انطلاقة متجددة للحوار الموريتاني بخلافات المعارضة

11 نوفمبر 2015
لا يمكن التكهن بأجندة النظام للمرحلة المقبلة (فرانس برس)
+ الخط -
تسارعت الجهود الرامية إلى إطلاق حوار سياسي بين المعارضة والنظام في موريتانيا، بعد توقف اللقاءات الثنائية بين الطرفين في شهر يونيو/ حزيران الماضي، بفعل ما يعتبره مراقبون "فشل الحكومة في تسويق الحوار التمهيدي، والذي قاطعته المعارضة في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وأحزاب كتلة المعاهد من أجل التغيير".

وقد بدأ الحراك السياسي الجديد، الهادف إلى إطلاق الحوار، مع إصدار حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم بياناً يُرّحب فيه بخطاب الرئيس الجديد لـ"المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" أحمد سالم ولد بوحبيني. وهو الخطاب الذي لم يُذكر فيه الردّ على "وثيقة الممّهدات" (الصادرة في مارس/آذار 2015)، كشرط لاستئناف الحوار، كما كان قادة المنتدى يؤكدون في تصريحاتهم. وهو الأمر الذي قلّلت بعض قيادات المنتدى من أهميته، معتبرين أن "خطاب ولد بوحبيني، لم يخرج عن سياق ما يؤكده المنتدى وقادته دوماً، من الترحيب بالحوار والاستعداد لاستئنافه من جديد".

وإثر بيان الحزب الحاكم، اتصل الوزير الأمين العام للرئاسة الموريتانية مولاي ولد محمد لغظف، بالرئيس الجديد للمنتدى، وأكد له "حرص أحزاب الأغلبية على استئناف الحوار"، وفقاً لما ذكرته مصادر إعلامية موريتانية. وسبق أن جرت لقاءات ماراثونية، خلال الأيام الماضية، بين المنتدى وأحزاب كتلة المعاهدة المعارضة، للتنسيق بين الطرفين، ضمن المساعي الجارية لاستئناف الحوار، بحسب البيان الصادر عن الطرفين. 

ويأتي اللقاء الثنائي، بعد أن شكّل قرار مقاطعة كتلة المعاهدة، لجلسة الحوار التمهيدي، والتي دعت إليها الحكومة، ضربة قوية لمحاولات إطلاق حوار، من دون أطراف المعارضة الرئيسية. غير أن اتصال الأمين العام للرئاسة بالمنتدى، يُظهر مجدداً، إدراك الأغلبية أن الحوار من دون أحزاب المعارضة، لن يكون مقنعاً، لا داخلياً ولا خارجياً، وأن محاولة صناعة معارضة "ناعمة" أو بديلة، لن يُكتب لها النجاح.

غير أن جهود إطلاق الحوار اصطدمت بخلافات المعارضة داخل المنتدى، تحديداً في ما يتعلق بتغيير الوفد المفاوض عن المنتدى للحوار، واشتراط ردّ مكتوب من الحكومة على "وثيقة الممهّدات"، والتي طرحتها المعارضة. وظهرت خلافات عدة داخل الأحزاب، إذ يصرّ حزب "تكتل القوى
الديمقراطية"، على عدم تغيير وفد المنتدى للحوار، وعلى اشتراط الردّ المكتوب على "وثيقة الممّهدات"، فيما تنشط أحزاب أخرى من أجل تغيير وفد المنتدى واستئناف اللقاءات، والحصول على ما يُمكن الحصول عليه من البنود والمطالب الواردة في الوثيقة. وفي هذا الصدد، يُعدّ حزبا "اتحاد قوى التقدم" و"توصل"، بأنهما "من أبرز الأحزاب المتحمسة للحوار"، إلى جانب "كتلة المستقلين" في المنتدى، والتي يمثلها بوحبيني. 

اقرأ أيضاً: هواجس موريتانية حول المشاركة العسكرية في حرب اليمن

في سياق متصل، أعلنت مجموعة من النقابات وهيئات المجتمع المدني الموريتاني عن إطلاق مبادرة لتقريب وجهات النظر بين المعارضة والنظام، تحت مسمى "المسعى المدني المستقل للحوار"، برئاسة نقيب المحامين الموريتانيين الشيخ ولد حندي.

