قرر القضاء التونسي، أمس الأربعاء، إحالة 19 شخصية سياسية، منها رؤساء أحزاب وحكومات ووزراء ونواب، على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية في تونس من أجل "جرائم انتخابات"، دون أن تشمل الرئيس التونسي قيس سعيّد، رغم وجود مخالفات انتخابية في حقه.
وكشف مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية في تونس، أنه "تقررت إحالة 19 شخصاً على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس، من أجل جرائم انتخابية، بعد إتمام الاستقراءات والأبحاث".
وأوضح المكتب، في بلاغ، أنّ "القرار تم إثر إحالة وكيل الدولة العام لدى محكمة المحاسبات على النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس، أفعالاً من شأنها أن تشكل جرائم انتخابية، وذلك عملاً بأحكام الفصل 24 من القانون الأساسي، عدد 41 لسنة 2019، المتعلق بمحكمة المحاسبات".
وذكر البلاغ أنّ الأشخاص المحالين على المجلس الجناحي بمحكمة تونس، هم تباعاً رئيس حزب "قلب تونس" ورجل الأعمال الموجود بالخارج نبيل القروي، ورئيس الحكومة السابق ورئيس حزب "تحيا تونس" يوسف الشاهد المتواجد بدوره خارج البلاد، ووزير الدفاع السابق عبد الكريم زبيدي، وزعيم حزب "النهضة" ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، ورئيس حزب "الوطن الجديد" ورجل الأعمال الموجود في الخارج سليم الرياحي، وعضو مجلس الشعب المعلقة أشغاله أحمد الصافي سعيد، ورئيس الحكومة السابق والقيادي السابق في "النهضة" حمادي الجبالي.
وشملت القائمة أيضاً كلاً من زعيم حزب "العمال" حمة الهمامي، والرئيسة السابقة لحزب "الأمل" ومديرة ديوان الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، سلمى اللومي، والمهندس في الاقتصاد محمد الصغير النوري، والرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي الموجود في الخارج، ووزير التعليم السابق ورئيس حزب "الائتلاف الوطني" ناجي جلول، والرئيس السابق لحزب "تيار المحبة" وصاحب قناة "المستقلة" محمد الهاشمي الحامدي، ورئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ، ورئيس حزب "البديل" ورئيس الحكومة السابق مهدي جمعة، وعضو مجلس الشعب والقيادي في حزب "الوطد اليساري" منجي الرحوي، ورئيس حزب "الاتحاد الشعبي الجمهوري" لطفي المرايحي، ورئيس حزب "بني وطني" سعيد العايدي، وربيعة بن عمارة.
وأضاف البلاغ أنه "تمّ اتخاذ قرار الإحالة على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس من أجل ارتكاب جرائم مخالفة تحجير الإشهار السياسي والانتفاع بدعاية غير مشروعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي طبق الفصول 57 و69 و154 و155 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26/05/2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء".
وذكر البلاغ أنه "تعذرت إحالة غيرهم على المحكمة لأسباب تتعلق ببعض الإجراءات الخاصة بإثارة الدعوى العمومية المرتبطة بصفة المخالف واستكمال بعض الأبحاث".
ماذا عن الرئيس قيس سعيّد؟
وأوضح أستاذ القانون والمحامي، رابح الخرايفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، أنّ "العقوبات المترتبة على الإحالة على المجلس الجناحي كما ورد في بيان المحكمة تحيل إلى عقوبات مالية وليس عقوبات سجنية سالبة للحرية"، مشيراً إلى أنه "انطلاقاً من فصول التتبع فإنّ الجنح الانتخابية ستترتب عليها غرامات مالية للمخالفين".
وحول ما أثاره معارضو الرئيس التونسي؛ بسبب عدم إحالة ملفه على المجلس الجناحي لوجود مخالفات في حقه في تقرير محكمة المحاسبات، بيّن الخرايفي أنّ المحكمة "أعادت ذلك إلى تعارض الإجراءات مع صفة الرئيس".
وفسّر ذلك بالقول: "الإحالة ضد رئيس الجمهورية سيرجأ النظر فيها (إذا تم فتح البحث)، لأنه وفق الفصل 87 من الدستور فهو متمتع بالحصانة ولا يمكن مباشرة أي دعوى أو شكوى ضده إلا بعد رفع الحصانة أو إعلانه أنه متخلٍّ عنها طواعية".
وأضاف أنّ "للمحامين أيضاً إجراءات خاصة في الإحالة والتتبع تمر عبر الوكيل العام، وهو ما يفسّر عدم ذكر المترشح المحامي عبد الفتاح مورو (نائب الرئيس السابق للبرلمان)".
وأشار الخرايفي إلى أنّ "هذا التتبع شمل كامل الطبقة السياسية في تونس تقريباً"، مشيراً إلى أنه "حتى وإن اقتصرت العقوبات على الغرامات المالية فعندما تصبح الأحكام باتة ونهائية يمكن أن يستعملها الرئيس سعيّد لإبعادهم من المشهد القادم".
