يوافق اليوم الخميس، 15 أكتوبر/تشرين الأول، مرور 15 سنة على الاستفتاء الشعبي على الدستور العراقي النافذ حالياً في البلاد، والذي كتبته لجنة موسعة استمر عملها عدة أشهر، ورشحت أعضاءها أحزاب سياسية نافذة، بدعم أميركي وبعثة الأمم المتحدة في العراق، لم تكن بعيدة عن صورة المحاصصة الطائفية لجهة تكوين عدد الأعضاء، وبدا ذلك واضحاً أيضاً في بعض بنوده المكتوبة.
وشهدت عملية الاستفتاء، التي استمرت نحو 12 ساعة بمثل هذا اليوم في 2005، مقاطعة واسعة من العرب السنّة، لأسباب كشفت عنها زعامات سياسية في حينها، وقالت إنها تأتي للتحفظ على عدد كبير من بنوده. كما تزامن عرض الدستور على الاستفتاء مع معارك وعمليات عسكرية واسعة في مناطق شمال وغربي البلاد ضد القوات الأميركية آنذاك، رافقتها دعوات وتهديد تنظيم "القاعدة" للمواطنين الذين يشاركون في الاستفتاء، فيما وفرت القوات الأميركية الحماية لمراكز الاقتراع في عموم مدن البلاد، إلى جانب قوات الحرس الوطني العراقية حينها، عدا البصرة التي كانت تحت سيطرة القوات البريطانية وقتها، والتي أمنت عملية الاقتراع فيها بالمشاركة مع قوات الأمن العراقية أيضاً.
يطالب الناشطون والمتظاهرون برفع أي إشارة تعزز الانقسام الطائفي والمذهبي
وفي نهاية المطاف أقر الدستور عام 2005 بموافقة 78 في المائة من المصوّتين، ببنود وفقرات ما زالت مثيرة للجدل، تبدأ من ديباجة الدستور الأولى التي استبدلت عبارة أن العراق دولة عربية، والموجودة منذ العهد الملكي مطلع القرن الماضي، إلى العراق دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب وعضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية، مروراً بمادة المناطق المتنازع عليها. كما تم ذكر وترسيخ مفردة المكونات التي أسست للمحاصصة الطائفية في العراق، وانتهاء بقانون البرلمان والنظام الفيدرالي الذي أعطى الحق لأي محافظة، أو عدة محافظات مجتمعة، في اختيار الذهاب نحو إقليم مستقل إدارياً على غرار إقليم كردستان.
وخلال الفترة التي تلت التصويت على الدستور، تقرر تشكيل لجنة تتولّى مهمة تقديم قائمة بالتعديلات عليه، لكنها لم تتمكن حينها من تقديم أي مقترح بسبب الخلافات السياسية العميقة داخلها، ووضع الكتل السياسية الكردية فقرة داخل الدستور تعطي فيتو لرفض أي تعديل لا توافق عليه ثلاث محافظات عراقية، وهي بعدد محافظات إقليم كردستان. إلا أن رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي كان قد قرر، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تشكيل لجنة لتعديل الدستور على خلفية تصاعد الاحتجاجات الشعبية، على أن تنهي عملها وتقدم توصياتها إلى المجلس خلال أربعة أشهر، انقضت في 28 فبراير/شباط الماضي. ولكن على الرغم من ذلك لم تتحقق أي نتائج إيجابية.
