تتزايد الاعتداءات المسلّحة في القارة الأفريقية بصورة تصاعدية في الأشهر الأخيرة، والناجمة عن سلسلة من التحوّلات السلبية، سواء المتعلقة بالظروف السياسية ـ الأمنية، أو تلك النابعة من إفرازات التوترات العالمية، خصوصاً الغزو الروسي لأوكرانيا، وما تسبب به من تدهور الأمن الغذائي وتعثّر سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة.
وعزز الانسحاب العسكري الأوروبي من مالي من تزايد التوترات الأمنية فيها وفي دول أفريقية عدة، لا في غرب القارة فحسب، بل أيضاً في القرن الأفريقي.
وشهد شهر يونيو/ حزيران الماضي سلسلة جديدة من الاعتداءات التي طاولت 13 دولة أفريقية من أصل 54، أي ما نسبته نحو 23 في المائة من الدول.
وفي رصد أجراه "العربي الجديد"، للهجمات في شهر يونيو الماضي، وعددها 40 حدثاً أمنياً، المستندة إلى أنباء نشرتها وكالات "فرانس برس" و"رويترز" و"أسوشييتد برس" و"الأناضول"، تبين حصول هجمات في الدول الـ13 التالية: مالي، نيجيريا، الكاميرون، بوركينا فاسو، الكونغو الديمقراطية، السودان، جنوب السودان، الصومال، السنغال، رواندا، إثيوبيا، تونس، والنيجر.
مع العلم أن الرصد لا يشمل مصر، وتحديداً سيناء، التي يشن فيها تنظيم ولاية سيناء، الموالي لداعش، اعتداءات على الجيش بشكل متواتر.
وكان لافتاً في الأخبار التي أوردتها وكالات الأنباء المذكورة أن عدد الضحايا لم يكن دقيقاً بالكامل، بسبب نقص المعلومات، واعتماد العدد الأقل للضحايا في الوكالات الإخبارية، أو الإقرار بسقوط عدد من الضحايا والجرحى.
أدت العمليات المعروفة في يونيو إلى مقتل 1319 شخصاً
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ربط الهجمات بتنظيمات محددة لم يكن حاسماً، إذ لا تتبنى التنظيمات كل الهجمات ببيان رسمي، كما كان يحصل مع تنظيم "داعش" في الشرق الأوسط، تحديداً بين عامي 2014 و2017. وغالباً ما تكتفي الوكالات بالإشارة إلى القوى التي تنشط في المنطقة التي تشهد اعتداءات.
وأدت الهجمات، والتي نشرت أخبار عنها في يونيو، بحسب الرصد المنجز، إلى مقتل 1319 شخصاً، بينهم 945 مدنياً، و96 أمنياً و278 مسلحاً. وجُرح 71 مدنياً و46 أمنياً، فيما غابت الأرقام بشأن الإصابات بين المسلحين.
ويمكن التوقف عند حالة من عدم الاستقرار السياسي في معظم هذه الدول وانعكاسها على الوضع الأمني، إذ تشهد العديد من بلدان القارة انقلابات، على غرار مالي وبوركينا فاسو، أو تواجه نوايا انفصالية، مثل الكاميرون وإثيوبيا.
كما يعاني بعضها من ضعف تركيبة السلطة المركزية، مثل الصومال والنيجر والسودان وجنوب السودان ونيجيريا والكونغو الديمقراطية، فضلاً عن تأثر بعضها الآخر بالتوترات في بلدان مجاورة لبؤر النزاع، مثل رواندا والسنغال.
الاعتداءات بالتفصيل
وبالتفصيل، فقد شهدت مالي 9 هجمات في شهر يونيو، بمعدل هجوم كل ثلاثة أيام. وسقط في الاعتداءات 199 قتيلاً: 193 مدنياً و6 عسكريين. وجُرح 13 شخصاً، جميعهم من العسكريين.
