عاد الملف العسكري والأمني لواجهة المشهد في ليبيا، في الوقت الذي ينتظر فيه أن تتبنى إحدى الجهات الفاعلة في البلاد قرار تأجيل الانتخابات المقررة هذا الشهر إلى مواعيد جديدة، وسط حديث أوساط ليبية عن عديد السيناريوهات التي تعمل المستشارة الأممية، ستيفاني وليامز، للتحضير لها استباقاً لانزلاق الأوضاع إلى أتون تصعيد عسكري محتمل.
ووصلت وليامز إلى سرت، صباح اليوم الخميس، للقاء أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، لبحث مسار الملف العسكري، وكتبت على "تويتر": "في طريقي اليوم إلى مدينة سرت عبر الطريق الساحلي، الذي أُعيد فتحه مؤخراً كواحدة من ثمار اتفاق وقف إطلاق النار. مرورنا من هذا الطريق وتوقفي لتحية أفراد القوة الأمنية المشتركة يؤكد بقوة أنّ إرادة الليبيين في بناء السلام وتجاوز الماضي تتفوق على المصالح الضيقة والتدخلات الخارجية".
في طريقي اليوم إلى مدينة #سرت عبر الطريق الساحلي، الذي أُعيد فتحه مؤخراً كواحدة من ثمار اتفاق وقف اطلاق النار. مرورنا من هذا الطريق وتوقفي لتحية افراد القوة الأمنية المشتركة يؤكد بقوة بأن إرادة الليبيين في بناء السلام وتجاوز الماضي تتفوق على المصالح الضيقة والتدخلات الخارجية. pic.twitter.com/X0laFysLUv
— Stephanie Turco Williams (@SASGonLibya) December 16, 2021
وذكرت مصادر عسكرية متطابقة أنّ وليامز تعتزم كذلك السفر إلى بنغازي للقاء الفريق عبد الرزاق الناظوري، القائد المكلف بقيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وبعد أن اجتمعت وليامز برئيس أركان الجيش التابع لحكومة الوحدة الوطنية، الفريق محمد الحداد،، الثلاثاء الماضي في طرابلس، التقت، أمس الأربعاء، عدداً من القادة العسكريين في مدينة مصراتة، مشيرة إلى أنّ المداخلات في لقائها معهم "تميزت بلغة الهدوء وتغليب الحل السياسي".
وأضافت وليامز، في تغريدة على حسابها على "تويتر"، أنّ اللقاء ناقش العملية الانتخابية وسبل تعزيز توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، ودعت القادة العسكريين إلى البناء على لقاء الفريق محمد الحداد، قائد أركان الجيش التابع لحكومة الوحدة الوطنية، والفريق عبد الرزاق الناظوري، في مدينة سرت، السبت الماضي، وكذلك جهود اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5.
وتزامنت لقاءات وليامز مع القادة العسكريين مع توتر أمني في طرابلس تمثل في تحرك عشرات العربات العسكرية والأفراد وسط العاصمة، وتزايد بمرور الساعات الأولى لصباح اليوم الخميس، في مناطق تشمل محيط مقر رئاسة الوزراء في طريق السكة، دون أن تعلن أي جهة عسكرية مسؤوليتها عن هذه التحركات.
ووسط صمت من جانب المجلس الرئاسي والحكومة، أفاد مصدر عسكري مقرب من رئاسة أركان الجيش التابعة للحكومة، بأنّ هذه التحركات على علاقة بقرار المجلس الرئاسي تنحية اللواء عبد الباسط مروان، أمس الأربعاء، من منصبه كقائد لمنطقة طرابلس العسكرية، وتعيين العميد عبد القادر منصور سعد بديلاً عنه.
وأكد المصدر العسكري، لـ"العربي الجديد"، أنّ رئاسة الأركان أبلغت وزارة الداخلية ومديرية أمن طرابلس بعدم إصدار أي موقف من تلك التحركات، في وقت انخرط فيه رئيس الأركان، الفريق محمد الحداد، في اتصالات مع قادة المجاميع المسلحة في طرابلس؛ بهدف تهدئة الموقف وشرح خلفيات قرار تنحية مروان.
وحاولت وسائل إعلام محلية ودولية موالية لمعسكر شرق ليبيا ربط التوتر الحاصل في طرابلس بتصريحات لقائد لواء الصمود في مصراتة، صلاح بادي، الليلة الماضية، اقتطعت من سياقها إشارتُه إلى اتفاقه مع "الثوار في طرابلس" على "غلق مؤسسات الدولة لأنها تعمل للخارج وليس للداخل"، بحسب قوله، رغم تركز كلمته على استنكاره لزيارة أجرتها المستشارة الأممية، ستيفاني وليامز، لمدينة مصراتة، مساء أمس الأربعاء.
