وزير إعلام السيسي متهم بتأييد الإرهاب: تمهيد لتعديل وزاري

20 أكتوبر 2020
اقتصر دور هيكل (وسط) على إلقاء البيانات (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر حكومية وإعلامية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، عن أسباب تجدد هجوم الأذرع الإعلامية للمخابرات العامة والأمن الوطني في مصر، بصحفها وبرامجها الفضائية، على وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، بعد شهرين تقريباً من هجوم مشابه، قبل تشكيل المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، وتغيير رؤساء مجالس إدارة وتحرير الصحف القومية.
ولوحظ اشتداد الحملة الجديدة، وتطرقها للمرة الأولى إلى اتهام هيكل بترديد شائعات "الجماعات الإرهابية"، ومساعدة وسائل إعلام "إخوانية" وتأييد مساعيها الهدامة. وهي اتهامات توجهها النيابة العامة لآلاف المعتقلين في قضايا سياسية، في مشهد نادر خلال حكم عبد الفتاح السيسي، الذي لا تسمح فيه الأجهزة عادة لوسائل الإعلام بمهاجمة الوزراء والمسؤولين.

دائرة السيسي عندما اختارت هيكل لهذه الحقيبة كانت تفكر فقط في إيجاد شخصية تابعة يسهُل التحكم فيها

وتبعد الأسباب بالطبع كثيراً عن السبب المزعوم للحملة، التي اضطلع فيها كتاب معروفون بعلاقتهم الوطيدة بالمخابرات العامة، مثل رئيس تحرير "اليوم السابع" خالد صلاح، ورئيس تحرير "الدستور" محمد الباز، والذي يتمثل في أن هيكل هاجم الصحف المصرية، واتهمها بالابتعاد عن خدمة المواطنين وفهم طبيعة المجتمع، وأن 60 في المائة من المصريين لا يقرأون الصحف المصرية، ويستقون معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي، داعياً لدراسة التغيرات الحاصلة في الشارع، خصوصاً لدى الفئات الأصغر عمراً. وهذه التصريحات نفسها يرددها خبراء وكتاب وإعلاميون في المؤتمرات والوسائل المختلفة، حتى باتت معروفة للعامة.

وأوضحت المصادر أن السبب الحقيقي هو وجود خلاف عنيف تحت السطح بين أسامة هيكل والثلاثي القوي في دائرة السيسي، مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، ونجل السيسي، محمود، والضابط النافذ أحمد شعبان، بسبب تجاهله تماماً في إدارة ملف الإعلام، بعد انقضاء فترة لم تتجاوز الشهرين من تاريخ تعيينه وزيراً في ديسمبر/كانون الأول 2019، وانتزاع جميع شؤون المؤسسات الصحافية القومية منه، وعدم تمكينه من ممارسة السلطات، التي كان خاض من أجلها معركة مع الرئيس السابق للمجلس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد.
وقالت المصادر إن هيكل عندما تم تعيينه في منصبه كان ذلك باختيار مشترك بين عباس كامل، ومدير مكتب الرئيس محسن عبد النبي، وبعد تصديق السيسي نفسه. وكان تم آنذاك استبعاد الرئيس السابق لمجلس إدارة مؤسسة "الأخبار" ياسر رزق، بسبب انتقاداته المتكررة في مجالسه الخاصة لطريقة عباس كامل وأحمد شعبان في إدارة ملف الإعلام، ومحاولته تقديم شكاوى ضدهما للسيسي شخصياً، الأمر الذي كانت له انعكاسات طويلة الأمد، أدت لاحقاً لاستبعاد رزق من الترشيح للوزارة، ثم منع نشر بعض مقالاته وأخيراً استبعاده من منصبه الصحافي.
لكن دائرة السيسي عندما اختارت هيكل لهذه الحقيبة كانت تفكر فقط في إيجاد شخصية تابعة، يسهُل التحكم فيها، دون تطلعات أو طموحات، وباعتبار أن هيكل يمتلك خبرة سابقة كوزير للإعلام في عهد المجلس العسكري بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وتربطه علاقات قوية بجميع الأجهزة. كما كانت دائرة السيسي، تحت وطأة الهزة الكبيرة التي أحدثها الحراك الشعبي في العشرين من سبتمبر/أيلول 2019، وتصاعد الحديث عن اتساع نفوذ محمود السيسي وأحمد شعبان، تفكر آنذاك في جلب وزير مدني يكون بديلاً للطريقة التقليدية للتحكم في وسائل الإعلام، عبر خلايا وضباط المخابرات العامة والأمن الوطني، بحيث يتولى هيكل التواصل مع القيادات الصحافية ويوجههم للخطوط العريضة لكيفية تناول الأحداث والخطوط الحمراء. لكن ما لبث الثلاثي كامل ومحمود وشعبان أن تراجعوا عن هذه الفكرة، مفضلين استمرار الغلق التام للمجال العام والتحكم الكامل فيما تنشره مختلف الصحف وتتداوله جميع الفضائيات المحلية.
وعلى عكس ما كان يرجوه هيكل، تم حرمانه أيضاً من مباشرة ملف إعادة هيكلة اتحاد الإذاعة والتلفريون والصحف القومية. وأوكلت دائرة السيسي هذه المهمة لعدد من الشخصيات العسكرية والاستخباراتية والرقابية، التي تعمل منذ نحو عام بشكل سري، برئاسة الفريق محمود حجازي، صهر السيسي، لدراسة المشاكل المالية التي يعانيها هذا القطاع، وفشلت الرقابة الإدارية، في عهد رئيسها السابق محمد عرفان، في معالجتها.