ولم يُقتل أو يُجرح أي مسلح. وحصلت الاعتداءات في 3 مناطق في الشرق، وهي ميناكا، كيدال، غاو، ومنطقتان في الوسط، فضلاً عن وايا وتمبكتو (هجومان)، وفي منطقة كوتيالا الجنوبية وكايس الغربية. تُجدر الإشارة إلى وقوع هجمات في وسط البلاد، من دون تحديد المنطقة، في 20 يونيو.
وبدت الاعتداءات في يونيو أكثر تركيزاً في مناطق الشرق والوسط. ووقعت الاعتداءات في الشرق بين 15 يونيو و19 منه، بينما توزعت الاعتداءات في الوسط على فترات زمنية متباعدة، ووقعت في 3 و8 و20 و23 يونيو. أما الهجومان في الجنوب والغرب، فوقعا في يومين متتاليين، في 2 و3 يونيو.
وتراوحت الاعتداءات بين 5 اعتداءات عبر إطلاق النار، واعتداء بتفجير عبوتين ناسفتين، واعتداءين بانفجار لغم، وإعدامات. ووقع أعنف هجوم في مناطق متفرقة بوسط البلاد في 20 يونيو وسقط ضحيته 132 شخصاً، بينما سقط في كايس، في 2 يونيو، العدد الأقل من الضحايا وهو قتيلان. وتبنّى تنظيم "داعش" هجوماً واحداً من الهجومات التسعة.
مع العلم أنه تنشط في مالي "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، وهي تحالف يضمّ "أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا" و"المرابطون" و"فرع إمارة الصحراء"، كما ينشط تنظيما "أنصار الإسلام" و"داعش في الصحراء الكبرى".
وشهدت مالي انقلابين، في أغسطس/ آب 2020 ومايو/ أيار 2021، ساهما في توتير العلاقات مع فرنسا، وإفساح المجال أمام تغلغل مجموعة "فاغنر" الروسية، تحت شعار "استعانة باماكو بخبراء روس".
ودفع الانقلابان، ثم إعلان العسكر في مالي نيّتهم تسليم السلطة إلى المدنيين بعد 5 سنوات، إلى فرض المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" عقوبات على باماكو قبل أن ترفع أول من أمس.
من جهتها، شهدت نيجيريا 8 هجومات، بمعدل هجوم كل 4 أيام ونصف اليوم. وسقط في الاعتداءات 117 قتيلاً، 86 مدنياً و31 عسكرياً وجُرح 61 مدنياً. وبالإضافة إلى الضحايا المعروفين، قُتل عدد من العسكريين من دون تحديد الرقم الدقيق.
ووقع هجوم في زمفارا (شمال غرب)، وآخر في أوندو (جنوب غرب)، وهجومان في بورنو (شمال شرق)، واثنان في كادونا (وسط)، وآخر في إيكا – أويزينيي (وسط)، وهجوم في النيجر (وسط).
ووقعت الهجومات في 1 و5 و10 و18 و19 و20 و25 و30 يونيو. وكان أعنفها في أوندو، مع مقتل 40 مدنياً، وسقط 35 آخرون في هجومي بورنو. وكانت كل الاعتداءات تتمّ بهجوم مسلّح. ولم تتبنّ أي مجموعة العمليات، لكنه تمّ الاشتباه بـ"بوكو حرام" و"داعش" في هجومي بورنو.
مع العلم أنه ينشط في نيجيريا "بوكو حرام" و"داعش في غرب أفريقيا" و"أنصار المسلمين". وتُعدّ نيجيريا من البلدان التي تواجه توترات سياسية متواصلة، بفعل الصراعات القبلية والطائفية فيها، على الرغم من قوة الجيش بشكل عام.