لكن اللافت، من جانب آخر، إعلان بادي، خلال كلمته، رفضه إجراء انتخابات رئاسية تجلب حفتر لموقع الرئاسة، متهماً وليامز بـ"الصمت" أثناء عدوان مليشيات حفتر على العاصمة طرابلس، وأنها لم تجرم ذلك العدوان، بل وأن بلادها، باعتبارها دبلوماسية أميركية، هي من أعطت الضوء الأخضر لحفتر ليهاجم طرابلس، وهو ما دعا المصدر العسكري، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إلى التعبير عن مخاوفه من إمكانية استغلال هذا التصريح من قبل مسلحين لتصعيد الأوضاع العسكرية في طرابلس، بالتزامن مع حالة التعقيد والغموض التي تسير فيها العملية الانتخابية.
وسبق أن شهدت مدينة سبها، جنوبي ليبيا، توتراً انتهى إلى اشتباكات مسلحة، فبعد حصار مليشيات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر مقر محكمة في مدينة سبها، وطرد قضاتها وموظفيها، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عاشت المدينة فجر الثلاثاء الماضي اشتباكات مسلحة لعدة ساعات صباحا، بين مليشيات حفتر وقوة تابعة لمديرية أمن المدينة، في وقت اتهمت فيه الأخيرة "مليشيات الكرامة" التابعة لحفتر بالسطو المسلح على 11 عربة للشرطة واعتقال عدد من أفراد الشرطة، وأعقب ذلك بيان لوزارة الداخلية استنكرت فيه الحادثة، واتهمت فيه مليشيات حفتر بالعمل على عرقلة جهود لتوفير الحماية للعملية الانتخابية.
خلق توترات في العاصمة طرابلس على علاقة بسيناريو محتمل قد تدفع إليه أطراف معينة ضمن مساعي عرقلة إجراء الانتخابات في ديسمبر
وكانت مصادر ليبية متطابقة قد كشفت النقاب، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على الاشتباكات التي شهدتها طرابلس، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بين الكتيبة 444 التابعة لرئاسة أركان الحكومة ومجموعات مسلحة تابعة لمنطقة طرابلس العسكرية، عن "عِلم السلطات في طرابلس بسيناريو محتمل لرفع حالة التصعيد وزيادة حدة الاشتباكات داخل العاصمة وعلى أطرافها، للتشكيك في قدرة السلطات الحالية على رعاية العملية الانتخابية وتأمين ظروفها".
وأضافت المصادر أنّ خلق توترات في العاصمة طرابلس "على علاقة بسيناريو محتمل قد تدفع إليه أطراف معينة ضمن مساعي عرقلة إجراء الانتخابات في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ومن بين هذه الأطراف معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي قد يتحجج بما يجري للمطالبة بإتمام تنفيذ بنود الاتفاق السياسي أولاً، ومن بينها تحديد المجموعات المسلحة والعمل على دمجها في المؤسسة العسكرية".
واليوم الخميس، قال أبو بكر مردة عضو مفوضية الانتخابات الليبية، لقناة "الجزيرة"، إنه أصبح من غير الممكن إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول.
وفي الأثناء، أفادت أوساط ليبية مسؤولة بمعلومات عن مناقشة وليامز، أثناء لقائها مسؤولين في طرابلس ومصراتة، عدداً من الحلول لإنقاذ العملية الانتخابية، من بينها إجراء انتخابات برلمانية في وقت قريب وتأجيل الانتخابات الرئاسية، تزامناً مع العمل على تفكيك الأزمة الأمنية في البلاد من خلال البدء في حوارات بين ضباط معسكري غرب وشرق البلاد لوضع أسس لتوحيد المؤسسة العسكرية، كون أزمة السلاح تشكل أكبر تحدٍّ لإجراء الانتخابات.
وتتوافق هذه المعلومات مع تصريح سابق لدبلوماسي ليبي لــ"العربي الجديد"، أكد فيه أنّ خطط وليامز تستهدف إعادة تفكيك مسارات الحل الليبية، وإعادة تفعيل مسارات الحل الثلاثة؛ العسكرية والاقتصادية والسياسية، مشيراً إلى أنّ إعادة النشاط للمسار العسكري سيدفع بالمؤثرين الخارجيين الحاليين في المسار الانتخابي إلى الانشغال بالبحث عن تموضعات جديدة في الميدان، بدلاً من التعويل على التموضع عبر حلفائهم في المسار الانتخابي.
يشار إلى أن بيان البعثة الأممية أكد، الأحد الماضي، أن وليامز ستتولى قيادة جهود مع الجهات الفاعلة الليبية والإقليمية والدولية لـ"تنفيذ المسارات الثلاثة للحوار الليبي - الليبي ودعم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية".