لبنان: ترجيح وقوف طرف واحد خلف تفجيرَي "فتنة عرسال"

08 نوفمبر 2015
المطلوب فتنة بين الجيش والعرساليين واللاجئين السوريين (Getty)
+ الخط -
ما يحصل في عرسال، عند الحدود الشرقية بين لبنان سورية، إن تطوّر، سيكون تعريفاً دقيقاً لكيف تبدأ الفتنة عموماً. تفجير استهدف اجتماعاً لهيئة علماء القلمون سقط فيه ستة قتلى، لحقه تفجير آخر بعد أقل من 24 ساعة لناقلة جند تابعة للجيش اللبناني أدى إلى جرح عسكريين ومقتل لاجئتين وطفلة سوريات برصاص عناصر الجيش التي غطّت انسحابها من المكان بإطلاق النار عشوائياً على مخيّم للاجئين السوريين. يدفع هذا الواقع المستجدّ على عرسال المعنيين فيها إلى التساؤل: من الهدف المقبل؟ وهل سيتمّ استهداف المدنيين اللبنانيين والسوريين فيها؟ وكل هذا يقود إلى توتر وفتنة بين الجيش والأهالي واللاجئين السوريين.

تعيش مدينة عرسال، التي فيها ما يزيد على 120 ألف نسمة (30 ألف من سكانها اللبنانيين وعشرات آلاف اللاجئين السوريين)، حالة هدوء بعد العاصفة العسكرية والأمنية التي عاشتها عقب اجتياحها من المجموعات السورية المسلحة في أغسطس/آب 2014. منذ ذلك التاريخ تحوّلت حاضنة اللاجئين والثورة السورية إلى جزيرة أمنية وسياسية واجتماعية واقعة في بحر البقاع اللبناني الشرقي المحسوب مذهبياً وسياسياً على حزب الله.

اقرأ أيضاً: تفجيرات عرسال... رسائل أمنيّة متعددة الاتجاهات

يشير ضابط أمني رفض الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ المحققين يؤكدون وقوف جهة واحدة وراء التفجيرين الأخيرين نظراً لتطابق أسلوب العمليّتين وطريقة تنفيذهما: تفخيخ دراجة نارية وركنها في مكان الهدف والقيام بتفجيرها عن بُعد ولاسلكياً بَعد تحميلها كمية تتراوح بين 15 و20 كيلوغراماً من المتفجرات. وعند هذا الحدّ تتوقف معطيات القوى الأمنية التي لا يتردّد مسؤولون فيها إلى تحميل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤولية التفجيرين لكون "هيئة العلماء المستهدفة مقرّبة من جبهة النصرة، والاعتداء على الجيش يأتي في سياق الضغط على المؤسسة العسكرية بغية التخفيف من استهداف نقاط تمركز عناصر التنظيم في الجرود بين عرسال ومنطقة رأس بعلبك (شرقي عرسال)". وفي الوقت نفسه تشير مصادر عرسالية محلية لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "شوارع المدينة شهدت منذ أيام حركة لبعض العناصر السورية المحسوبة أو المقربة من داعش"، وتضيف أنّ هذا النشاط العلني "مرتبط بشكل أو بآخر بمحاولات التقدم التي يقوم بها التنظيم شرقي عرسال، تحديداً لجهة بلدة قارة (في القلمون الغربي، في الداخل السوري)".

