خلدت تركيا، اليوم الاثنين، الذكرى الحادية عشرة للهجوم الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة"، أبرز سفن أسطول الحرية الذي كان يستهدف فك الحصار عن قطاع غزة في 31 مايو/أيار 2010.
كان أمل الناشطين، من جنسيات مختلفة، المتجهين إلى غزة على متن ست سفن ضمن أسطول الحرية أن ترسو سفنهم في ميناء غزة، قبل أن تقتحم قوات البحرية الإسرائيلية السفينة الكبرى للأسطول "مافي مرمرة"، التي كانت تحمل على متنها 581 ناشطا معظمهم أتراك ونحو 10 آلاف طن من مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وتطلق النار الذي أسفر عن استشهاد 10 أتراك وإصابة العشرات، إلى جانب اعتقال وترحيل نشطاء آخرين.
وتكمن أهمية إحياء ذكرى "مافي مرمرة" كونها تأتي هذه المرة عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة الذي تسبب بتوتر جديد في العلاقات التركية الإسرائيلية.
القاتل واحد
وفي العاصمة أنقرة، نظمت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية "مؤتمرا صحافيا أمام السفارة الإسرائيلية. وعلى الرغم من أنه لم تكن هناك دعوة إلى تظاهرة إلا أنه تجمع عدد من المتظاهرين رافعين لافتات كتبت عليها عبارات باللغات التركية والعربية والإنكليزية، تدعو لإنهاء عمليات "الإبادة الصهيونية في فلسطين".
قيمة "مافي مرمرة" تكمن في أنها لا يزال يجري الحديث عنها على الرغم من مرور 11 عامًا
وفي المؤتمر الصحافي، قال رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية التركية في العاصمة أنقرة مصطفى سنان: "لقد ساهم الصحافيون والناشطون الذين كانوا على متن مافي مرمرة في نقل معاناة الشعب الفلسطيني في غزة للعالم أجمع، كانت إسرائيل تخشى من هذا الأمر بشكل جدي لأنها كانت تعمل على إظهار الفلسطينيين الذين قتلوا وأصيبوا في مافي مرمرة، على أنهم قتلة".
وأضاف سنان: "في تلك الأثناء، كانت رياح الحرية تهب في أوساط الرأي العام العالمي، الهجوم الشرس باستخدام القوة المفرطة أدى في الواقع إلى استنفاد عظمة إسرائيل في لحظة".
وحول العدوان الإسرائيلي الأخير على كافة الأراضي الفلسطينية، نبه سنان إلى أن جنود الاحتلال اعتدوا على مواطنين فلسطينيين كانوا يؤدون الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، في انتهاك واضح وصريح لحرية العبادة.
كذلك لفت إلى أن "القاتل الذي أزهق أرواح ضحايا مافي مرمرة هو نفسه الذي قتل أكثر من 250 شهيدا فلسطينيا في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، مشددا على أهمية مد يد العون لغزة نظرًا للأضرار التي لحقت بها".
ذكرى تأبى النسيان
ومن أبرز الأهداف الإنسانية للسفينة، بحسب ما قاله متضامنون في حينه، "كسر الحصار الإسرائيلي البري والبحري عن قطاع غزة".
وفي السياق، قالت نورسنه، ابنة علي حيدر بينجي، أحد المتضامين الذين استشهدوا على أيدي جنود الاحتلال على متن السفينة: "مرت 11 سنة على استشهاد والدي، هذا اليوم يعني لنا الكثير".
وأضافت نورسنه، لـ"العربي الجديد": "حتى لو مرت مائة سنة لن ننسى ما حدث، فلا يعرف هذا الشعور إلا من ذاقه، والفلسطينيون وأهل غزة يعانونه منذ سنوات".
وزادت: "أتذكر والدي عندما خرج من باب بيتنا وكأنه شعر بأنه لن يعود لنا فقال لأمي إني أستودعك الله، وفي حال استشهدت فأنت مؤتمنة على أبنائنا، وحينما همّ بالذهاب قال له شقيقي الصغير: أبي لا تذهب وإلا سيطلق الإسرائيليون عليك النار، فنظر إليه والدي وابتسم وقال لابنه: يا بني، أنا ذاهب لأقدم المساعدة لإخوة مثلك ليس لديهم أب، ثم انطلق".
