الفيضي لـ"العربي الجديد": نعيش ثورة عراقية بثقل سنّي

16 يونيو 2014
الفيضي: الثورة عراقية بثقل سني وليست سنية (العربي الجديد)
+ الخط -

يرى المتحدث الرسمي باسم "هيئة علماء المسلمين" في العراق، محمد بشار الفيضي، أن ما يشهده العراق هو "ثورة رامية إلى تحرير البلد من الهيمنة الإيرانية التي كانت لها مقدمات أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم"، نافياً أن تكون "الثورة سنية تهدف إلى تحرير مناطق السنّة كما يشاع"، رغم إقراره بثقل السنّة في الثورة.

ويعرب الفيضي، خلال لقاء مع "العربي الجديد" في عمّان، عن تخوّف الهيئة من إقدام رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، على ارتكاب "حماقات لتأجيج الحس الطائفي"، إضافة إلى أن "تحمل فتاوى المرجعيات الدينية الشيعية بالنفير ضد الثورة بذور حرب أهلية".

ويكشف الفيضي عن خريطة القوى الفاعلة في ما يسميه "الثورة"، مشيراً الى أن "ظلم المالكي لم يقتصر على الطائفة السنية، رغم أنها كانت المستهدف الأول، بل امتد إلى الطائفة الشيعية، من خلال قتل شيوخها الرافضين الولاء لإيران، وعدم إنصاف محافظاتهم من ناحية الخدمات والبنية التحتية".

* فوجئ العالم بما حدث في العراق بين ليلة وضحاها. ماذا حدث، وكيف سقطت القوات الحكومية بهذه السرعة؟

ــ ما يحدث في العراق ثورة. ثورة لم تبدأ قبل أيام، ويراها الكثيرون لغزاً لأنهم لا يدركون المقدمات التي أوصلتها إلى ما نراه اليوم، فالثورة المسلحة ضد حكومة المالكي بدأت عقب انطلاق تظاهرات 25 فبراير/ شباط 2011، وهي التظاهرات التي عمت 16 محافظة من أصل 18 لمواجهة السياسات الطائفية والاقصائية، التي انتهجتها الحكومة في التعامل مع الشعب العراقي. الحكومة واجهت التظاهرات بالعنف والقمع، والإعلام عاملها بالتهميش وعدم الاهتمام، لكنها بقيت مستمرة، ووجّهت ضربات لقوات المالكي خلال الفترة الماضية، وهو ما يبرر اليوم سرعة اندحار قواته، كما سهّل في سرعة اندحارها، غياب العقيدة الوطنية للقوات التي تم تأسيسها تحت مسمى جيش عراقي.

* هناك مَن حلّل الأحداث في سياق محاولة المالكي الحصول على ولاية حكومية ثالثة تحت شرعية محاربة إرهاب تنظيم "داعش". كيف تردون على ذلك؟

- كان يمكن قبول هذا التحليل، قبل الانهيار الكامل لقوات المالكي. لقد رصدنا رغبة إيرانية جامحة للتجديد للمالكي لولاية ثالثة، فيما كانت أميركا تفضّل بديلاً له لتلافي حالة الغليان، وهم الذين تهمهم المصالح أكثر من الاشخاص. أما أن المالكي خطط لكل ما حدث للاستحواذ على ولاية ثالثة، فهو أمر غير منطقي، بحكم الخسائر المتلاحقة والمتوقعة التي لحقت به.

* ما هي خريطة القوى المنخرطة في الثورة، وما هو وزن تنظيم "داعش" بينها؟

- يوجد أربعة قوى تقود الثورة حالياً، هي: ثوار العشائر، وهم مستقلون، دفعهم الشعور بالظلم الواقع عليهم من النظام إلى الانخراط بالثورة، هدفهم الدفاع عن أنفسهم، ورفض الاهانة التي لحقت بهم من دون مراعاة للأعراف العشائرية التي تحكم العراق. وثاني تلك القوى هي فصائل المقاومة العراقية الكبرى على غرار "جيش الراشدين"، و"جيش التابعين"، و"كتائب ثوار العشرين"، و"جيش محمد الفاتح"، وغيرها... وهي فصائل قاومت الاحتلال الأميركي، وبعد خروجه توقف نشاطها خوفاً من أن يقتل العراقي أخيه العراقي، ولإعطاء فرصة لإصلاح الأمر من دون قتال، لكنهم عادوا بعدما تأكد لهم أن المالكي ليس صاحب أجندة وتوجهات عراقية، بل هو مرتبط بأميركا وإيران، وتعتبر هذه الفصائل القوى الأكبر في الثورة اليوم.
وثالث القوى هي المجلس العسكري لثوار العراق، تأسس أثناء أحداث الأنبار، وأصبح ممثلاً في العديد من المحافظات العراقية، وينشط فيه ضباط مستقلون خدموا في الجيش العراقي السابق. وآخر القوى هو، بالطبع، تنظيم داعش، الذي دخل في ذروة معركة الموصل، لكنه دخل بعدد قليل من المقاتلين لا يزيد عن 500 عنصر و120 سيارة. لكن جرى تضخيم قوة التنظيم إعلامياً، وتقديمه كأنه اللاعب الوحيد أو الاساسي في ما يجري حالياً وذلك لأهداف غير بريئة.

* أين حزب "البعث" من خريطة القوى المشاركة في الثورة؟

- ضمن القطاعات القتالية، لا يوجد شيء أسمه حزب "البعث". وإذا كانوا يقاتلون تحت اسم آخر، فهذا بحث آخر، لكن لا يوجد تنظيمات بعثية تقاتل باسمها، والبعثيون لم يتفاعلوا مع الثورة سوى إعلامياً، لكنهم يروجون أحياناً لوجودهم على اعتبار أن ضباط الجيش العراقي السابق المنخرطون بالمقاومة، كانوا بعثيين.

* هل يمكن وصف ما يشهده العراق اليوم بـ"الثورة السنية"؟

- ما يحدث اليوم ثورة عراقية. ثورة شعب بأكمله، وعلى الرغم من أن الثورة بدأت في المحافظات الستة ذات الغالبية السنية (الأنبار، نينوى وصلاح الدين، وكركوك، وديالى، وبغداد)، فلا يوجد من الثوار أو الفصائل المقاتلة، باستثناء "داعش"، مَن يقول إنها ثورة سنية. يمكن وصف الأمر بشكل أكثر دقة بـ"ثورة عراقية بثقل سني"، ذلك أن أسباب الثورة موجودة لدى الشيعة في محافظات الجنوب، فهم متضررون من سياسيات المالكي، بل ومستهدفون، إذ يُقتل شيوخ الشيعة الرافضين الولاء لإيران، ويدافعون عن عروبتهم. وبالتالي فنحن نعيش ثورة شعب غرضها تحرير العراق من الهيمنة الإيرانية، وليس الهدف تحرير مناطق السنة.

* كيف ستتعاملون مع فتوى المرجعيات الشيعية المناهضة لما يحصل؟

- توجد لدينا مشكلة قديمة في خطاب المرجعيات الشيعية، وتلك الفتاوى هي التي جعلت المشاركة الشيعية ضعيفة جداً في مقاومة الاحتلال الأميركي، عندما لم تفتِ بالجهاد ضد القوات الأميركية. يومها، لم تكن موفّقة في منع أهلنا في الجنوب من المقاومة، وهم المشهورون فيها أيام الاحتلال البريطاني، وها هي اليوم تفتي بالنفير لمقاومة الثورة، وهذا أمر متناقض سيسجله التاريخ في حق المرجعيات الشيعية. نحن، احتراماً لشعبنا في الجنوب، نتجنب نقد المرجعيات حتى لا يُفهم النقد إساءة لهم، لكن الفتوى ضد بالنفير، ضد الثورة تحمل في ثناياها نواة للحرب الأهلية التي لا نتمناها.
نظام الحكم في العراق طائفي من جهة، وغير طائفي من جهة ثانية. طائفي من حيث استحواذ الشيعة الموالين لإيران على مراكز القوى في اتخاذ القرار السياسي والعسكري والأمني، إضافة إلى أن السياسات التي تطبقها الحكومة ضد السنة. لكنه في المقابل ليس طائفياً عندما يقوم بالإضرار بالشيعة والسنة في وقت واحد. هو نظام طائفي مسيّس، لو كان طائفياً مذهبياً، لما كانت مناطق الشيعة تعيش حالة تردٍ على مستوى الخدمات أكثر ممّا تعيشه المناطق السنية.

* هل يمكن اعتبار الثورة فرصة مواتية لتمرير مخططات التقسيم، خاصة بعد تقدم الأكراد لتوسيع مناطق سيطرتهم؟

الأكراد، للآن، يقفون موقف الحياد. علمنا أن المالكي طلب مساعدتهم ورفضوا الطلب، وهو رفض فيه من الذكاء، لإدراكهم أن تورطهم مع المالكي لن يكون مضمون العواقب. في بداية الأحداث احتل الأكراد مواقع تركها الجيش، لكن الثوار ردوا بغضب وأخرجوا الأكراد من تلك المواقع، وبالضرورة على قادتهم أن يدركوا حساسية الأمر، وأن لا يستغلوا ظروف الثورة للتمدّد، فالثورة عارمة ولن تسمح باستغلالها لتمرير مخططات التقسيم. هي ثورة شعب يسعى الى تحرير بلاده لا تقسيمها.

* هل تتخوفون من تحوّل الثورة إلى حرب طائفية؟

- لدينا مخاوف من أن يرتكب المالكي حماقات لتأجيج الحس الطائفي، ونحن نتوقع ذلك منه، يوجد لدينا معلومات أن لديه نية لتفجير المرقدين في مدينة سامراء التي لا تزال لديه قوات فيها، إذا أدرك أنه لن يصمد طويلاً، وذلك حتى يتهم الثوار بالأمر ليشعل حرباً طائفية. كما نتوقع أن تقوم ميليشيات المالكي بارتكاب مجازر في بغداد لتأجيج الحس الطائفي.

ثورة يتيمة

* هل تتلقى الفصائل المسلحة دعماً من الدول العربية عسكرياً أو سياسياً؟

- كنا وما زلنا نتمنى ذلك. في فترة مقاومة الاحتلال العراقي، كنا نصف المقاومة بـ"اليتيمة"، واليوم، هي "ثورة يتيمة" حتى الآن. خلال مقاومة الاحتلال جلنا على الدول العربية طلباً للعون ولم نتلقَّ أي تجاوب، وفسّرنا الأمر حينها بعدم رغبة أي دولة في الدخول بمواجهة مع القطب الأوحد في العالم الذي يحتلنا، وبعد انسحاب القوات الأميركية توقعنا أن يحدث انفراج في الموقف العربي، وللأسف لم يحدث.
نفكر في طرق أبواب العالم العربي من جديد، طلباً لاستضافة مؤتمر للقوى العراقية، على اختلاف تنوعها الطائفي والسياسي، لنكشف حقيقة الأمر أمام العالم.

* كيف تقيّمون الموقف الأميركي ممّا يحصل؟

- الموقف الأميركي وقع في تناقضات كبيرة. اليوم نقول لأنفسنا لماذا أميركا تدعم الثورة في سورية ولا تدعمها في العراق. ولماذا دعمت الثورة التونسية عام 2011 ولم تدعم الثورة العراقية حينها. ونرى أن أميركا التي احتلت العراق، لديها مصالح مع نظام الحكم القائم فيه، كما لديها تواصل مع إيران ومفاوضات، العراق طرف فيها، وبالتالي فإن أميركا تدافع عن مصالحها لا عن مصالح الشعوب. وللآن، موقف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، المعلن والمتمثل بعدم مشاركته في قوات لدعم المالكي جيّد، إذ يحمّل المالكي مسؤولية ما يجري، لكن حديث أوباما عن وجود خيارات يجعلنا نخشى أن يقف وقفة مفاجئة، خاصة بعدما حركت أميركا أكبر سفنها الحربية إلى الخليج العربي.

* كيف تنظرون إلى مستقبل ما يحصل في ظل الحديث عن احتمالات تدخل إيراني عسكري؟

- نحن متفائلون، ونحن نقترب أكثر من معركة بغداد التي ندرك أنها ستكون شرسة على اعتبارها المعقل الأخير لإيران، وليس للمالكي، ويدرك الثوار ضرورة دخول بغداد لقناعتهم بأن عدم دخولها سيجعل جهودهم، خلال السنوات الماضية، تذهب أدراج الرياح.

لدينا معلومات أن إيران بدأت بإرسال قواتها لمواجهة الثورة، رغم نفيها ذلك، فإيران تعرف جيداً كيف تدخل قواتها إلى العراق، ونعلم جيداً أنها محرجة من الثورة، ولن تتنازل بسهولة، وهي التي كانت تستخدم العراق كورقة ضغط في مفاوضاتها النووية، وهي الورقة التي توشك على خسارتها، لكن ندرك أن الشعوب هي مَن ينتصر في النهاية.

* ما هو مستقبل العراق الذي تريدون حال نجاح الثورة؟

- نريد دولة مدنية تعددية تمثل جميع أطياف الشعب العراقي، وتعتمد التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات عادلة نزيهة بعيداً عن التدخلات الخارجية. دولة تمتلك جيشاً مهنياً يقف على مسافة واحدة من الجميع، وهذا المشروع ليس مشروعنا وحدنا، بل هو مشروع أكثر من 90 في المئة من الثوار اليوم.

المساهمون