سئل مؤخراً نائب الناطق الرسمي في الخارجية الأميركية فيدانت باتيل عما إذا كانت الإدارة تنوي تطبيق العقوبات المنصوص عليها في "قانون قيصر" ضد المطبّعين مع النظام السوري، كترجمة لموقفها المعترض على مثل هذا التوجه. كان جوابه أن واشنطن "لا تدعم هذا التطبيع ولا تؤيد من يُقدم عليه". تحاشى ذكر هذا القانون ولم يقل شيئاً عن موقف الإدارة من الجهات التي تخالفه. بذلك بدا أن الإدارة منفتحة ضمنياً على مثل هذا الاحتمال وأنها ليست في وارد التصدي الفعال له.
السؤال جاء على خلفية موقف ملتبس اتخذته الإدارة منذ بدايات التطبيع العربي مع النظام، والذي ازداد التباسه في الآونة الأخيرة التي شهدت زيارات رسمية متبادلة بين المسؤولين في النظام والعرب. وبالرغم من اقتراب موعد القمة العربية في جدة السعودية في 19 مايو/أيار الجاري وتوالي الإشارات إلى عودة سورية إلى الجامعة العربية، بقي الموقف على حاله، خاصة في الخارجية، لا تأييد ولا دعم. لكن من دون تحذير من العواقب.
الوزير أنتوني بلينكن كرر ذلك، يوم الجمعة الماضي، في تغريدة جدد فيها عدم الموافقة على التقارب مع النظام السوري، مشدداً على أن الانتقال السلمي للسلطة "هو الحل الحقيقي الوحيد لانهاء النزاع" في سورية.
كلامه الذي جاء عشية اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والذي خلا من أي تحذير من الإقدام على التطبيع، بدا وكأنه قبول مبطّن بقرار متوقع بعودة سورية إلى الجامعة. والأرجح أن واشنطن كانت على دراية مسبقة بصدوره، وكان إما أنه من المتعذر عليها إحباطه في هذه اللحظة بعد أن سبقتها الأحداث، وإما أنها وجدت نفسها أمام تطور جديد غير متصادم مع سياستها التي كانت دائما رمادية تعطي إشارات متناقضة. مرة تتحدث عن رفض التطبيع ومرة أخرى تنصح المطبعين بضرورة الحصول "على ثمن" من النظام السوري مقابل عودته إلى الصف العربي، مثل إلزامه "بإعادة النازحين ووقف تصدير الكبتاغون"، كما قالت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. وقد أثار هذا التذبذب الكثير من الانتقادات في الكونغرس كما في أوساط المتابعين والمطلعين على الملف السوري، مثل السفير والمبعوث الخاص السابق جيمس جيفري.
لكن في الواقع هذا الموقف ليس غير تعبير عن التوجه العام للإدارة في الشرق الأوسط، ولو جاء بإخراج ضبابي يقول الشيء وعكسه، وهذا ليس بجديد. أحيانا يحصل بقصد إرباك الآخر وأحيانا يعكس ارتباك الإدارة. لكنه يندرج عموماً في إطار خط معتمد في سياسة الإدارة تجاه المنطقة.
مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان أسهب في شرح هذا الخط خلال محاضرة ألقاها، مساء الجمعة الماضي، في "مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، التي تعتبر بمثابة المركز الفكري المكمل لمؤسسة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. قال سوليفان إن تعامل الإدارة مع المنطقة يتسم "بالواقعية" وينهض على "خمسة أركان"، مع تركيزه على "الدبلوماسية والتهدئة"، إلى جانب الشراكة والردع والتكامل وحقوق الانسان.
في شرحه بندَ الدبلوماسية والتهدئة، عرج على الأوضاع في ليبيا واليمن وإيران، مع تشديده على أن الإدارة ما زالت تفضّل الحل التفاوضي للنووي الإيراني باعتباره الأكثر ضمانة واستمرارية كما قال. من هذا التوجه، يأتي الموقف الملتوي والقابل عملياً وضمنياً بالتطبيع العربي مع النظام السوري، برغم الاستمرار في الخطاب الممانع الذي يبقى من دون ترجمة على الأرض.
قال سوليفان إن زيارته إلى السعودية تأتي للعمل على تعزيز أجواء التهدئة في المنطقة، إذ "ما زال هناك الكثير لإنجازه" في هذا الاتجاه ومن ضمنه "توسيع اتفاقيات أبراهام"، من دون أن يمرّ على الوضع الفلسطيني ولو بإشارة عابرة.
الإدارة تحاول ركب موجة التطبيع في المنطقة. باركت اتفاقيات التطبيع ورحبت، حسب زعمها، بالتطبيع السعودي الإيراني الذي فاجأها، من باب أنه يساهم في "الاستقرار وخفض التوتر" في المنطقة. والآن يأتي التطبيع العربي مع نظام الأسد الذي مرّ بضوء برتقالي أميركي حسب تقديرات العارفين، بصرف النظر عن رفضها المزعوم له. "طموحها" أن تتوصل إلى تطبيع نووي مع إيران.