فالهجوم الذي نفذته قبيلة الرزيقات، على منطقة قبيلة المعاليا في أم راكوبة بولاية شرق دارفور، الأربعاء الماضي، لم يكن الأول من نوعه، إلا أن ما ميّزه هو ارتفاع أعداد الضحايا واستخدام الأسلحة الثقيلة والمتطورة فيه.
هذا الأمر دفع برئيس بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي المشتركة "يوناميد"، محمد بن شمباس، للإعراب عن قلقه من هذه الأحداث، وعدّ الحروب القبلية الأكثر خطورة، معترفاً بفشل "يوناميد" بالوصول إلى مقرّ الأحداث لتقييم الوضع والوقوف على حجم الخسائر.
بدورها، اعترفت الحكومة السودانية بأن الحرب القبلية تُعدّ المهدد الأمني الأكبر لدارفور والأمن القومي، وسبق للرئيس السوداني عمر البشير، الإشارة الى وجود أيادٍ خفية تحرّك ذلك الصراع.
وبدا واضحاً أن القتال القبلي المتأصل في المنطقة، تجدد خلال الفترة الماضية بعد عملية التقسيم التي تمت لولايات دارفور الثلاث، بإضافة ولايتين جديدتين لتصبح خمس ولايات بدلاً من ثلاث، وارتكاز هذا التقسيم على أساس قبلي، وهو ما أقرّ به البشير شخصياً عقب العملية في 2012، إذ قال إن الخطة جاءت لإرضاء قبائل بعينها، وأكد وقتها "أنه إذا كان التقسيم سيحقق السلام فهو بالتأكيد أفضل من الحرب".
وكان لافتاً مطالبات قبيلة المعاليا، بعد اشتباكات أم راكوبة، بإلغاء ولاية شرق دارفور الجديدة، وإعادة الوضع في الإقليم إلى ما كان عليه قبل التقسيم. كما أن رئيس مجلس شورى المعاليا، الشيخ مردس جمعة، اتهم قبيلة الرزيقات، التي تمثّل أكبر القبائل في المنطقة، بالهيمنة على السلطة في الولاية.
ويشير في تصريح لـ"العربي الجديد"، الى أن "قبيلة الرزيقات استعانت في الهجوم الذي نفذته على منطقة المعاليا، بإمكانات الدولة من سيارات وأسلحة وقوات شبه نظامية". ويلفت إلى أن "أسلحة ثقيلة ومتطورة استُخدمت في هذه العملية القتالية".
لكن معتمد مدينة الضعين، المنحدر من قبائل الرزيقات، الطاهر علي، رفض تلك الاتهامات، واعتبر مطالبات قبيلة المعاليا بإلغاء ولاية شرق درافور ورهن تنفيذ الطلب بالجلوس للحوار والمصالحة، بمثابة ورقة ضغط، قائلاً إن "المعاليا ظلّت تلوح بهذه الورقة منذ إعلان الولاية الجديدة".
ويلفت مراقبون الى أن "قبيلة الرزيقات كمجموعة سكانية في دارفور، تُعد الأكبر حجماً والأكثر قوة عسكرياً، كما أن الحكومة في حربها على الحركات المسلّحة قبل أحد عشر عاماً، اعتمدت على الرزيقات في التصدّي لتلك الحركات". الأمر الذي يجعلها تتعامل مع تلك القبيلة كقوة عسكرية حقيقة، وهو ما يُفسر إعطاء ولاية كاملة لهذه القبيلة للبدء في توطيد نفوذها واسترداد "حقوقها التاريخية"، خصوصاً أن الاعتقاد السائد لدى هذه القبيلة، أن الأرض التي توجد عليها قبيلة المعاليا تُعد ملكاً لها.
ويرى الخبير السياسي، ماهر أبو الجوخ، في تصريحات، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك عاملاً جديداً دخل في الصراع بين القبائل الدارفورية، والمتمثل في تجاوز الأنماط القديمة من صراع الأرض والموارد والصراع الإثني، ليتحول إلى صراع سلطة وسط الأطراف المختلفة بما فيها حلفاء الحكومة"، معتبراً بالتالي أن "هناك أطرافاً في السلطة ضالعة في الصراع".
ويؤكد أن "ما فاقم الأزمة، المؤسسات ذات الطبيعة القبلية التي تشكّلت إبان حرب الحكومة على الحركات المسلّحة كحرس الحدود والدفاع الشعبي وغيرها، والتي عادة ما تنحاز بعتادها عند اندلاع الصراع القبلي، لطبيعة المنطقة".
ويشير إلى أن هذا ما يقود للاتهامات المتبادلة بضلوع الحكومة في الصراع الذي قد تكون لا تدعمه، ولكن هناك جهاز تابع لها انحاز لأحد الطرفين. ويضيف "لذا نجد أن أي صراع قبلي من السهل أن يُشكّل الجيش فيه القوة العازلة باعتبار أن تكوينه لا يأخذ الشكل القبلي".
في الأحداث الأخيرة التي اندلعت بين قبيلتي المعاليا والرزيقات، تبادل الطرفان الاتهامات، بإشراك القوات النظامية في الحرب، باستثناء الجيش والشرطة، بالنظر إلى الأسلحة الثقيلة للطرفين، ولكن الإحصاءات غير الرسمية، أكدت أن 70 في المائة من أهل دارفور يملكون السلاح.
واقترح أبو الجوخ جملة من المعالجات لمحاصرة تلك الظاهرة، منها "إقرار نظام الإقليم في دارفور للحد من النزاعات القبلية، الى جانب إنهاء الصراع في الإقليم وإجراء تسوية سلمية لإنهاء مبرر حمل السلاح". وحذّر من أن "استمرار الأمر على ما هو عليه يشكل خطراً على البلاد ومستقبلها".
وتبقى المخاوف قائمة من أن يقود النزاع القبلي الذي تمدد في دارفور خلال الفترة الماضية، المنطقة إلى مصير مجهول في ظل انتشار السلاح وإقدام كل قبيلة على أخذ حقها بيدها، كما أنه قد يفتح صفحة حرب جديدة خاصة بظل تهديدات قبيلة المعاليا وتحذيراتها للحكومة في الخرطوم من غضبها، وفتحها الباب أمام إمكانية التمرد على الدولة نفسها، ولا سيما أن هناك إحساساً مسيطراً لديها بدعم الحكومة لقبيلة الرزيقات.