معاناة عدن: نزوح وكارثة إنسانية تنتظر الجسر الإغاثي

18 ابريل 2015
النازحون اليمنيون في جيبوتي يشكون غياب المساعدات(طوني كارومبا/فرانس برس)
+ الخط -

"استهدف الحوثيون كل مقومات الحياة، من مدارس ومطاحن ومرافق طبية، وآبار وأنابيب المياه إضافة إلى الكهرباء والغاز المنزلي والوقود واقتحموا المؤسسات الخيرية، كما استهدفوا نشطاء حقوق الإنسان الذين كانوا يسعون لتوفير بعض المساعدات للأهالي، في عدد من المناطق المنكوبة بسبب قصف وحصار الحوثيين وقناصتهم". بهذه الكلمات يلخّص الناشط محمد فيزان لـ"العربي الجديد" الأوضاع في مدينة عدن بعد أكثر من 4 أسابيع من اجتياح قوات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح لها، وتحويلها إلى ساحة حرب مفتوحة لا تتوقف فيها الاشتباكات حتى تعود بوتيرة أشد. وهو الوضع الذي جعل عدن مدينة منكوبة تتجه إليها الأنظار لمعرفة ما إذا كانت الجهود ستنجح في إقامة جسر جوي إغاثي يصل إليها.

وتتباين الآراء حول إمكانية استقبال عدن لجسر جوي إغاثي خليجي عبر جيبوتي خلال الأيام المقبلة، على الرغم من الجهود الحكومية في هذا السياق، بعدما عقدت الحكومة اليمنية اجتماعاً مصغراً قبل أيام في الرياض برئاسة نائب الرئيس ورئيس الوزراء خالد محفوظ بحاح، وتم خلاله تكليف كل من وزير الخارجية رياض ياسين، ووزير حقوق الإنسان عز الدين الاصبحي للتنسيق واستقبال عمليات الإغاثة للجسر الجوي في جيبوتي قبل أن يتم نقلها إلى عدن.

اقرأ أيضاً: عدن... مدينة فُرض على أبنائها حمل السلاح

مصادر في السلطات المحلية في عدن توضح لـ"العربي الجديد" أن الجسر الإغاثي سيكون جوياً إلى جيبوتي، بينما سيكون إلى عدن بحرياً، ولا سيما أن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على مطار عدن"، مشيرة إلى أن "الجسر سيتضمن المواد الطبية والتموينية". وتشدد على أن "الجسر لم ينطلق حتى اللحظة باتجاه عدن، حتى يتم تأمين بعض المناطق من تواجد الحوثيين".
وتشير المصادر نفسها إلى أن "الوضع الإنساني في عدن بات حرجاً بسبب استهداف مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع لخزانات المياه ومحطات ومولدات الكهرباء، فضلاً عن نفاد المواد التموينية والغذائية". وتوضح أن "الوضع الصحي في عدن بات على شفا الانهيار، بعد أن بدأت تنفد الأدوية وبعض الأدوات الطبية، فضلاً عن توقف عمل بعض الأجهزة الطبية المهمة، فيما بدأ عجز المستشفيات عن القيام بواجبها الإنساني، نتيجة نقص الأدوية واستهداف الحوثيين لسيارات الإسعاف واحتجاز العديد منها واستهداف الأطباء والمسعفين وارتفاع أعداد الجرحى". ومما فاقم الأوضاع سوءاً "استخدام الحوثيين المستشفيات في المحافظات المجاورة لمحافظة عدن كثكنات عسكرية، الأمر الذي جعل تلك المناطق تنقل الجرحى إلى عدن".
وكانت قيادة السلطة المحلية في عدن، والتي من المفترض أن تكون مسؤولة عن إجراء الترتيبات اللازمة لعملية استقبال وتوزيع الإغاثة قد عقدت قبل أيام اجتماعاً ناقشت فيه الممرات الآمنة التي يمكن أن يتم اعتمادها لإدخال المساعدات بشكل عاجل وسريع.
لكن الممرات الآمنة ليست المشكلة الوحيدة، إذ تفتقر السلطات المحلية إلى قاعدة البيانات المتصلة بالاحتياجات الطبية والتموينية والوقود والمولدات الكهربائية وكلك أعداد النازحين، فيما كانت منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان قد دعت كل المنظمات الدولية والأمم المتحدة للتدخل لإنقاذ عدن من كارثة إنسانية على خلفية الصراع الدائر.

وتشهد عدن عملية نزوح للسكان إلى جهات عدة، ومنها  خارجية. ومنذ ما يقارب عشرة أيام، تبرز عملية النزوح إلى جيبوتي عبر البحر بشكل كبير، إذ غادرت مئات الأسر عدن باتجاه البحر في وجهة لم يكن كثر يعرفون ما تخبئه لهم، ولا سيما ما الذي ينتظرهم خلال هذا النزوح، سواء خلال إبحارهم أو من خلال وصولهم إلى دولة جيبوتي القريبة من اليمن والتي تحده جنوباً. لكن النزوح تحول بالنسبة إلى البعض كخيار لا مفر منه في ظل الحرب والقصف وانعدام مقومات الحياة.
يقول عبدالرحمن جميل لـ"العربي الجديد"، قررت النزوح إلى جيبوتي مع أسرتي، على الرغم من أنني لا اعرف وضع البحر وما الذي ينتظرنا فيه أو حتى لا نعرف شيئاً عن جيبوتي، لكن النزوح لا بد منه بعد أن قصف الحوثيون منزلنا وأصيب أحد أولادي". ويضيف "في ظل استمرار القصف العشوائي من الحوثيين وقناصتهم، والحرب الدائرة وانعدام مقومات المعيشة، ولم يعد لنا منزل نسكن فيه". ويتابع جميل "تأخرت حتى اليوم عن النزوح بسبب إصابة ابني، وبعد أن تحسنت حالته قررنا النزوح من عدن نحو جيبوتي، وفقط ننتظر وصول القارب".
ويؤكد مسؤول محلي في قيادة محافظة عدن، تحفظ عن ذكر اسمه لأسباب أمنية، لـ"العربي الجديد" أن "عمليات نزوح السكان نحو جيبوتي لا تزال عشوائية، ولا توجد إحصائيات لعدد النازحين"، مضيفاً: "نحن في السلطات لم نعد نستطيع أن نتحرك او نقدم شيئاً للسكان، بعد الجرائم والقصف العشوائي الذي تقوم به المليشيات الحوثية وقوات المخلوع". ويضيف "حتى الكهرباء والماء كلما حاولنا إصلاحها يتم تدميرها وقصفها من الحوثيين".

وفيما تتم عمليات النزوح من خلال وسائل نقل بحرية كالقوارب التابعة للصيادين، فضلاً عن البواخر النفطية، لم يسلم بعض النازحين خلال عملية انتقالهم من فرض البواخر عليهم مبالغة كبيرة نسبياً مقارنة مع أوضاعهم المادية المتردية، حيث تفرض البواخر على كل فرد في الحد الأدنى مائتي دولار، حسب ما يؤكده النازح نبيل محمد لـ"العربي الجديد"، مضيفا "كثير من الأسر لا يملك مبالغ مثل هذه، لذلك يحاول الناس مساعدة بعضهم البعض".
أما فاطمة التي اكتفت بذكر اسمها الأول، فتشير إلى أنها نزحت مع أسرتها نحو جيبوتي، ودفعوا ثمانمائة دولار للباخرة التي أقلتهم"، مشيرة إلى أنهم يعانون من وضع انساني صعب، بسبب عدم وجود اهتمام من قبل السلطات اليمنية أو في جيبوتي".

وتروي فاطمة بعض مشاهد عملية الانتقال إلى البحر، مؤكدة انه "أثناء السفر بالبحر يعاني الناس ولا سيما الأطفال وكبار السن، وتسمع صراخهم من داخل الباخرة"، مشيرة إلى أنهم "بعد وصولهم إلى السواحل الجيبوتية يتم نقلهم في عبارة إلى جزيرة تسمى "ابوخ" على البحر، وتقوم السلطات بعدها بوضعهم في مخيمات في جبال، في منطقة معزولة عن العالم تماماً".
وتضيف فاطمة أنه إلى جانب المعاناة من الجوع والوضع الإنساني، إلا انه يوجد أيضاً في المنطقة التي وضعتهم السلطات الجيبوتية فيها، بعض الحيوانات يقول النازحون إنها شرسة، تظهر في بعض الأوقات، وترتفع فيها أصوات الناس من الخوف، ولاسيما الأطفال الذين يرتفع صراخهم ليلاً". 
كما تؤكد عبير أن "أغلب النازحين لا يملكون أموالاً يسدون فيها رمقهم".
وتفاقمت أوضاع النازحين نتيجة غياب المنظمات الإغاثية. وقد وصل الأمر بالبعض إلى حد التفكير بالعودة مجدداً إلى عدن. ويشير النازح أمين عبد الله إلى أنه "من شدة الجوع والوضع الإنساني الصعب تحاول عشرات الأسر العودة إلى عدن على الرغم من الحرب، لكن البعض لم يتمكن من العودة، بسبب احتجاز السلطات الجيبوتية بطاقاتهم وجوازاتهم".

اقرأ أيضاً: معارك جنوب اليمن: حرب شوارع واستراتيجيات متبدلة

المساهمون