"داعش" يُبيد رجال عشيرة البونمر العراقية

03 نوفمبر 2014
عشيرة البونمر قاومت "داعش" لمدة أسبوعين (علي الميسداني/الأناضول)
+ الخط -

يسعى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إلى منع أية مقاومة له خلال تقدّمه في العراق، وهو ينتقم من كل من يقف في وجهه ومن يرفض إعلان البيعة له، كما حصل مع عشيرة البونمر العراقية، والتي لم تسلم حتى نساؤها من الإعدام.

فقد أعلن مسؤولون عراقيون، أمس الأحد، أن عدد ضحايا حملات الإعدام، التي نفذها "داعش" في مدينة هيت وناحية الفرات (70 كيلومتراً غربي الأنبار)، ارتفع إلى 252 شخصاً، جميعهم من عشيرة البونمر، المناهضة للتنظيم، وذلك بعد العثور على جثث جديدة في بئر مهجور.

كما أكدت مفوضية حقوق الإنسان العراقية أن "داعش" شرّد أسر الضحايا، وطردهم من منازلهم بعد الحكم عليهم، من قبل قاضي "داعش" الشرعي، بالنفي إلى الصحراء الغربية القريبة من الأردن.

ويكشف رئيس مجلس محافظة الأنبار، صباح الكرحوت، في حديث مع"العربي الجديد"، أن "التنظيم الإرهابي قتل كل الرجال، الذين صادفهم في طريقه، خلال اقتحامه البلدتين"، مشيراً الى أن "هناك ضحايا أُعدموا وهم تحت سن الثامنة عشرة".

ويشير الكرحوت الى أن "داعش غدر بالعشيرة، التي ظلّت تقاوم على مدار أسبوعين، رافضة سيطرته على مناطق تواجدها، لكن سيل الانتحاريين والصواريخ أدى إلى انهيار قوات العشيرة، ودخول عناصر داعش البلدة وانتقامهم من الجميع بلا استثناء، مقاتلين ومدنيين وحتى كبار السن".

ويلفت الى أن "أغلب الذكور قُتلوا، ولم يتبقّ سوى النساء والأطفال الصغار جداً"، مضيفاً أن "ما لا يقل عن 20 طفلاً، بعضهم رُضع، توفوا نتيجة فرارهم واشتداد البرد والمطر عليهم وهم في العراء".

وكانت الحكومة المحلية في محافظة الأنبار قد أعلنت الحداد العام في عموم مدن المحافظة، الخاضعة لسيطرتها، ولمدة ثلاثة أيام على خلفية المجزرة.

ويكشف زعيم عشيرة البونمر الشيخ نعيم الكعود، المتواجد حالياً في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن "داعش اقتاد العشرات من الرجال من منازلهم ووزّعهم على ثلاث مجموعات في مدينة الألعاب وقرب النهر وداخل سوق شعبي، وقام بإعدامهم رمياً بالرصاص". ويلفت الى أن آخرين "تمكنوا من النجاة من المجزرة، وتحدثوا عن جرائم بشعة وتمثيل بالجثث وسرقة مواش وممتلكات أبناء العشيرة وطرد العوائل من منازلها، ضمن حكم النفي، الذي نفذته في أبناء عشيرة البونمر".

ويعلن الكعود أن "عدد ضحايا أبناء العشيرة بلغ 252 شخصاً، بينهم 34 تحت سن الثامنة عشرة، وست نساء قضين في تلك المجزرة لاعتبارهن من المقاتلات في العشيرة". ويقول الكعود إن "علاقتنا مع داعش لم تكن طيبة في يوم من الأيام، واتفقنا في مجلس القبيلة على محاربته حتى النهاية، وطلبنا دعم قوات الأمن، لكنها لم تصل، كما طلبنا دعم طائرات التحالف الدولي فتخلت عنا"، كاشفاً عن أن "داعش لجأ أخيراً إلى أخذ البيعة بالقوة من العشائر، وفي حال الرفض يكون الإعدام الجماعي مصير العشيرة".

وكان تنظيم "داعش" قد حكم بالردة على عشيرة البونمر بشكل كامل، مع عشائر أخرى رفضت مبايعته وقررت قتاله ومنعه من التوغل في مناطق تواجدها، الأمر الذي أثار خلافات واسعة داخل التنظيم، وفقاً لمصادر محلية، بسبب الحكم الشمولي على جميع أبناء العشيرة بالقتل.

وأظهر شريط مصور، بثّه "داعش"، صور العشرات من أبناء العشيرة الذين أُعدموا، وسط شارع عام في مدينة هيت، فيما بث تسجيلاً آخر عما وصفه مصادرة ممتلكات العشيرة وتوزيعها على الفقراء، على حد زعمه.

من جهته، يوضح قائد شرطة الأنبار، اللواء كاظم أبو كف، أن "عمليات البحث لا تزال جارية عن ضحايا جدد، إذ وزع التنظيم الإرهابي جثث الضحايا في مناطق مختلفة لحرصه على مشاهدة الجميع جريمته".

ويلفت، في حديث مع "العربي الجديد"، الى أن "نهر الفرات غصّ بجثث الضحايا"، معلناً "أننا تلقينا أوامر لبدء التحضير لهجوم واسع على مدينة هيت وناحية الزوية لاستردادهما، وإنقاذ العوائل المتبقية فيهما".

ويوضح أبو كف أن "داعش يتعمّد القيام بالإعدام الجماعي لإخافة الآخرين وبث الرعب في نفوسهم، من دون أن يعلم أن تلك الخطة قلبت شعب الأنبار عليه، وقد نرى رد فعل قوياً من العشائر المتحالفة مع البونمر في الأيام المقبلة".

وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قد أدان، في بيان له، الجريمة، واصفاً إياها بالمجزرة المقززة.

وتعهّد العبادي "بالرد بقوة وحزم على جريمة (داعش) ضد أبناء عشيرة البونمر، التي جاءت للتغطية على هزائمه المتكررة في مناطق مختلفة من العراق"، معتبراً أن "الجريمة تُعبّر عن حقيقة هذا التنظيم الإرهابي".

أما المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان، فرأت أن إعدام رجال عشيرة البونمر إبادة جماعية. وقال نائب رئيس المفوضية، سلام أحمد، إن "الجريمة تثبت أن (داعش) لا يمثّل السنّة، بل استغل ظروف مدنهم السياسية والغليان الشعبي من أداء حكومة نوري المالكي".

وأضاف أحمد في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذا التنظيم له قدرة على قتل أي أحد يقف في طريق حلمه التوسعي"، معتبراً "أن جريمة البونمر غيّرت مواقف الكثير من العشائر السنّية إزاء داعش، وهي نقطة تحوّل كبيرة من الموقف المتفرج إلى الفاعل المحارب".

أما رئيس رابطة علماء وخطباء الأنبار، الشيخ عبد الله العبيدي، فطالب مساجد المحافظة باستقبال أسر عشيرة البونمر وإيوائها داخل المساجد. وقال العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "داعش لن يتوقف عند هذه العشيرة"، واصفاً فعله "بالمخالف والمقزز"، معتبراً أنه "لا ينبغي أن تُنسب تلك الحفنة المجرمة إلى الإسلام، فهذا التنظيم سرق الدين منا، كما سرق حراك العشائر مطلع العام الحالي وحوّله إلى إرهاب".

المساهمون