الحصانة الرئاسية
وبيّن أنّ "هذه الأحكام سيتم تسجيلها في بطاقات السوابق العدلية، وستتحول إلى موانع انتخابية من خلال تضمينها في القانون الانتخابي القادم، وبالتالي هذا ما يبحث عنه سعيّد لإخراجهم من الانتخابات 2024".
وقال المحامي حسني الباجي، في تدوينة على حسابه بموقع "فيسبوك"، تعليقاً على عبارة "صفة المخالف" الواردة في بلاغ المحكمة: "المفهوم من معرض جواب النيابة أنّ حاكم قرطاج مشمول بالإحالة على القضاء، لكن صفة المخالف كرئيس دولة تمنع محاكمته مثل بقية المحالين، وهذا لعمري خطأ لأن الأفعال المنسوبة له سابقة عن الوظيفة، وثانيا هي أفعال ليست من علائق الوظيفة وما التعلل بالحصانة إلا اجتهاد مخالف لروح ومفهوم الحصانة الوظيفية".
وبيّن القيادي في حزب "قلب تونس"، رفيق عمارة، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أنه "على جميع الأطراف احترام عمل القضاء والامتثال لأعماله لأنه دليل على احترام بقية السلطات لقراراته ودليل على استقلاليته".
وتابع أنّ "ما لم يذكره البلاغ هو الشخصية رقم 20، صاحبة الصفة المخالفة التي تحُول الإجراءات دون تتبعها وإحالتها مع بقية الشخصيات الأخرى على المجلس الجناحي".
وأضاف أنّ "الرقم 20 غير المذكور في البلاغ هو من حرص في كل خطاباته على اختصار آجال التقاضي وضغط حتى يُفعل تقرير محكمة المحاسبات ويتم تتبع المخالفين من المترشحين قبل نهاية ولايتهم، وحتى يحرموا من مناصبهم، مصوّباً سهامه على النواب، غير أنّ التقرير لم يشمل المخالفات التشريعية فقط بل شمل الرئاسيات ومخالفاتها فهل يعطي المثال ويواجه القضاء والعدالة؟".
وعلّق عضو تنفيذية مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، الأمين البوعزيزي، قائلاً إنّ "النظيف لا يهرب من وجه العدالة محتمياً بقانون الحصانة، والذي "يطالب بقيام القضاء بأدواره يخضع لقانون المساواة أمام القضاء ولا يختبئ وراء الحصانة".
وختم البوعزيزي على صفحته بـ"فيسبوك": "ألم نقل إن مشهد الدبابة تسد باب البرلمان المنتخب وضعه خارج مربع السياسة، ومشهد الإسعاف الذي يقل مناضلاً سياسياً مضرباً عن الطعام في عمر الـ 78 عاماً وضعه خارج مربع الأخلاق. وها هو احتماؤه بالحصانة هروباً من العدالة يجعله خارجاً عن القانون ومجرداً من الشجاعة المزعومة".
ودعا النائب عن حزب "النهضة" البشير الخليفي، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، الرئيس التونسي إلى "التخلّي عن الحصانة والمثول أمام القضاء على غرار المترشحين للانتخابات الأخيرة، وذلك بعد بلاغ النيابة العمومية الذي أعلنت من خلاله إحالة عدّة شخصيات من أجل مخالفات انتخابية بناء على تقرير محكمة المحاسبات مع الإشارة إلى تعذر إحالة غيرهم بسبب تمتعهم بالحصانة"، مشيراً إلى أنه "لم يبق متمتعاً بالحصانة إلا رئيس الجمهورية بعدما نزعها الرئيس عن النواب".
وطالب الخليفي في تدوينته "سعيّد بالتخلي عن الحصانة والوقوف مع بقية المرشحين للانتخابات السابقة"، مذكّراً بأنّ "العقوبات مالية أقصاها 20 ألف دينار وهي أقلّ من الراتب الشهري لرئيس الجمهورية".
وعلّقت اللجنة القانونية لحركة "تحيا تونس" على خبر إحالة رئيس الحزب يوسف الشاهد على أنظار الدائرة الجناحية بشبهة الإشهار السياسي بناء على تقرير دائرة المحاسبات الخاص بالانتخابات الرئاسية 2019.
وأوضحت اللجنة، في بيان لها، أنّ شبهة الإشهار السياسي التي ذكرها تقرير المحاسبات حول الحملة، "تتمثل في بث قناة تلفزية لفعاليات اجتماع سوسة بتاريخ 8 سبتمبر/أيلول 2019 دون إذن من الممثلين الرسميين للحملة، وهو ما اعتبره تقرير المحاسبات إشهاراً سياسياً".
وشددت على أنّ هذه الشبهة "لا تعتبر جريمة انتخابية كالتمويل الخارجي أو "اللوبيينغ" بل جنحة تتراوح عقوبتها، إن ثبتت، بين 5 آلاف و10 آلاف دينار، حسب الفصل 154 من القانون الانتخابي، إضافة إلى عدم مسؤولية الشاهد عن البث التلفزي المذكور".