المادة 51 والتوظيف الروسي: توسيع التدخل العسكري

20 نوفمبر 2015
هجمات باريس وإسقاط الطائرة وفّرا فرصة لتشكيل حلف جديد(Getty)
+ الخط -
سارعت روسيا بعد إعلانها عن أن قنبلة أدت إلى إسقاط طائرتها في شبه جزيرة سيناء، إلى تقديم مشروع إلى مجلس الأمن الدولي حول تنسيق الجهود في "مكافحة الإرهاب" ينص صراحة على حق "الدفاع عن النفس واعتماد المادة 51" من ميثاق الأمم المتحدة. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد توعّد الجناة المسؤولين عن إسقاط الطائرة، بالوصول إليهم أينما كانوا ومعاقبتهم، مؤكداً أن روسيا ستتصرف وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تتيح الدفاع عن النفس.
من جهته، أعلن المندوب الروسي في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، بعد تقديم المشروع المعدّل ليل الأربعاء، أن نص المشروع كُتب بصيغة تجعله يرضي الجميع، مشيراً إلى "ضرورة توحيد جميع الجهود والتركيز على قضية رئيسية هي محاربة الإرهاب". وأوضح أنه "تم التشديد على مكافحة تنظيم داعش وضرورة الجهود المشتركة"، لافتاً إلى أن ذلك يشمل "تنسيق الجهود والعمل المشترك على توقيف مرتكبي الأعمال الإرهابية ومعاقبتهم".

وكانت روسيا عرضت نسخة أولية من مشروعها أمام مجلس الأمن في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا رفضتها بسبب بند يدعو إلى مقاتلة الجهاديين بموافقة النظام السوري. وأعلن تشوركين أن الصيغة الجديدة لا تزال تتضمن هذا البند، إلا أنه قلّل من أهمية الخلافات.

وفي موازاة المشروع الروسي، قررت فرنسا أيضاً تقديم مشروع لمجلس الأمن حول مواجهة "داعش". وقال السفير الفرنسي لدى الامم المتحدة فرنسوا دولاتر، إنه "يعمل على إعداد نص سيكون مقتضباً وقوياً ويركز على المعركة ضد عدونا المشترك داعش". ومن المفترض أن يُعرض النص على المجلس قريباً. وأعلن دولاتر أنه "سيدرس النص الروسي بتأنٍ" ليرى إذا كان من الممكن إدراج مقاطع منه ضمن مشروع القرار الفرنسي.

وتعليقاً على المشروع الفرنسي المرتقب، قال المندوب الروسي إنه لا يفضّل "بروز سباق على هذا المسار، والأمر الذي تم الحديث عنه بصوت عالٍ خلال المداولات في مجلس الأمن، هو وحدة الصف بين أعضاء المجلس"، لافتاً إلى أن المشروع الروسي قد صيغ بشكل جيد جداً ووُضع كنص عام وشامل، وكُتب بصيغة تجعله يرضي الجميع.

ويبقى أبرز ما يقوم عليه المشروع الروسي، هو محاربة الإرهاب استناداً إلى المادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي جرى توقيعه في 26 يونيو/ حزيران 1945. وتنصّ المادة 51 على أن من حق الدول، فرادى أو جماعات، الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي. وتؤكد المادة إياها حق الدفاع عن النفس مع احتفاظ مجلس الأمن الدولي بصلاحياته بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام الميثاق الدولي.

وبما أن هذه المادة هي التي استندت إليها دول حلف شمال الأطلسي في تأسيس الحلف للدفاع عن نفسها، كما استندت إليها لاحقاً دول المعسكر الاشتراكي في تأسيس حلف وارسو، فذلك يعني أن هذه المادة ستعتمد عليها روسيا في مشروعية تأسيس حلف جديد.

وعلى هذا الأساس أعلنت وزارة الخارجية الروسية، الثلاثاء، أن روسيا سوف تتصرف وفقاً للمادة 51 للرد على الإرهاب الذي أسقط الطائرة الروسية في سيناء. لكن بعض ناشطي حقوق الإنسان أعربوا عن قلقهم من مضمون ما أعلنته الخارجية الروسية، قائلين إن تسخير المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للرد تجعل التدخّلات العسكرية من جانب دولة معينة أو مجموعة من الدول مشروعة وقد تستغل هذه المشروعية لخدمة أغراض أخرى غير الدفاع عن النفس.

اقرأ أيضاً: روسيا توظف طيرانها الاستراتيجي في قصفها الجوي لسورية

وحذر معلقون أميركيون من أن يُستغل حادث إسقاط الطائرة الروسية واعتداءات باريس لإطلاق "حرب عالمية ثالثة"، خصوصاً في ظل تفاقم مشكلة تدافع اللاجئين إلى أوروبا.

ولا تقتصر الإجراءات الروسية على مشروع القرار الدولي ضد تنظيم "داعش"، بل ذكرت وزارة الخارجية أنه "بناءً على توجيهات الرئيس فلاديمير بوتين، نخطر جميع الشركاء الدوليين، ببدء الأجهزة المختصة الروسية البحث عن المجرمين"، وأكدت أن "عمل هذه الأجهزة سيستمر حتى الكشف عن جميع المتورطين، أينما كانوا، وتقديمهم إلى العدالة".

