نزلَ المنتفضون الى الساحات في مختلف المناطق اللبنانية تضامناً مع عاصمة الشمال طرابلس، التي تشهد، منذ ليل أمس الاثنين، وحتى الساعة، مواجهات بين الجيش اللبناني والمعتصمين، والتي ارتفعت حدّتها ظهر اليوم الثلاثاء، بعد تشييع الشاب العشريني فواز فؤاد السمّان، الذي سقط في المواجهات التي أسفرت عن وقوع أكثر من أربعين جريحاً من الجانبين.
وتوافد الناشطون إلى جسر "الرينغ" في وسط بيروت (الذي شهد طوال انتفاضة 17 أكتوبر عمليات كرّ وفرّ بين المعتصمين والعناصر الأمنية ومواجهات عنيفة بين الطرفين)، حيث أعلنوا التضامن مع "عروس الثورة" والشاب فواز ومنتفضي الشمال الذين يتعرّضون للقمع، مؤكدين أن دماءه لن تذهب هدراً، ومردّدين شعارات تدين السياسة التي تنتهجها السلطة في لبنان والقطاع المصرفي الذي يحتجز ودائع الناس.
كما قطع عدد من المحتجين أوتوستراد الناعمة (قضاء الشوف – جبل لبنان) اعتراضاً على الغلاء الفاحش، وتجاوز سعر صرف الدولار عند الصرافين عتبة 4000 ليرة لبنانية (سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة)، وإهمال الحكومة اللبنانية لمطالب المنتفضين لناحية الإصلاحات، مقابل عجزها عن إيجاد أي مخرج للأزمات الراهنة.
وتشهد مناطق عدّة، من البقاع والجنوب وجبل لبنان، سلسلة تحرّكات شعبية ستستأنف عند الساعة التاسعة مساءً بعد الإفطار، ولا سيما أمام مصرف لبنان في الحمرا - بيروت، ومن المتوقع أن تكون المشاركة كثيفة في كلّ ساحات الحراك، حيث ستضاء الشموع على روح فواز.
ونعت فاطمة السمّان، إحدى ناشطات انتفاضة 17 أكتوبر، شقيقها بكلام مؤثر، أكدت خلاله أنّ "الثورة لن تنسى فواز". وكان جثمان السمّان قد نقل إلى منزل ذويه في ساحة الدفتردار في باب الرمل، ومن ثم إلى شارع الحرية – ساحة النور، ليوارى الثرى في مقابر باب الرمل.
وارتفعت حدّة التحرّكات ظهر اليوم، بعد انفجار الأزمة المعيشية والاجتماعية نتيجة الغلاء الفاحش، والقيود التي تضعها المصارف على ودائع اللبنانيين وصلت إلى حدّ احتجازها، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى 4000 ليرة لبنانية (سعر الصرف الرسمي 1515). وأقدم عدد من المعتصمين على إحراق فروع المصارف في طرابلس وتحطيم واجهاتها، فتدخلت عناصر الجيش برمي قنابل مسيلة للدموع من أجل تفرقة المتظاهرين الذين تراجعوا إلى ساحة التل ومستديرة الحلاب في المنطقة. وعملت عناصر الدفاع المدني على إخماد الحرائق.
Twitter Post
|
ويصرّ المنتفضون في طرابلس على أنّ تحرّكاتهم مطلبية وشعبية، أتت نتيجة الفقر الذي تشهده المناطق الشمالية وارتفاع منسوب الحرمان، في ظلّ غياب المساعدات والمبادرات من قبل الحكومة اللبنانية، وهذا ما دفعهم للنزول إلى الشارع بعدما باتوا أمام حل من اثنين، إما الوفاة من المرض أو الجوع.
واستقدم الجيش اللبناني المزيد من التعزيزات الأمنية إلى طرابلس والنقاط التي تشهد توترات، حيث يرمي المعتصمون الحجارة باتجاه العسكريين الذين يردّون بدورهم بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي.
وعلّق المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، في تغريدة على حسابه عبر "تويتر"، على أحداث طرابلس، معتبراً أنّ "هذا ليس الوقت المناسب لتبادل تصفية الحسابات أو الاعتداء على البنوك، بل إنها اللحظة التي يتعين فيها توفير الدعم الملموس للأغلبية المتزايدة من اليائسين والفقراء والجوعى من اللبنانيين في جميع أنحاء البلاد".