تم حرمان هيكل من مباشرة ملف إعادة هيكلة اتحاد الإذاعة والتلفريون والصحف القومية

وبعد تكرار تجاهل هيكل في الملفات الرئيسية المفترض أن يتولاها، وتقزيم دوره ليقتصر على إلقاء البيانات باسم الحكومة في الفترة الأولى من جائحة كورونا، واستضافة بعض المؤتمرات الصحافية، في مقر وزارته الخالي من الموظفين تقريباً، بدأ هيكل، في عدة جلسات خاصة، وعبر اتصالات بشخصيات مختلفة حول السيسي، يشكو من تحكم المخابرات، فضلاً عن عدم استشارته إطلاقاً في الاختيارات الجديدة لعضوية المجالس الصحافية والمؤسسات القومية، والاعتماد فقط على المقابلات الشخصية بمقر المخابرات وتقارير الرقابة الإدارية والأمن الوطني.
وما زاد الأمر سوءا رصد جلسات متكررة بين هيكل وياسر رزق، وعدد من الشخصيات العسكرية والحكومية والاستخباراتية السابقة، ورجال الأعمال غير المفضلين لدى عباس كامل ونجل السيسي، خلال الصيف الماضي، تطرقوا خلالها إلى سوء إدارة انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة، وإعداد قوائم مجلس النواب المقبل. وأكدت المصادر أن إقالة هيكل من الوزارة "حتمية" في أول تعديل وزاري قادم، مرجحة أن يكون في ديسمبر المقبل. وكشفت أن حقائب الصحة والثقافة والرياضة على رأس الوزارات المرشحة للتغيير.
يذكر أن قرار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتحديد صلاحيات وواجبات وزير الدولة للإعلام، حدد ما يسمى بأهداف سياسة الدولة الإعلامية في الحفاظ على منظومة القيم المصرية، وتماسك الجبهة الداخلية، وتنمية الشخصية المصرية على أسس منطقية وموضوعية، والحفاظ على وسطية الدولة، بما يكفل البعد عن التطرف والمغالاة. ودعا القرار لإبراز جهود الدولة في المشاريع القومية، وأثرها على مستقبل المواطنين وتقوية الإعلام المصري، محلياً وإقليمياً ودولياً، وزيادة قدرته على التعامل مع الأزمات المختلفة، وترسيخ وعي المواطنين بأحكام الدستور والقانون ورفع حالة الوعي المجتمعي ذات التأثير. وكلف هيكل اقتراح السياسة الإعلامية للدولة بالتنسيق مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، والتنسيق مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، في تنفيذ هذه السياسة، والتنسيق مع مختلف الوزارات لطرح وإبراز مجهودات الدولة ومشاريعها القومية، وتمثيل الدولة بالمؤتمرات والمحافل الدولية التي تتطلب وجود ممثل عن الدولة في الإعلام.
كما كلف أيضاً بإعداد خطط التعامل الإعلامي مع المواقف السياسية المختلفة، محلياً ودولياً، بالتعاون مع الوزارات والأجهزة المختلفة، والإشراف على خطة تطوير أداء وسائل الإعلام المرئية، العامة والخاصة، بالتعاون مع الهيئات المختصة من خلال إتاحة مساحات أكبر للرأي والرأي الآخر. وكلف بتطوير المحتوى الإعلامي وزيادة المنافسة بين القنوات المختلفة، وذلك كله دون الإخلال باختصاص الهيئة الوطنية للإعلام، والمشاركة في تنظيم المؤتمرات الصحافية لرئيس الجمهورية محلياً ودولياً، والإعداد للتغطية الإعلامية لزيارات القيادة السياسية الخارجية واللقاءات التلفزيونية، بالتنسيق مع وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات وغيرها من الجهات المعنية. وطلب منه إعداد الدورات التدريبية اللازمة للمتحدثين الإعلاميين بمختلف الجهات والوزارات، وتقييمهم دورياً، والعمل بالتعاون مع الجهات المختصة على تدعيم الإعلام الرسمي للدولة وإعادته للمنافسة، وكذلك تدعيم حرية الإعلام الخاص.

المساهمون