اختار الكوريون الجنوبيون، أول من أمس الأربعاء، التغيير ومرشح المعارضة المتمثلة بحزب "سلطة الشعب" المحافظ، يون سوك يول، ليكون رئيساً جديداً للبلاد، لولاية واحدة تستمر خمس سنوات، خلفاً للرئيس الحالي مون جاي إن، عن الحزب الديمقراطي الليبرالي، والذي يغادر منصبه رسمياً في 10 مايو/أيار المقبل.
وبعد حملة انتخابات صاخبة، ومليئة بالمشاحنات السياسية، والهفوات، وتبادل الاتهامات والتعليقات الساخرة بين المرشحين يون سوك يول ومنافسه عن الحزب الحاكم، لي جاي ميونغ، فاز الأول بالرئاسة فيما احتفظ الديمقراطي الليبرالي بالأغلبية في البرلمان، بعدما أظهرت النتائج تقارباً شديداً في نسبة التصويت بين الرجلين.
ويعقّد ذلك من تعهد المرشح الفائز بالقضاء على الفساد، وهي مسألة كانت حاضرة بقوة في السباق الانتخابي، بالإضافة إلى تفاوت الثروات والأزمة الاقتصادية الخانقة. كما حضرت "الحرب الجندرية" التي استغلها المرشحان، وهي ظاهرة كورية جنوبية، فيما تراجع البعد الخارجي في السباق إلى مرتبة خلفية، علماً أن وصول يون إلى السلطة يأتي أيضاً في ظرف خارجي عالي التوتر.
قادت التصويت عوامل محض داخلية، تعود بمعظمها إلى فشل خطط الإصلاح الاقتصادي والسياسي التي تعهد بها، ثم أدارها، الرئيس السابق
واختار الكوريون الجنوبيون، على الأغلب، معاقبة الرئيس المغادر وحزبه بتصويتهم لشخصية من سلك القضاء وعالم القانون، على الرغم من قلّة تمرسها في عالم السياسة، وهو ما وعد الفائز بتعويضه عبر تعيين أصحاب الكفاءات والاختصاص في المواقع الحسّاسة، ومنها على وجه الخصوص المواقع المرتبطة بالسياسة الخارجية، والتي يفتقر يون سوك يول إلى الخبرة فيها.
لكن عامل السياسة الخارجية لم يكن على ما يبدو المحرك الأساسي في اختيارات الناخبين، على الرغم من عودة التوتر في شبه الجزيرة الكورية، على وقع استعادة الجارة الشمالية تجاربها الصاروخية الباليستية بعد تعثر مسار الحوار بين بيونغ يانغ وواشنطن. كما وضع الناخبون، في الدولة التي تعد رابع أكبر قوة اقتصادية في آسيا وأحد النمور الاقتصادية الأربعة مع سنغافورة وهونغ كونغ وتايوان، وراء ظهرهم، ارتفاع حدّة الصراع في المنطقة بين العملاقين الصيني والأميركي، وهما شريكان أساسيان لسيول، حيث قادت التصويت عوامل محض داخلية، تعود بمعظمها إلى فشل خطط الإصلاح الاقتصادي والسياسي التي تعهد بها، ثم أدارها، الرئيس السابق.
وشكّل ارتفاع أسعار العقارات والشقق السكنية، ومعدلات البطالة، وسوء إدارة ملف كورونا التي تواصل كوريا الجنوبية تسجيل معدلات إصابة مرتفعة به، محفزات للتصويت للحزب المعارض. وجاء ذلك على الرغم من أن سمعة هذا الحزب، بدوره، لا تزال ملّطخة بسجن زعيمته السابقة والرئيسة السابقة للبلاد بارك غونغ هيي، بعد إدانتها بالفساد واستغلال السلطة وعزلها في عام 2017. وفي بلد اعتاد على سجن وملاحقة رؤسائه بعد مغادرتهم مناصبهم، توعد الرئيس الفائز بملاحقة سلفه أيضاً، بعدما قاد، كمدعٍ عام سابق، ملف تحقيق بالفساد طاول حاشية مون جاي إن، ما أدى إلى اندلاع خلافات بين الرجلين وتعطل التحقيق.