ويرى مراقبون أن الدستور العراقي، الذي كان من المفترض أن ينقذ البلاد بعد إسقاط نظام صدام حسين، لم يكن إلا سبباً بمزيد من الخلافات بين القوى السياسية. ولعل أبرز المواد الخلافية في الدستور مثل نوع نظام الحكم، وإمكانية تحويله من برلماني إلى رئاسي، وكذلك المادة 76 المتعلقة بالكتلة البرلمانية الكبرى التي من حقّها ترشيح رئيس الوزراء، والمادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
تم ذكر وترسيخ مفردة المكونات التي أسست للمحاصصة الطائفية في العراق
ويطالب الناشطون والمتظاهرون اليوم بتسوية المواد الخلافية، ورفع أي إشارة تعزز الانقسام الطائفي والمذهبي، أو تغير من جغرافية البلاد الداخلية، إضافة إلى تعديلات تتعلق بعدد أعضاء مجلس النواب، معتبرين إياها مصدراً من مصادر ضياع الأموال العراقية، ولا سيما أن لكل برلماني سبعة عناصر حماية وبدلات إيجار إضافة إلى تخصيص سيارات ومكاتب، تستهلك سنوياً عشرات الملايين من الدولارات. مع العلم أن الدستور العراقي جعل عدد أعضاء البرلمان قابلاً للزيادة مع زيادة عدد السكان، إذ فرض وجود نائب عن كل 100 ألف نسمة، ونتيجة لذلك ارتفع عدد أعضاء مجلس النواب من 275 في أول انتخابات أجريت عام 2005، إلى 329 في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/أيار 2018.
وحددت لجنة التعديلات الدستورية في البرلمان العراقي، أخيراً، النقاط الخلافية في الدستور. وقال عضو اللجنة النائب يونادم كنا إن "نقاط الخلاف في الدستور تتمثل في الباب الأول، وهي المادة 140، وكذلك حول طبيعة النظام السياسي، جمهورياً كان أم رئاسياً أم برلمانياً. ومن نقاط الخلاف المهمة الأخرى كيفية تشكيل الحكومة، وهل الكتلة البرلمانية الأكبر أم القائمة الفائزة التي تشكل الحكومة؟". وأضاف، في تصريحٍ صحافي، "تتمثل نقاط الخلاف أيضاً في الباب الثاني والخاص بالحقوق والحريات، وأن هناك 23 مادة خاصة بالحقوق و10 مواد خاصة بالحريات. أما الباب الثالث، فيتمثل بمنح المواطن العيش الكريم وتوفير الخدمات الأساسية، كالسكن والتعليم والصحة والرعاية وغيرها، وهذه الخدمات غير متوفرة للمواطن بالرغم من وجودها في الدستور". وفيما يتعلق بالمادة 140، قال إنها من "المواد التي تعد نقطة الخلاف الرئيسة بين بغداد وأربيل، وأن هناك اجتماعاً سيعقد قريباً بين الكتل السياسية والمراجع السياسية للأكراد ولجنة التعديلات الدستورية للخروج بصيغة نهائية حول المادة 140 لكي ترضي جميع الأطراف".
اللجنة التي أعلن عن تشكيلها العام الماضي ليست بمستوى طموح العراقيين
وفي السياق، قال وائل عبد اللطيف، وهو واحد من أعضاء لجنة كتابة الدستور، إن "العراق لديه أهم دستور في الوطن العربي، لجهة الاهتمام بحقوق الإنسان واللامركزية الإدارية بكل مستوياتها، بناءً على رغبة الشعب، إضافة إلى القوانين المرتبطة بالمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والفدرالية واعتراف بإقليم كردستان وسلطاته وقوانينه، وأيضاً بالإدارات المحلية ومراعاة الأقليات والحكم الذاتي، ناهيك عن الثروات ومسائل كثيرة. ولكن بطبيعة الحال لا يوجد دستور متكامل في كل العالم، والدستور العراقي تعرض إلى قدح كبير من بعض الأحزاب والكيانات السياسية، وبعضها لم يقرأ الدستور أصلاً".
