضت الإشعار المقدم من الجماعة، كونه يأتي تحت مسمى جمعية أخرى مرخصة قانونياً، بمعنى أدق، اعتبرت الجماعة التاريخية منتحلة لشخصية الجمعية المرخصة حديثاً.

اقرأ أيضاً: الداخلية الأردنيّة ترفض مهرجان الإخوان بحجّة عدم الشرعيّة

تزامن ذلك مع تجييش ضدّ الفعالية، على اعتبارها فرصة لتهديد السلم الاجتماعي، والقفز بالبلد إلى المجهول، وتخريب ممنهج لساحة المهرجان التي احتضنت العديد من الفعاليات الجماهيرية للإخوان في وقت سابق والتي مرت بسلام، بحيث أصبحت ساحة المهرجان مكباً للأنقاض، وسمحت السلطات بإقامة حظائر الأغنام فوقها، فيما رابطت دوريات الأمن في المكان للحيلولة ووضع أي ترتيبات للمهرجان. وعلمت "العربي الجديد" أن هيئة الإعلام طلبت من القنوات الفضائية عدم بث المهرجان على الهواء مباشرة، وضغطت على وسائل إعلامية لتكون تغطيتها منحازة للوطن (أي ضدّ المهرجان).

أمام هذا الواقع، وجدت الجماعة نفسها أمام خيار المواصلة المستحيلة لإقامة المهرجان، الذي سيعرّضها لمواجهة وجودية، وقررت في وقت متأخر من مساء الأربعاء تأجيل المهرجان إلى موعد لاحق، محتفظة بحقها في إقامته في الوقت المناسب، الذي لم يحدد، لكنه تأجيل بمذاق الإلغاء.