من جهتها، واجهت بوركينا فاسو 6 هجومات في شهر يونيو، بمعدل هجوم كل 5 أيام. وسقط في الاعتداءات 309 قتلى، 116 مدنياً، و25 عسكرياً، و168 مسلحاً. كما جُرح 28 شخصاً، 4 مدنيين و24 عسكرياً. كما سقط عدد إضافي غير محدد من القتلى والجرحى.
ووقعت الهجومات في سوم (شمال غرب)، بام (وسط)، وفي سيتنغا وبوكليه دو موهون وواهيغويا في سينو (شمال شرق). ووقعت هجومات صُنّفت بأنها "في مناطق متفرقة من البلاد".
وحصلت الاعتداءات في 2 و10 و12 و13 و20 يونيو. وكان هجوما يوم 13 يونيو في سينو الأعنف، مع سقوط 105 مدنيين، بينما قتل الجيش 128 مسلحاً في 20 يونيو "في مناطق متفرقة من البلاد".
وشهدت كل الاعتداءات عمليات إطلاق نار، في مقابل استخدام الجيش للمدفعية. وتنشط في بوركينا فاسو "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، وهي تحالف يضمّ "أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا" و"المرابطون" و"فرع إمارة الصحراء"، كما ينشط تنظيما "أنصار الإسلام" و"داعش في الصحراء الكبرى".
وشهدت بوركينا فاسو انقلاباً في يناير/ كانون الثاني الماضي، وفرضت "إيكواس" عقوباتٍ عليها. تُجدر الإشارة إلى أن بوركينا فاسو ساهمت بالتفاهم مع تشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، في تشكيل "مجموعة دول الساحل الخمس"، في عام 2014، لمواجهة المتشددين.
وشهدت الكاميرون 4 هجومات، بمعدل هجوم كل 7 أيام ونصف اليوم. وسقط فيها 52 قتيلاً، 49 مدنياً و3 عسكريين. ووقعت الهجومات في هيتاوا (شرق)، وميسونغ (شمال غرب)، ولوغون وشاري (شمال)، وأكوايا (جنوب غرب).
ووقع هجوما هيتاوا وميسونغ في 1 يونيو، أما لوغون وشاري ففي 16 منه، وفي أكوايا في 27 يونيو. وسقط في هجوم أكوايا 30 قتيلاً، على يد انفصاليين كاميرونيين يدعون لإقامة دولة لهم تكون ناطقة باللغة الإنكليزية، في منطقة أمبازونيا، على الحدود الغربية للكاميرون مع نيجيريا.
أما في ميسونغ، فقد سقط 9 ضحايا بالخطأ على يد الجيش الكاميروني، فيما شنّ مسلحون الهجومين المتبقيين. وتنشط في الكاميرون "بوكو حرام" و"داعش في غرب أفريقيا" و"أنصار المسلمين".
شهدت مالي العدد الأكبر من الهجومات بينما سقط العدد الأكبر من الضحايا في إثيوبيا
وشهدت الكونغو الديمقراطية 3 هجومات، بمعدل هجوم كل 10 أيام. وسقط 36 قتيلاً، 34 مدنياً وعسكريان. وجُرح 5 عسكريين. ووقعت الهجومات في كيفو الشمالية وإيتوري وماموف ـ كيسيما، وجميعها مناطق تقع شرقي البلاد.
ووقعت الهجومات يومي 6 و26 يونيو. وقصفت مجموعة "إم 23" مواقع للجيش في كيفو الشمالية، بينما كان الهجومان الآخران عبارة عن اعتداءات بالسكاكين والرصاص. ولا تنشط جماعة محددة من التنظيمات المتشددة في الكونغو الديمقراطية، بل إن مجموعة "إم 23" تقاتل لاعتبارات عرقية.
وشهدت الحدود الرواندية مع الكونغو الديمقراطية اشتباكاً خاطفاً بين جيشي البلدين، سقط فيه عسكري من الكونغو الديمقراطية وجرح جنديان روانديان، في 17 يونيو.