اقرأ أيضاً: معركة جرود عرسال: الطرفان يعترفان بالاستنزاف

اقتراف "داعش" جريمتين مماثلتين، سيناريو غير مستبعد نظراً لسجلّه الدموي الحافل على هذا الصعيد، إلا أنّ واقع الأمور في عرسال مختلف قليلاً، خصوصاً أنه سبق للتنظيم أن انسحب من المدينة وجرودها. تمّت هذه الخطوة في أبريل/نيسان الماضي حيث انتقلت مجموعات "داعش" من القلمون إلى جنوبي حمص تاركةً وراءها عرسال وجرودها وقرى القلمونين الغربي والشرقي التي شهدت بعد أسابيع "معركة تطهير" شنّها حزب الله والجيش السوري. حتى إنّ قياديون وعناصر لبنانيون في "داعش" تركوا الجرود عقب هذا الانسحاب وانتقلوا إلى الشمال اللبناني، تحديداً مدينة طرابلس، ومن أبرزهم ثلاثي عمر وأحمد وبلال ميقاتي الذين أوقفتهم القوى الأمنية اللبنانية بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضي. وبالتالي فإنّ "داعش" لم يعد مرتبطاً بعرسال ومحيطها، وليس له ثقل عسكري فيهما، أو أنه أبقى على بعض الخلايا النائمة في هذه المناطق. وفي هذا الإطار، تشير مصادر محلية عرسالية لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "انسحاب التنظيم من المنطقة ترك مجموعات من المسلحين المتشددين الذين باتوا أيتاماً لا قيادة لهم ولا جهة تدعمهم أو تحضنهم". باتت هذه المجموعات عاجزة عن مبايعة "داعش" الذي "ترك الأرض والعرض في عرسال"، وعقائدياً هي غير منسجمة مع الفصائل الإسلامية الأخرى وتحديداً جبهة النصرة. ما يدفع إلى القول إنه بات في عرسال مجموعات مسلحة يمكن استئجارها للقيام بأعمال أمنية دنيئة أو توظيفها في هذا المجال مقابل بدل مادي أو وهم عقائدي من قبل أي طرف أمني أو سياسي يهدف إلى توصيل رسائل معيّنة أو تحريك ملف ما. أمر توافق عليه بعض فصائل "جيش الفتح في القلمون" الذي أصدر بياناً اتّهم فيه حزب الله بتدبير استهداف آلية الجيش اللبنانية "ليرد هذا الجيش مستهدفاً بنيرانه مخيمات اللاجئين". كما نعى جيش الفتح رجال الدين الذين قتلوا في تفجير مكتب "هيئة علماء القلمون" معتبراً أنّ هذا العمل "لا يقوم به إلا جهة اشتهرت بالغدر والخيانة". مع العلم أنّ جيش الفتح خاض معارك شرسة مع حزب الله و"داعش" على حدّ سواء. 

اقرأ أيضاً: هدوء جبهة عرسال: ترسيم الحدود بين حزب الله و"الفتح" 

وفي السياق نفسه، يستند قياديون في المعارضة السورية في عرسال إلى مجموعة "من العوامل الأساسية التي يمكن أن تدفع حزب الله إلى إعادة تحريك هذا الملف أمنياً ومن خلال بوابة الفتنة"، بحسب ما يقولون لـ"العربي الجديد". يعيد هؤلاء الأمر أولاً إلى فشل الحزب في حسم أي من معاركه في القلمونين الشرقي والغربي، بالإضافة إلى عجزه أيضاً عن إخراج فصائل المعارضة من جرود عرسال. وبالتالي فإنّ "مهمة قهر عرسال وأهلها لا تزال في ذهن حزب الله ومن معه". ولا يتردّد ممثلو الفصائل السورية عن القول إنّ حزب الله لا يريد حلاً لملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين في الجرود، "ليظلّ ممسكاً بهذه الورقة والقول إنّ الثورة السورية تشكل خطرا على الدولة والناس"، مع العلم أنّ هيئة العلماء التي تم استهدافها كانت تعمل على هذا الملف وغيره. كما يتخوّف هؤلاء أيضاً من محاولة الحزب "تعميم منطق تسوية الزبداني ــ الفوعة ــ كفريا على مناطق القلمون بما فيها عرسال، أي القيام بنقل سكاني آخر وتهجير آلاف العائلات العرسالية والسورية". ويضيف المتحدثون أنّ الواقع الذي تمكّن حزب الله ومعه الجيش اللبناني من فرضه على عرسال يقول إنّ "أمراً مماثلاً قد يتم العمل عليه في وقت لاحق"، إذ يشيرون إلى أنّ الحصار المفروض على المدينة، شرقاً (باتجاه بساتينها ومقالع الحجر التي تشكل مورد الرزق الأول لأبنائها) وغرباً (باتجاه المناطق اللبنانية المحسوبة على حزب الله)، يدفع مئات العائلات إلى ترك منازلها وأرزاقها والتوجه إلى بيروت أو غيرها من المناطق بحثاً عن لقمة العيش.

المساهمون