Twitter Post
|
وتأتي هذه التغريدة في الوقت الذي احتدت فيه التصريحات بين محورين سياسيين، الأول المتمثل بفريق رئيس الجمهورية ميشال عون، وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، و"حزب الله" وحكومة حسان دياب، وجبهة المعارضة التي يُعمَل على تشكيلها لمواجهة عهد الرئيس ميشال عون وحكومة دياب، وتضمّ رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ورئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط.
وارتفعت حدّة المواجهات على الجبهتين بعد شيوع معلومات تفيد بمحاولات لإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعد الهجوم الكبير الذي شنه دياب على الأخير، متهماً إياه بتدهور العملة الوطنية نتيجة سياساته النقدية، فأتى الرد سريعاً من جانب الحريري ببيان شديد اللهجة، حمّل رئيس الجمهورية وباسيل بشكل خاصّ مسؤولية تسيير دياب وإملاء القرارات والمواقف عليه. من جانبه، يخوض "حزب الله" بالدرجة الأولى حربه مع المصارف، انتقاماً من العقوبات الأميركية التي سهّل سلامة تنفيذها.
وتتزامن هذه التحركات مع دعوات لمجموعات مدنية في مناطق مختلفة من لبنان تدعو للنزول إلى الساحات تضامناً مع المنتفضين في طرابلس الذين يتعرّضون للقمع، واحتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي وصلت إليها البلاد، بينما المسؤولون يتفرّجون على الانهيار من دون أن يحرّكوا ساكناً. كذلك تزامنت مع جلسة عقدها مجلس الوزراء في السرايا الحكومي برئاسة دياب للبحث في إجراء تحقيقات لتحديد الحسابات التي أجريت منها تحويلات مالية، واتخاذ الإجراءات العقابية إزاء ذلك، وكذلك اتخاذ تدابير آنية وفورية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، منها البحث في مشروع قانون معجل يتعلق باسترداد التحويلات إلى الخارج، التي جرت بعد تاريخ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وقال دياب خلال الجلسة، "نحن اليوم أمام واقع جديد، واقع أن الأزمة المعيشية والاجتماعية تفاقمت بسرعة قياسية، وجزء منها بفعل فاعل، خصوصاً مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء إلى مستويات قياسية"، لافتاً إلى أنّ "النقاش في أسباب ارتفاع سعر الدولار لا يحتاج إلى كثير من الخبراء، هناك عوامل موضوعية، وهناك عوامل تجارية بخلفيات سياسية، وهناك قصور في المعالجة، عن قصد أو عن عجز، لكن النتيجة أن هذا الارتفاع تسبب بزيادة الضغوط على اللبنانيين".
وأضاف "في مطلق الأحوال، فإنه من الطبيعي أن يخرج الناس إلى الشارع، وأن يفجّروا غضبهم مجدداً، كما فعلوا في انتفاضة 17 أكتوبر، خصوصاً بعدما تبيّن لهم وجود محاولات سياسية لمنع الحكومة من فتح ملفات الفساد". وأضاف "نحن نتفهّم صرخة الناس ضد السياسات التي أوصلت البلد إلى هذا الواقع الاجتماعي والمعيشي والمالي والاقتصادي، ونتفهّم المطالب الشعبية بالإصرار على محاسبة الفاسدين الذين تسببوا بحالة الانهيار، ونحن مع كل تعبير ديموقراطي، خصوصاً الذي يترجم وجع الناس، لكننا نرفض بشدّة كل المحاولات الخبيثة لتشويه هذا التعبير بحرفه عن مساره، عبر تحويله إلى حالة شغب تؤدي إلى الإساءة لهموم الناس ومطالبهم المحقة، وبالتالي الاستثمار السياسي في حالة الشغب لخدمة مطامع ومصالح وحسابات شخصية وسياسية".
وتابع "ممنوع العبث بالاستقرار الأمني، ويجب أن تكون هناك محاسبة لهؤلاء العابثين، والدولة لن تقف مكتوفة الأيدي. إن ما حصل في بعض المناطق من اعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وما تخلّله من استهداف للجيش اللبناني والاعتداء على جنوده، يؤشر إلى وجود نوايا خبيثة خلف الكواليس لهزّ الاستقرار الأمني، وهذا لعب بالنار، وسيحرق أصابع أولئك الذين يريدون الاستثمار بدماء الناس لمصالحهم، وقد سقط شاب ضحية في طرابلس، نتقدّم من ذويه بأحر التعازي. وأنا أناشد اللبنانيين الذين خرجوا ضد الفساد والفاسدين، الذين تسببوا بهذه الأزمة الخانقة، أن يقطعوا الطريق على أي محاولة لخطف ثورتهم على الفساد لاستثمارها في السياسة".