ويبدو أن هجمات باريس وإسقاط الطائرة الروسية، وفّرا لفرنسا وروسيا فرصة للبدء عملياً في تشكيل حلف جديد من المتوقع أن يتوسّع لاحقاً ليشمل معظم حلفاء الأمس في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وتدرك باريس وموسكو أن اللحظة التاريخية الراهنة أوجدت لروسيا والدول الغربية المنافسة لها مبررات لتناسي خصومات ما بعد الحرب الثانية والبدء في التحضير لحرب عالمية ثالثة تلوح بوادرها في الأفق ضد محور جديد هو محور التطرف كبديل للنازية والفاشية. وبوجود المحور المعادي البديل، يأمل أبرز صقور الحلفاء الجدد، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يُجنّب بلاده مواجهات عسكرية أكثر خطورة ظلت محتملة لعقود طويلة ضد حلف شمال الأطلسي، بل ربما تتهيأ ظروف جديدة لدخول روسيا في عضوية الحلف الذي لا يزال حتى الآن معادٍ لها.

ومن المفارقات الموجبة للتأمل أن عدداً من أبرز مفكري السياسة الأميركية يتوقّعون منذ سنوات حرباً عالمية ثالثة، ولكن توقعاتهم كانت على أساس أن طرفي الحرب هما الولايات المتحدة وأعضاء حلف الأطلسي من جهة، وروسيا والصين وإيران من جهة أخرى. ولم يكن أحد يتصور أن تبدأ نُذُر الحرب وقد أصبحت روسيا وإيران إلى جانب التحالف الغربي التقليدي. ومن بين من خانتهم توقعاتهم جزئياً، وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي كثيراً ما كان يردد أن سياسات بوتين تقود العالم إلى حرب عالمية ثالثة، قال إنها ستكون شديدة القسوة ولن يخرج منها سوى منتصر واحد، هو الولايات المتحدة من وجهة نظره.

وكان كيسنجر يعتقد أن عودة الهيبة لروسيا والصين ستكون السبب في سرعة زوال كل منهما ومعهما إيران التي اعتبر سقوطها هدفاً مهمّاً لإسرائيل. وتوقّع كيسنجر قبل سنوات أنّ تحتل الولايات المتحدة أراضي سبع دول شرق أوسطية من أجل الهيمنة على منافسين كبار بحجم الصين والهند وروسيا وليس من أجل استغلال الموارد لصالح أميركا.

وتتضمن الخطوات التي بدأتها موسكو وباريس مغريات للولايات المتحدة ولبعض صنّاع القرار فيها ممّن يهمّهم وجود عدو يعتاشون منه أكثر مما يهمهم وجود أصدقاء يشكلون عبئاً ثقيلاً. وهو ما يوفره "محور التطرف" الذي يمثله زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أبوبكر البغدادي، وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، نظراً لأنه يؤدي الغرض من دون أن يشكل خطراً جسيماً وحقيقياً بالقدر الذي تشكله الدول التي تملك أسلحة نووية. لكن الإدارة الأميركية لم تتعجل في التعليق رسمياً على التطورات الجديدة ولا يزال الموقف يتبلور في الخارجية الأميركية والبيت الأبيض وفي البنتاغون كذلك.

أما دول الاتحاد الأوروبي باستثناء فرنسا، فلا تبدو أنها متحمّسة للشراكة مع بوتين في أي تحالف جديد وإن كانت مضطرة أن تتحمّل أعباء التدخلات الفرنسية الخارجية. ويرى الاتحاد الأوروبي في حلف شمال الأطلسي أهمية كبرى لضمان الاستقرار العالمي، وأكدت على هذا الرأي الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فديريكا موغريني، قائلة في تصريحات في بروكسل إنه لا يمكن تحقيق الأمن العالمي إلا من خلال جهد جماعي ومشترك، بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي.

ولا يتضمن هذا الرأي رفضاً للدور الروسي المقبل ولكن الاتحاد الأوروبي على ما يبدو حريص على بقاء القيادة بيد الحلف الأطلسي، وعدم نقلها إلى بوتين. وبشأن فرنسا، فإن دول الاتحاد الأوروبي وافقت على طلب فرنسي تقديم المساعدة العسكرية لها بموجب إحدى بنود معاهدة لشبونة. غير أن مسؤولين أوروبيين شددوا على أن المساعدة لفرنسا لا تتضمن بأي حال من الأحوال الموافقة على أي مغامرة عسكرية باسم الاتحاد الأوروبي، مؤكدين أن دور الاتحاد الأوروبي سيقتصر على تنسيق المساعدات المادية المتفق عليها ثنائياً بين فرنسا والدول الأعضاء.

اقرأ أيضاً: السيسي يتصل ببوتين.. ولافروف يؤكد حق الردّ "سياسياً وعسكرياً"