أكدت المتحدثة المناوبة في الخارجية الأميركية، جالينا بورتر، الاثنين، أن المبعوث الخاص لأفغانستان، زلماي خليل زاد، "يُعدّ للمشاركة في اجتماع موسكو الخميس المقبل بشأن أفغانستان"، مشيرة إلى أن ذلك سيكون "بمثابة تكملة للجهود الدولية الرامية إلى دعم عملية السلام" هناك.
ويأتي هذا الاجتماع بعد جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في المنطقة، ولقاءاته التي تناولت الأزمات اليمنية والسورية واللبنانية. ويأتي أيضاً بعد زيارة غير اعتيادية لموسكو، قام بها وفد قيادي من "حزب الله" اللبناني. وقد حظيت هذه التحركات المكثفة وغير الاعتيادية بمستوياتها وبوتيرتها المتسارعة، بقدر لافت من الأضواء والاهتمام، خصوصاً حلقتها الروسية التي شكّلت محورها والتي كشفت عن دور بارز أو ربما مشارك لموسكو في صياغة المخارج لهذه الأزمات.
وتشير مشاركة الإدارة في مؤتمر موسكو الأفغاني، إلى أنها موافقة على مثل هذا الدور الذي ينهض به الكرملين، وقد يكون بالتراضي معه. فهي، أي الادارة، على مسافة شهر ونصف من استحقاق الانسحاب النهائي الذي التزمته إدارة دونالد ترامب من أفغانستان. لكن التسريبات تتحدث عن تأجيله لاعتبارات عسكرية وأمنية. البديل المطروح، صيغة حكم مشترك بين الأطراف الأفغانية المعنية، والإدارة تعمل على تسويق هذا العرض، خصوصاً لدى حركة "طالبان".
ومن هنا أهمية الدور الروسي الآن، كما هي أهميته وأكثر في تسويق الخطة التي قدمتها الإدارة لوقف إطلاق النار في حرب اليمن، تمهيداً للجلوس إلى طاولة الحل السياسي. وكان من الملاحظ أن نبرة ردود الخارجية على الهجمات الحوثية الأخيرة على السعودية كانت خفيفة، حيث اكتفت بالإدانة لمثل هذه العمليات "غير المقبولة"، والحثّ على "التزام وقف النار والدخول في المفاوضات".
وما يتردّد في هذا المجال، أن تعمل موسكو عبر طهران على حمل الحوثيين على القبول بمثل هذه الصيغة، مقابل مطالبة إدارة جو بايدن بحلحلة وتسهيل شروط إطلاق التفاوض مع طهران حول النووي. ويبدو من تصريحات المسؤولين، أنّ الإدارة الأميركية ليست بعيدة عن مثل هذه المبادلة. تلويحاتها في هذا الخصوص واضحة.
في إفادته أواخر الأسبوع الماضي أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن: "لا تنازلات لإيران إلا بعد عودتها إلى تطبيق الاتفاق". يعني أنّ مجرد العودة - أي قبل التوصل إلى اتفاق جديد - ستقابلها تنازلات معينة، منها فك الحجز عن أموال نفطية إيرانية مجمّدة في مصارف أجنبية. وثمّة من يعرب عن الخشية من أن تكون المبادلة "سخية" أكثر، لأنّ الإدارة الأميركية محتاجة إلى اتفاق. ومن هنا، التشدد في الكونغرس على "عدم رفع العقوبات". وقد رفع 70 ديمقراطياً و70 جمهورياً في الكونغرس كتاباً إلى البيت الأبيض يطالبون فيه بالتزام "مفاوضات جديدة وشاملة".
وفي هذا الإطار، كان أكثر ما لفت، زيارة وفد من "حزب الله" لموسكو، ومحادثاته مع الوزير لافروف، ولو أن الخارجية اليوم تجاهلت السؤال بشأنها. وزادت أهميتها أنه كان قد سبقها لقاء الوزير في أبوظبي مع رئيس الحكومة اللبناني المكلف سعد الحريري وتأييده لمهمة هذا الأخير في تشكيل الحكومة. وفي الاعتقاد، أن الزيارة قد تكون في أحد جوانبها، محاولة استطلاع لموقف موسكو من مشروع البطريرك الماروني بشارة الراعي لتدويل الأزمة اللبنانية. ويذكر أنّ هذه الأخيرة شبه غائبة عن اهتمامات الإدارة، التي عندما تسأل عنها، وخصوصاً في الخارجية، تكتفي بإسداء النصائح لجهة "تشكيل حكومة والمباشرة بالإصلاحات"، مع التعبير عن "القلق" من تدهور الأوضاع وضرورة استدراكها. وكأن هناك تسليماً بأنّ الحالة اللبنانية صارت محكومة بالانهيار الكامل.
وبذات اللغة العمومية، تعاملوا مع الذكرى العاشرة لنشوب الثورة السورية مع تكرار ذات المعزوفة عن أهمية "الحل السياسي لأنه لا حل عسكرياً" لهذه الأزمة. وفي التقدير أن الوضع في سورية غير مقبل على "تغييرات جيوسياسية" في المستقبل المنظور، حسب إحدى المطالعات التي شهدتها ندوة نظمتها الاثنين، "مؤسسة الشرق الأوسط" للدراسات في واشنطن بمناسبة السنة العاشرة للحرب. وعليه، "من الصعب" تصور انسحاب القوات الأميركية من شرق سورية في وقت قريب "لأنه ليس في الأمر عجلة، ومن الميسور تحمّل أعباء هذه المهمة".
الواضح أن الحضور الروسي في المشهد الراهن بالمنطقة، لافت كمّاً ونوعاً، وقد يستمدّ المزيد من الزخم من مراهنة إدارة بايدن على الدبلوماسية التي قد لا ترى بداً من الاستعانة المكشوفة أو الضمنية بالدور الروسي.