ويشير المتحدث الرسمي باسم "المسعى المدني المستقل للحوار" محمد سالم ولد الداه، إلى أن "المسعى جاء ثمرة للقاءات عُقدت من أجل تحليل الحالة السياسية في البلد، وما وصل إليه مستوى التجاذب بين أطراف المشهد السياسي من خلال الردود المتبادلة بينهما. وقد توصلنا بعد التقييم، إلى ضرورة بذل جهد مدني، علّه يساهم في تذليل بعض الصعوبات".

ويكشف ولد الداه، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المسعى المدني يهدف إلى أداء دور المُسهّل، وقد أردنا أن يضمّ منظمات مهنية ووازنة، تمثل كل الآراء السياسية". وحول وسائل الضغط التي يملكها "المسعى" وقدرته على تحقيق اختراقات متعلقة بالحوار السياسي، يقول ولد الداه "المسعى لا يمتلك القوة الكاملة للضغط على الأطراف، غير أن مجرد دخوله المسار كافٍ لاستيلاد ضغط مهم على المتحاورين، والتأكيد على ضرورة وأهمية أن يكون أي حوار في المرحلة المقبلة شاملاً، وتشارك فيه كل الأطراف". ويرى ولد الداه أن "مهمة المسعى تتمثل أساساً في الاطلاع على طبيعة العوائق ومحاولة تذليل الصعوبات، ونريد لها أن تنحصر في هذا الإطار، ولا نعتبر أنفسنا طرفاً ثالثاً بالمفهوم السياسي".

ومع تكثيف الجهود الرامية إلى إطلاق حوار سياسي بين النظام والمعارضة في موريتانيا، يطرح السؤال نفسه حول الأجندة التي يبتغيها الطرفان من هذا الحوار، وخصوصاً في ما يتعلق بالنظام، والذي يثير الشكوك حول سعيه لتغيير الدستور، بهدف تمهيد الطريق أمام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، لولاية جديدة. كون الصيغة الحالية للدستور، تمنعه من قضاء أكثر من فترتين رئاسيتين.

كذلك تتطلّع أحزاب المعارضة إلى أن يؤدي الحوار إلى إجراء انتخابات جديدة، في إطار لائحة انتخابية جديّة، بظلّ ظروف سياسية وتقنية، يُمكن أن تُحقق معها مكاسب انتخابية. وذلك بعد أن قاطعت الانتخابات الماضية (باستثناء حزب تواصل)، وغابت عن التمثيل داخل البرلمان والمجالس البلدية.

وحول اختلاف الأجندات بين النظام والمعارضة يُبدي رئيس مركز "الصحيفة للدراسات الاستراتيجية" عبد الرحمن ولد حرمه، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، اعتقاده بأن "الرئيس بصدد وضع استراتيجية للفترة العتيدة، كون البلاد مقبلة على استحقاقات انتخابية، ومنها تجديد ثلث أعضاء مجلس الشيوخ الذي تأجل تجديده. كما أن الأوضاع في دول الجوار، وحرص الدول الغربية على استتباب الأمن والاستقرار في موريتانيا، دفعت الرئيس إلى السير بحوار يؤمّن وضعه من جهة، ويُرضي الأطراف الخارجية من جهة أخرى. كما يُظهر المعارضة وكأنها هي من يرفض الجلوس إلى طاولة الحوار، إلا انطلاقاً من أجندتها. كما يوحي رئيس الجمهورية وكأنه مستعدٌ للحوار من دون أي سقف أو خطوط حمراء".

أما ما تقوله المعارضة عن أجندة الرئيس في شأن البقاء في السلطة بعد انتهاء عهده، فالحديث عنه سابق لأوانه، وفقاً لولد حرمه. ويشير إلى أنه "ما لم ينته الحوار ومعرفة نتائجه، لا يمكن التكهن بأجندة النظام للمرحلة المقبلة". ويضيف ولد حرمه "من المعلوم أن المعارضة لها العديد من التجارب غير الموفقة مع الأنظمة السابقة، كتجربة الجبهة الوطنية، وكذلك المنتدى بعد الجبهة. مع ذلك فإن مقاطعة الحوار من طرف بعض المعارضة، ليس خياراً موفقاً، لأن النظام، وفي حالة الإصرار على المقاطعة، يُمكن أن يكتفي بملء مقاعدها ببعض أحزابها وشخصياتها، كما سبق أن فعل في مناسبات مماثلة سابقاً".

اقرأ أيضاً: ثلاثة أرباع الموريتانيين يعيشون في فقر مدقع

دلالات
المساهمون