تتعامل إدارة بايدن بصمت مريب مع أزمة الحكم المستعصية في العراق. تجاهلها لها وتعاملها الفضفاض معها يثيران التساؤل، فواشنطن التي تضع العراق في منزلة "الشريك الاستراتيجي"، تقف على الحياد من مأزقه السياسي المتروك لمعادلته المحلية – الإقليمية التي تتحكم به.
رغم عمق وخطورة الأزمة، لم يصدر عن الخارجية الأميركية في الأشهر الأخيرة سوى بيانين بخصوص العراق، واحد إثر حادثة دهوك في 20 يوليو/ تموز الماضي، وشدد على إدانة قتل المدنيين، وعلى "الدعم الأميركي القوي لسيادة وأمن العراق بما فيه المنطقة الكردية".
أما البيان الثاني فجاء في 6 يونيو/ حزيران، وجرى التأكيد فيه على "انخراط الولايات المتحدة بشكل كامل مع الشركاء العراقيين في إطار جهود دعم عراق مستقر وموحد، باعتباره شريكا رئيسيا في المنطقة، وذلك في نطاق التعاون الواسع وفقاً لاتفاق الإطار الاستراتيجي بين البلدين".
لكن هذا الانخراط تحول إلى تجاهل. "نحن لسنا منحازين لأي من أطراف الأزمة ومستعدون للعمل مع أي حكومة تعطي الأولوية للسيادة ولمصالح الشعب العراقي"، كما قال الناطق في الخارجية نيد برايس في رده على سؤال "العربي الجديد" عما إذا كانت الإدارة تنوي التحرك أو التواصل مع الجهات العراقية المعنية لاستباق الأسوأ.
ثمة ما هو أوْلى في حسابات الإدارة الإقليمية في الوقت الراهن. تعرف الإدارة طبعا أسباب الانسداد العراقي في تشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس الجديد، كما تدرك أن دعوتها لتأليف حكومة "سيادية تلبي حاجات العراق وشعبه"، غير قابلة للترجمة الآن في ضوء المعطيات القائمة على الأرض.
وكأنها بذلك تلمّح إلى استعدادها للتعامل مع هذه المعطيات على الساحة العراقية من ضمن صفقة أوسع تسعى إليها إدارة بايدن، والمقصود في ذلك مفاوضات النووي الإيراني. ففي تقدير عدد من المراقبين، أن لا شيء يتقدم على ملف مفاوضات فيينا في أولويات إدارة بايدن الشرق أوسطية؛ بل كل ما عداه يتأثر به ولا يؤثر فيه.
من هنا، يجري الحديث عن "تهاونها" في ملفات أخرى؛ بل حتى عن "مقايضاتها" في المنطقة مع طهران، لتمرير الاتفاق النووي والعودة إلى اتفاق 2015 الذي لا صوت يعلو على صوته في الوقت الحاضر.
والوضع العراقي من ضمن الساحات التي تحرص الإدارة على "مراعاة" الحسابات الإيرانية فيها، أو في أقله على عدم الاحتكاك به أو التصدي المكشوف له. هذا ما أعاد التذكير بمقولة أن واشنطن "قدمت العراق إلى إيران على طبق من فضة" في حربها عليه في 2003.
وكأن السيناريو ذاته على وشك تكرار نفسه الآن كثمن لتمرير النووي. وهو احتمال أثار تحذيرات من عواقبه. الخبير المعروف أنطوني كوردسمان من "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" بواشنطن، نبّه مبكرا إلى ارتدادات العودة إلى اتفاق 2015 على العلاقات مع العراق.
يقول كوردسمان إن "تعزيز وضع العراق وأمنه واستقراره، والعمل على ضمان حصانته ليتحرر من النفوذ الإيراني، هو أمر تفوق أهميته إحياء الاتفاق النووي". ويضيف أن أهمية ذلك تنبع "من تمكين العراق ليتحول إلى قوة موازنة لإيران في المنطقة". لكن مقاربة بايدن مختلفة وتنطلق من الاعتقاد أن منع إيران من امتلاك السلاح النووي يقلّص مخاطرها في المنطقة.
المشترك بين المقاربتين أن للعراق في كلتاهما وظيفة؛ بالنسبة للإدارة هو أحد جسور العبور إلى الاتفاق، وبالنسبة لخبراء الاستراتيجيا مثل كوردسمان، هو قوة توازن في الحسابات الأميركية. أما العراق البلد المستقل في قراره فهو ما زال يبحث عن نفسه.