وتابعت: "عندما علمنا أن الهجوم وقع في صباح 31 مايو / أيار، حاولنا الوصول إليه، لكننا لم نتمكن، شعرنا بالقلق ثم حصلنا على الأخبار المحزنة باستشهاده، لقد كان موقفا مؤلما بالنسبة لنا، لكن عزاءنا أنه نال ما تمنى".
ولفتت إلى أن رفاق والدها أخبروهم بأنه عندما تعرضت السفينة للهجوم، صلى على الفور وقفز نحو الجنود الإسرائيليين قائلاً الله أكبر، ومنعهم من القدوم إلى الطابق العلوي فتم قتله.
النضال سيستمر
علي أكبر ياردلمش، الذي كان على متن "مافي مرمرة" ليلة الاعتداء الإسرائيلي، جدد التأكيد على أن الذين كانوا على متن السفينة تلك الليلة لم يكونوا يتوقعون أن يتم الاعتداء عليهم بتلك القسوة.
وذكر ياردلمش أنهم تعرضوا لضغوط شديدة وعنف من قبل السلطات الإسرائيلية خلال فترة التوقيف، وأن أعضاء فريق هيئة الإغاثة التركية والناشطين الذين جرى توقيفهم يشعرون بالحزن الشديد حتى هذا اليوم لأنهم لم يستطيعوا إيصال المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة.
وأضاف في تصريح خاص لـ"العربي الجديد": "كانت سفينة مافي مرمرة تمثل الحرية، نحن نعمل لمد يد العون لجميع المظلومين، وأنا لست نادما على المشاركة في سفينة مافي مرمرة، وسأعاود المشاركة مرة أخرى دون تردد إذا ما تكررت المحاولة"، لافتًا إلى أن النضال سوف يستمر حتى يتم تحرير القدس.
العلاقات التركية الإسرائيلية
تسبب الهجوم الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" بتوتر العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وأدى إلى سحب سفير أنقرة من تل أبيب.
ولعودة العلاقات بين الجانبين، وضعت تركيا عدة شروط، وهي "ضرورة تقديم إسرائيل اعتذارا رسميا عن الحادثة، وتعويض ضحايا السفينة، ورفع الحصار عن القطاع".
وفي ذلك الوقت، لم تنفذ إسرائيل أيا من تلك الشروط، ما دفع أنقرة لتخفيض علاقاتها الرسمية مع تل أبيب إلى أدنى مستوياتها.
وفي 27 يونيو/ حزيران 2016، أعلن الجانبان التركي والإسرائيلي، توصلهما إلى اتفاق لإنهاء الأزمة بينهما.
من جهته، ذكر الكاتب والباحث التركي محرم غونيش، الذي كان على متن السفينة، لـ"العربي الجديد"، أن قيمة "مافي مرمرة" تكمن في أنها لا يزال يجري الحديث عنها على الرغم من مرور 11 عامًا، كما أنها مرتبطة بالقدس وغزة، حتى إنه لا يزال يقدم مئات الندوات كل عام حول هذه القضية.
وقال غونيش "أثناء الهجوم على السفينة، أصبت بعيار ناري في وجهي، وكسرت تسع من أسناني ثم أجريت 5 عمليات جراحية كبرى، وأحمد الله الذي حمى لساني وأحبالي الصوتية حتى أقوم بوظيفة إخبار الناس عن مافي مرمرة المتصلة بحقوق الفلسطينيين وعنجهية إسرائيل".
ولفت إلى أن "العلاقات التركية الإسرائيلية الرسمية عادت إلى التوتر بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على القدس وقطاع غزة، حيث صعدت أنقرة من انتقاداتها لتل أبيب وعبرت عن موقف داعم للفلسطينيين، لكن واشنطن ستعمل على تطبيع العلاقات من جديد مثل كل مرة".
ودعا الكاتب التركي المقرب من الحكومة إلى تنظيم أسطول سفن جديد لكسر الحصار عن غزة، كون ذلك يربك إسرائيل ويزعجها ويتسبب في فضح جرائمها، وفي المقابل يعطي الأمل لأهل غزة بالاستمرار في المقاومة.
يشار إلى أنه لا يوجد سفير إسرائيلي في أنقرة منذ أن تم طرده إبان أحداث "مسيرات العودة" في غزة في عام 2018.