وفي رواندا، سقط قتيلان من المدنيين وجُرح 6 آخرون في هجوم في نياماغابي (جنوب)، في 19 يونيو، على يد مسلحين تابعين لفصيل "الجبهة الوطنية للتحرير". وتعاني الكونغو الديمقراطية من تداعيات المجازر الرواندية في التسعينيات من القرن الماضي، ولجوء مئات آلاف الأشخاص إليها.
وأدت هذه التطورات إلى غرق الكونغو الديمقراطية في حربين أهليتين. الأولى بين 24 أكتوبر/ تشرين الأول 1996 و16 مايو/ أيار 1997، والثانية بين 2 أغسطس/ آب 1998 و18 يوليو/ تموز 2003.
وشهد السودان مذبحة سقط فيها 117 شخصاً باشتباك قبائلي. وجميع الضحايا من المدنيين، وذلك في 7 يونيو، في دارفور (شرق)، وجنوب كردفان (جنوب السودان). ولا تنشط في السودان جماعات متشددة، لكنه يشهد تطورات سياسية دراماتيكية ناجمة عن انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الذي أبعد فيه العسكر المدنيين عن السلطة.
وشهد جنوب السودان اشتباكات بين عسكريين وقرويين في تونج الشمالية (وسط)، في 27 يونيو، وسقط فيها 25 شخصاً، 7 مدنيين و18 عسكرياً. ولا تنشط في جنوب السودان مجموعات متشددة لكنه يغرق أيضاً في العنف القبلي.
أما الصومال فكان أمام هجوم واحد في 13 يونيو، في قبطو (وسط)، سقط فيه 73 شخصاً، 3 عسكريين و70 مسلحاً، بعد هجوم للجيش على "حركة الشباب".
مع العلم أن الهجوم الأعنف للحركة حصل في مايو/ أيار الماضي عندما هاجمت قاعدة لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية "أتميس" قرب بلدة سيل باراف، على بعد 160 كيلومتراً شمال شرقي مقديشو متسببة في مقتل ما لا يقل عن عشرات الجنود البورونديين.
وتزامن تراجع هجومات الحركة في يونيو مع تسجيل بداية استقرار سياسي في الصومال عقب انتخاب حسن شيخ محمود رئيساً جديداً للبلاد.
من جهتها، شهدت السنغال مقتل مدنيين في العاصمة داكار، في 18 يونيو، بعد اشتباكات بين الجيش ومدنيين. ولا تنشط في السنغال مجموعات متشددة.
أما إثيوبيا فكانت على موعد مع مجزرة عرقية، مع مقتل 338 شخصاً من إثنية الأمهرة في 20 يونيو في أوروميا (وسط). كما أعدم الجيش الإثيوبي 8 سودانيين، مدني و7 عسكريين في 27 يونيو، على الحدود بين السودان وإثيوبيا.
ولا تنشط في إثيوبيا تنظيمات متشددة، لكنها تشهد تطورات عسكرية وسياسية، ناجمة عن الحرب التي دارت بين الحكومة الفيدرالية و"جبهة تحرير تيغراي" في العامين الماضيين.
من جهتها، شهدت تونس اعتداءً على عسكريين في العاصمة في 24 يونيو، وجُرح على الأقل اثنان من الجنود. وتنشط في تونس "كتيبة عقبة بن نافع" و"جند الخلافة".
وتواجه تونس أزمة سياسية بعد الانقلاب الذي نفذه الرئيس قيس سعيّد على الدستور والنظام السياسي منذ 25 يوليو/ تموز 2021 وتصاعد إجراءاته وصولاً إلى طرح لعرضه على استفتاء شعبي في 25 يوليو الحالي. وفي النيجر، قتل الجيش الفرنسي 40 مسلحاً بغارة جوية في 16 يونيو في منطقة غير محددة.
16 تنظيماً فاعلاً في أفريقيا
وبحسب دراسة "مركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية"، ومقره في واشنطن، نُشرت في يناير الماضي، فقد بلغ عدد التنظيمات الفاعلة في أفريقيا 16 تنظيماً. وتتوزّع التنظيمات على الشكل التالي: تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش" في مصر، تنظيم "داعش" في ليبيا، "كتيبة عقبة بن نافع" و"جند الخلافة" في تونس، "القاعدة في المغرب" في الجزائر، "حركة الشباب" و"أبناء الخليفة" في الصومال، "الهجرة" في كينيا، "أهل السنّة والجماعة" في موزامبيق.
أما في مثلث مالي ـ بوركينا فاسو ـ النيجر، فتنشط "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، وهي تحالف يضمّ "أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا" و"المرابطون" و"فرع إمارة الصحراء"، كما ينشط تنظيما "أنصار الإسلام" و"داعش في الصحراء الكبرى".
في المقابل، فإن ثلاثة تنظيمات تنشط ما بين نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد، وهي "بوكو حرام" و"داعش في غرب أفريقيا" و"أنصار المسلمين".
بلغ عدد التنظيمات الفاعلة في أفريقيا 16 تنظيماً
وحيال نشاط هذه التنظيمات، تبدو الجيوش في حالة من الاستنفار الدائم، على الرغم من أن بعضها يُعدّ الأفضل أفريقياً. ووفقاً لتقرير لموقع "بزنس إنسايدر"، صادر في 17 مارس/ آذار الماضي، فإن الجيش المصري يأتي في صدارة الجيوش الأفريقية، لكنه لم يتمكن من حسم ملف تنظيم "ولاية سيناء" منذ نحو عقدٍ.
ويحتل الجيش الجزائري المركز الثاني أفريقياً، ويأتي الجيش النيجيري في المرتبة الخامسة في القارة، ولا يزال يكافح ضد "بوكو حرام" خصوصاً، وباقي التنظيمات.
أما موقع "بريفلي" الجنوب أفريقي، فنشر تقريراً في 1 يونيو الماضي، صنّف فيه جيشي الصومال وبوركينا فاسو من بين أضعف 10 جيوش في أفريقيا.
وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة هذين الجيشين على مواجهة التحديات الأمنية، في ظلّ عجز الجيوش الأكبر عن فعل ذلك. موقع "بريفلي" نفسه يضع جيوش الكونغو الديمقراطية وكينيا وتشاد والنيجر ومالي والكاميرون وجنوب السودان وموزامبيق في مراتب متوسطة.
يشرح تفاوت قوة الجيوش وعجزها عن إنهاء التنظيمات أو منع تمددها وحتى تزايد هجماتها، الكثير بشأن مستقبل أفريقيا. إن عدم الحسم في العقد الأخير ضد هذه التنظيمات، أفسح المجال أمام تدهور الوضع الأمني، خصوصاً أنها أوجدت بيئة ملائمة وحاضنة لهجوماتها، فضلاً عن عجز بلدان عدة في القارة الأفريقية عن مكافحة الفساد المتجذّر في الأنظمة الحكومية، وعدم الخروج من الخلافات التقليدية، سواء الخلافات القبلية والعشائرية والمناطقية داخل كل بلد من جهة، وعدم تحقيق التنمية المطلوبة للشعوب الأفريقية من جهة أخرى.
ومع انتهاء مهمة "برخان" و"تاكوبا" باتت القارة الأفريقية أكثر حاجة إلى الاعتماد على الذات، وتحديداً مواجهة تحديات طارئة، مثل الأمن الغذائي وإمدادات الطاقة، وتحديات موروثة، مثل الصراعات السياسية والقبلية، وتحديات متشعّبة في الأمن والاقتصاد.