ولفت عبد اللطيف، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "عدم تطبيق مواد الدستور والدخول بصراعات في العراق، ليس سببه الدستور، بل العيب في القوى السياسية الكردية بالدرجة الأساس، ومن ثم القوى السياسية العراقية، لأن الأكراد يريدون من الأرض العراقية ما يشاؤون وعلى مزاجهم بالاعتماد على المادة 140، مع العلم أن هذه المادة كانت لكل العراق، ولكن الأحزاب الكردية خصصتها للمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل". وأوضح أن "الدستور العراقي بحاجة حالياً إلى تعديل 15 مادة منه، ولن يؤثر هذا التعديل على شرعية الدستور، بل هي استكمال لتطبيقه، ومنها الإيمان بالأمة العربية، ومنع العمل بقوانين الأحوال الشخصية التي تصنف العراقي على أنه إما شيعي أو سني، إضافة إلى قانون النفط والغاز، وبعض صلاحيات رئيس الجمهورية، إضافة إلى تعديلات لغوية في الدستور".
لكن عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني" عماد باجلان قال، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومات العراقية، والأحزاب الشيعية تحديداً، مارست الانتقائية في تطبيق وتفسير وفهم الدستور. والخلل ليس في الدستور نفسه، فهي تتعامل بجدية ومصلحة بالمواد التي تخدمها وتنظمها بقوانين، ولكن تُهمل النصوص التي تتحدث عن الملف الكردي أو المناطق السنية، ولذلك يعاني العراق من أزمات ومشاكل سياسية منذ 15 عاماً". وأضاف أن "أبرز المشاكل العالقة في العراق هي التفاهم مع إقليم كردستان، وتحديداً ما يتعلق بصيغة المادة 140 من الدستور، التي تتحدث عن حقوق الأكراد من حيث الاستحقاقات والتطبيع". ولفت إلى أن "أكثر الأمثلة وضوحاً على الانتقائية للأحزاب الشيعية في التعامل مع مواد الدستور، هو إقرار قانون الحشد الشعبي من دون إقرار قانون البشمركة، مع العلم أن القوة الأخيرة تمثل حارساً للمناطق الشمالية، ولكن هناك جهات في بغداد لا تريد أن ينعم الأكراد بحقوقهم. كما أن هناك شخصيات، وعلى الرغم من إسقاط صدام حسين منذ 17 عاماً، لم تتمكن من فهم العراق الفدرالي الاتحادي اللامركزي. وكثير من المسؤولين والبرلمانيين عملوا على عرقلة هذه المادة والحيلولة دون تطبيقها".
ويعيب ناشطون عراقيون على لجنة تعديل الدستور بأنها تمثل خرقاً إضافياً في العراق، كونها تعتمد على المحاصصة الطائفية والحزبية. وقال الناشط السياسي وعضو الحزب الشيوعي العراقي أيهم رشاد، لـ"العربي الجديد"، إن "المتظاهرين في العراق يطالبون بتعديلات ليست صعبة على الحكومة والبرلمان، لكنها تحتاج إلى إرادة وإيمان برغبة الشارع المنتفض وكفاحه في سبيل تحقيق التغيير، ومن ضمنها تنظيم العلاقة بين أربيل وبغداد، إضافة إلى تقليل عدد البرلمانيين، لأن أكثر من نصف عددهم الحالي فائض عن الحاجة، وليس لهم أي أهمية أو تأثير على أي مستوى". ورأى أن "اللجنة التي أعلن عن تشكيلها العام الماضي، ليست بمستوى طموح العراقيين، لأن الأحزاب أسستها واختارت أعضاءها وفقاً لمصالح هذه الأحزاب، من دون الاعتماد على الخبراء والمختصين وأساتذة الجامعات".
بدوره، رأى الخبير القانوني علي التميمي أن "الدستور العراقي يعتبر من الدساتير الجامدة، إذ لا يمكن إجراء تعديلات على نصوصه إلا بإجراءات تأخذ توقيتات طويلة. كما أن التعديلات لا بد أن تحصل على الأغلبية المطلقة من أصوات البرلمان". وأضاف، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "من المواد التي تحتاج إلى تعديل ضمن الدستور، تلك المرتبطة بشكل النظام السياسي، لأن جهات سياسية ترى أن هناك حاجة للعودة إلى النظام الرئاسي، إضافة إلى إنهاء الجدل حول المادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، ناهيك عن المادة 73 من الدستور المتعلقة بصلاحيات رئيس الحكومة".