وبعد سباق شديد التقارب في انتخابات أول من أمس، أعلن فوز يون، المدعي العام السابق الذي لم يسبق أن شغل منصباً يقتضي توليه خوض انتخابات، بنسبة 48.59 في المائة من الأصوات، مقابل حصول مرشح الحزب الديمقراطي الليبرالي لي جاي ميونغ على 47.79 في المائة من الأصوات، بحسب وكالة "يونهاب" الرسمية للأنباء.
تعهدات يون سوك يول أظهرت ضعف تمرسه بالسياسة
وإثر إعلان النتائج، اعتبر يون، البالغ من العمر 61 عاماً، في كلمة أمام مناصريه، فوزه "انتصاراً للشعب الكوري الجنوبي العظيم"، متعهداً بالعمل على تعزيز الوحدة الوطنية وإصلاح الفجوات الاجتماعية واستعادة الرخاء للمواطنين. وأكد يون أنه سيحترم الدستور والبرلمان، وسيعمل مع أحزاب المعارضة لمعالجة الاصطفافات السياسية، في رسالة موجهة خصوصاً إلى البرلمان (الجمعية الوطنية)، الذي لا يزال الديمقراطيون الليبراليون يسيطرون على 60 في المائة من مقاعده الـ295.
وكان يون سوك يول، الذي عيّنه مون جاي إن مدعياً عاماً (سابقاً) في سيول، قد قاد التحقيقات التي أفضت إلى سقوط الرئيسة السابقة بارك غونغ هيي، وهو ما أكسبه إطراء من الرئيس الكوري الجنوبي السابق. لكن تحقيقات لاحقة مرتبطة بالفساد، قادها يون سوك يول وتدور في فلك حلفاء الرئيس، قد أدّت إلى تفاقم الخلافات بينهما وتقديم يون سوك يول استقالته، والتحاقه بالمعارضة التي استغلت ارتفاع شعبيته بسبب هذه القضية لترشيحه للرئاسة. وخلال حملته، حذر يون من أنه سيأمر بإجراء تحقيق مع الرئيس السابق إذا تم انتخابه، مشيراً إلى "مخالفات" لم يحدد طبيعتها.
لكن تعهدات للمرشح الفائز، خلال الحملة، أظهرت ضعف تمرسه بالسياسة، أو حتى اتخاذه منحى جدلياً في بعض المسائل التي تهمّ المواطنين، ومنها، على سبيل المثال، الحسّاسية المرتفعة في البلاد والمبنية على أساس جندري، والتي أدت إلى فوزه بحوالي 60 في المائة من أصوات الشباب الرجال، فيما فاز منافسه بالنسبة ذاتها من أصوات النساء اللواتي لم يتخطين الـ30 من أعمارهن.
وكانت الحركات النسوية في كوريا الجنوبية، والتي تتمتع بقوة لافتة، قد نظّمت وقفات احتجاجية ضدّ ترشح يون سوك يول بعدما تعهد بإلغاء وزارة المساواة بين المرأة والرجل، لأن الكوريات الجنوبيات، ورغم معطيات تفيد بعكس ذلك، لا يعانين من تمييز منهجي بين الجنسين، بحسب رأيه. في المقابل، ترى نسبة كبيرة من الرجال في كوريا الجنوبية أن هذه المساواة هي ما أفقدتهم عدداً كبيراً من الوظائف، وهو ما يبدو أن يون سوك يول استغله،لمخاطبة هواجس هذه الفئة وإغرائها للتصويت له.
أما في السياسة الخارجية، فلم يقدم المرشح الفائز استراتيجية واضحة لحلّ المسألة الكورية الشمالية، والتي تعهد باتخاذ موقف حازم تجاهها، بعدما كان لسلفه رصيد كبير في تسهيل الحوار بين بيونغ يانغ وواشنطن في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وقال يون إنه سيتعامل مع "استفزازات" بيونغ يانغ بحزم، وسيسعى إلى تعزيز التعاون الأمني الثلاثي مع واشنطن وطوكيو، فيما سيشكل تعزيز التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة مركز سياسته الخارجية، عبر اتخاذ موقف متشدد وحازم أيضاً من الصين، التي تعد شريكاً تجارياً أساسياً لبلاده.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)