والمرجّح أن تتحول أفريقيا إلى ساحة أكثر توتراً من قبل، مع اشتداد عزيمة التنظيمات المسلحة وعدم وضع حدّ لها. وهو ما سيؤثر سلباً على مكافحة الفقر والأمراض ويقلّص احتمالات نجاح أي محاولة للنمو، وصولاً إلى تصدير هذه الأزمات الأمنية إلى مناطق مجاورة لأفريقيا، خصوصاً الشرق الأوسط وأوروبا.
وفي تقرير لوكالة "فرانس برس"، نُشر يوم السبت الماضي، فإن النزاع في منطقة الساحل الأفريقي، المنطقة الواقعة في غرب القارة، يتسبّب بسقوط عدد متزايد من القتلى، معظمهم من المدنيين العالقين في دوامة من المجازر والعمليات الانتقامية، على ما تكشف إحصائيات ومراقبون.
وجاء في تقرير الوكالة أنه قُتل 2057 مدنياً في مالي والنيجر وبوركينا فاسو منذ بدء العام الحالي، وهي نسبة تزيد عن الحصيلة الإجمالية للقتلى خلال كامل عام 2021 البالغة 2021 قتيلاً. واستندت "فرانس برس" إلى حصيلة احتسبتها المنظمة غير الحكومية المتخصصة "أكليد".
ارتفاع عدد الضحايا في السنوات الأخيرة
وكان عدد القتلى المدنيين يقتصر على المئات بين 2012 و2017، غير أن الأمر تسارع فجأة بعد ذلك، وذكرت منظمة "أكليد" أنه تم تخطي عتبة ألف قتيل مدني في السنة في عام 2018، قبل تخطي عتبة ألفي قتيل في عام 2019.
وبصورة عامة أوضح منسق "الشبكة الأفريقية للقطاع الأمني" في النيجر محمدو عبد الرحماني، لـ"فرانس برس"، أن تزايد المجازر جعل "عدد الضحايا يتضاعف خلال السنتين الماضيتين" في الساحل.
وعلى الرغم من تدخل عسكري أجنبي استمر سنوات، عجزت مختلف الأطراف من حكومات والأمم المتحدة وجيوش أجنبية عن وقف أعمال العنف بحق المدنيين.
ويرى الخبراء أنه ليس هناك مؤشرات إلى تحسن في الأفق، وذكروا لـ"فرانس برس" عدة أسباب تدعو إلى القلق، منها استراتيجية معتمدة بصورة معممة رداً على توسيع المسلحين نطاق تحركهم، تقوم على "الخيار العسكري الصرف"، وهو ما أثبتته في نهاية يونيو الماضي إقامة "مناطق ذات أهمية عسكرية"، حيث "يحظر أي وجود بشري" في بوركينا فاسو، وعجز الدول عن السيطرة على المناطق الريفية الشاسعة حيث ينتشر المسلحون، والخلط الذي لا يزال قائماً بين بعض مجتمعات البدو والتنظيمات المتشددة، والانسحاب النهائي المرتقب لقوات عملية "برخان" الفرنسية من أراضي مالي.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في مطلع يونيو الماضي، من أن هذا الانسحاب المقرر في نهاية الصيف "ستكون له عواقب على صعيد حماية المدنيين".
ولمخاوف غوتيريس مبررات، فقد أعلنت باريس، يوم الجمعة الماضي، انتهاء عمل القوات الخاصة الأوروبية "تاكوبا" في مالي، بسبب التوتر مع العسكريين الحاكمين في باماكو، مؤكدة بذلك سيناريو كان متوقعاً.
و"تاكوبا" التي نجحت وزيرة القوات المسلحة السابقة فلورنس بارلي بصعوبة كبيرة في بنائها لإشراك الأوروبيين في جهود مكافحة المسلحين في منطقة الساحل، انهارت بعد انقلابين في مالي في أغسطس/ آب 2020 ومايو/ أيار 2021، مع التدهور السريع في العلاقات الفرنسية المالية ثم رحيل قوة "برخان".