مثلما ينتفض التيار المحافظ على مرشحي القيادة التقليدية في الحزب الجمهوري، هناك قاعدة يسارية تتحفظ على ترشح وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، وقد وجدت ضالتها في ظاهرة السيناتور المستقل عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز.
اقرأ أيضاً: الانتخابات الأميركية: هل يُستبدل بوش وكلينتون برومني وبايدن؟
عندما تم انتخابه عمدة لمدينة برلينغتون على الحدود الأميركية الكندية، كان يتباهى ساندرز أنّه يحكم المدينة الوحيدة في العالم التي لديها سياستها الخارجية الخاصة بها. قام في عام 1981 بتوجيه رسائل رسمية إلى قادة الاتحاد السوفياتي والصين وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، حثهم فيها على نزع السلاح والتفاوض، قائلاً إن "شعب برلينغتون لا يمكنه أن يجلس بهدوء ويشاهد كوكبنا يُدمّر".
كانت الولايات المتحدة تعيش في زمن الغزو السوفياتي لأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، عندما قاد ساندرز توأمة بين برلينغتون ومدينة ياروسلافل على تخوم موسكو. بعدها زار كوبا والتقى عمدة هافانا، كما زار الثوار الاشتراكيين في نيكاراغوا عام 1985، منتقداً سياسة الرئيس الأسبق رونالد ريغان الخارجية في أميركا اللاتينية.
يصف نفسه بأنه "اشتراكي ديمقراطي" وسياساته المُعلنة تشبه إلى حد بعيد سياسات الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في أوروبا، القارة التي هاجرت منها عائلته. يتحدر ساندرز من عائلة يهودية بولندية قُتل منها أقارب له في "الهولوكوست". خلال ستينات القرن الماضي، كان ناشطاً في حركة الحقوق المدنية، كما تبلورت ميوله الاشتراكية أثناء دراسته الفلسفة السياسية في جامعة شيكاغو قبل أن ينتقل الى برلينغتون، حيث عاش فقيراً حتى حصوله على أول وظيفة، وهي انتخابه عمدة هذه المدينة التي حوّلها الى واحة ليبرالية، بعدما كانت تغازل الجمهوريين. فاز بانتخابات العمدة تحت شعار "برلينغتون ليست للبيع"، بحيث رفض في حملته الانتخابية تحويل واجهتها البحرية الى مشروع تجاري قبل أن يقود مسار تحويلها الى مساحة من المنتزهات والشواطئ العامة لتصبح اليوم من أفضل المدن الأميركية للعيش فيها. ومن قلب منتزه هذه الواجهة البحرية، أطلق حملته الرئاسية في 26 مايو/أيار الماضي.
بعدها بستة أسابيع، وصلت أرقامه في استطلاعات الرأي الى 10 في المائة ليصبح الرقم الصعب في السباق الرئاسي عند الديمقراطيين. من بين كل مرشحي الرئاسة عند الحزبين الديمقراطي والجمهوري، يحصل ساندرز على أكبر عدد من الحشود خلال تجمعاته الانتخابية، لا سيما بين الشباب. رفض تشكيل لجنة سياسة منفصلة عن حملته ليتبرع لها كبار المتمولين، كما يفعل سائر المرشحين، واكتفى بالتبرعات الصغيرة لمناصريه.
يحمل خلال جولاته الانتخابية أفكاراً تقدمية حول انعدام المساواة في الدخل والتغير المناخي والرعاية الصحية والحقوق المدنية، كما ينتقد السياسة الخارجية الأميركية وكان من أوائل الرافضين لغزو العراق عام 2003. بعد عشرين عاماً في الكونغرس، برزت نجومية ساندرز عام 2010 حين ألقى خطاباً على مدى ثماني ساعات ونصف الساعة، لتأجيل التصويت على قرار الرئيس باراك أوباما تمديد السياسات الضريبية التي وضعها سلفه جورج بوش.
تشير أرقام استطلاع الرأي الأخيرة الى استمرار صعود شعبية ساندرز (73 عاماً)؛ ففي استطلاع مشترك لصحيفة "وال ستريت جورنال" وشبكة "أن بي سي"، تراجع الفارق بينه وبين كلينتون من 34 نقطة في شهر يوليو/تموز الماضي الى 15 نقطة بين الناخبين الديمقراطيين المحتملين. كما نشرت "فوربس" دراسة أشارت فيها الى أن كلينتون هيمنت على 90 إلى 100 في المائة من تغطية الإعلام الأميركي في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، لكن بعد إعلان ساندرز عن ترشحه، تمكّن من اقتطاع 34 في المائة من تغطية مرشحي الرئاسة الديمقراطيين. متابعوه على موقع "فايسبوك" أكثر من متابعي كلينتون، رغم أن صفحته افتتحت في 22 أغسطس/آب الماضي.
يأتي ساندرز من جيل يساري بلورته الحرب الأميركية في فييتنام، التي ولّدت شغفه بالسياسة الخارحية. لكن بعد خوضه معارك انتخابية عن حزب "اتحاد الحرية" اليساري خلال السبعينات، اكتشف الحاجة الى البراغماتية والتماهي مع قضايا الناس، وأصبح منذ ذلك الوقت سياسياً مستقلاً يركز على الهموم الاقتصادية والاجتماعية أكثر مما يركز على القضايا الإيديولوجية الكبيرة.
لم يتغير خطاب ساندرز كثيراً خلال العقود الأخيرة، هو نفسه لا يخرج عن النص. يحمل العناوين ذاتها حول التفاوت بين الفقراء والأغنياء وسهولة "بيع وشراء الانتخابات الأميركية" كما قال عام 1988. لكن ما تغيّر هو قراره الصريح بتجاهل السياسة الخارجية والتركيز على القضايا المعيشية الأميركية التي يعتبرها أولوية. يقول ساندرز إن ترشحه يطرح عنوان العدالة الاقتصادية في الولايات المتحدة، لكن خسارته المحتومة في الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي لن تمنعه من فرض تغيير ما في خطاب الحزب أو من دفع هيلاري كلينتون قليلاً الى اليسار.
اقرأ أيضاً: استطلاع: هيلاري كلينتون تتفوق على أقوى المرشحين الجمهوريين