أظهرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جدّيتها في التنسيق مع الأوروبيين لمواجهة روسيا، خصوصاً بما يتعلق بقضية المعارض أليكسي نافالني أولاً، ثم "الهجمات المتكررة على الديمقراطية الأميركية" ثانياً، بحسب أدبيات واشنطن.
وشهد اليوم، الثلاثاء، تناغماً أوروبياً ـ أميركياً في فرض العقوبات على روسيا، التي أعلنت عبر وزارة خارجيتها أنها ستردّ على أي عقوبات ضدها.
وفرضت واشنطن عقوبات على سبعة مسؤولين روس كبار، بينهم مدير جهاز الأمن الفدرالي الروسي، الكسندر بورتنيكوف، معلنة أن أجهزتها الاستخباراتية خلصت إلى وقوف موسكو خلف عملية تسميم نافالني الذي يقضي حالياً عقوبة بالسجن.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن الكسندر بورتنيكوف الذي يدير هذا الجهاز منذ العام 2008 هو أحد سبعة مسؤولين روس كبار ستجمد أصولهم في الولايات المتحدة.
وأعلن مسؤول أميركي كبير، بحسب "فرانس برس"، أنّ "أجهزة الاستخبارات خلصت بثقة عالية، إلى أن ضباطاً في أجهزة الأمن الفيدرالية الروسية استخدموا غاز أعصاب يعرف بـ(نوفيتشوك) لتسميم المعارض الأبرز للكرملين في 20 أغسطس/ آب 2020". وجدد الدعوة إلى "الإفراج الفوري ومن دون شروط" عنه.
وقال مسؤولون إنّ الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على "سبعة أعضاء كبار في الحكومة الروسية"، مع ترقب كشف المزيد من التفاصيل في وقت لاحق من اليوم.كما أفادوا بأنّ واشنطن ستحد من الصادرات إلى روسيا، فيما قال مسؤول آخر "سنوجه إشارة واضحة إلى روسيا أن ثمة عواقب واضحة لاستخدام الأسلحة الكيميائية". وأضاف المسؤول إن العقوبات على المسؤولين الكبار أقرت "بالتشاور الوثيق مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي" وتشكل "إشارة واضحة" موجهة إلى موسكو، وتابع المسؤول "نجدد دعوتنا لإطلاق سراح نافالني فوراً وبلا شروط".
مع العلم أنّ الولايات المتحدة تدرس إصدار أمر تنفيذي يطلق عقوبات بحق روسيا على خلفية الهجمات المتكررة على الديمقراطية الأميركية، بما في ذلك عملية القرصنة الإلكترونية، التي استهدفت شركة "سولار ويندز"، وعرض موسكو مكافآت مقابل قتل جنود أميركيين في أفغانستان. والعقوبات هي الأولى التي يفرضها بايدن على روسيا، في تعارض مع نهج سلفه دونالد ترامب في التعامل مع موسكو.
واتُّهم ترامب مراراً باتّباع نهج متساهل حيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو أمر تجلّى بدرجة إضافية خلال قمتهما في هلسنكي ـ فنلندا عام 2018، عندما أعرب عن دعمه لموقف بوتين، الذي أصر على أن موسكو لم تتدخل في انتخابات 2016 الأميركية، رغم إشارة أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى عكس ذلك.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد استبق الرد الروسي بالتأكيد على عدم تجاهل العقوبات. وقال لافروف في مؤتمر صحافي عقده بعد محادثاته مع نظيره الأوزبكي عبد العزيز كاميلوف، في وقت سابق من اليوم الثلاثاء: "سنرد عليها بالتأكيد. ولم يلغ أحد قواعد الدبلوماسية وهي المعاملة بالمثل".
وقبل إعلان العقوبات، ذكر الكرملين أن أي عقوبات أميركية جديدة لن تحقق هدفها، ولن تؤدي إلا إلى زيادة الاضطرابات في العلاقات المتوترة بالفعل. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن "أولئك الذين يواصلون الاعتماد على هذه الإجراءات، عليهم على الأرجح التفكير قليلاً بالأمر: هل يحققون أي هدف عبر مواصلتهم سياسة كهذه؟". وأضاف "الجواب واضح: لا تحقق سياسة كهذه أهدافها".
وبدوره، كان الاتحاد الأوروبي قد أقرّ، أمس الإثنين، عقوبات على أربعة مسؤولين روس رفيعين، ففرضت دوله الـ27 حظراً على السفر، وجمّدت أصولاً في أوروبا لرئيس لجنة التحقيق في روسيا الاتحادية ألكساندر باستريكين، والمدعي العام إيغور كراسنوف، ورئيس الحرس الوطني فيكتور زولوتوف، ورئيس هيئة السجون ألكسندر كالاشينكوف. وأعلن الاتحاد أنّ الأربعة استُهدفوا "لدورهم في الاعتقال العشوائي والمحاكمة والحكم على نافالني، فضلاً عن قمع الاحتجاجات السلمية المرتبطة بمعاملته غير القانونية".
واتخذ الضغط على روسيا أبعاداً أممية، بعد إعلان المُقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنيّة بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أغنيس كالامار، أمس الاثنين، خلال مؤتمر صحافي حول تسميم المعارض الروسي، أن "روسيا مسؤولة عن محاولة اغتيال نافالني". وأكدت أن جهات حكومية وحدها قادرة على الحصول على مادة "نوفيتشوك" وتملك الخبرة الكافية لتطوير "التركيبة الجديدة" من المادة التي عُثر عليها في عينات تعود للمعارض.
وأضافت أن نافالني كان يخضع لـ"المراقبة المكثفة" من الاستخبارات الروسية لدى تسميمه "ما يجعل، في رأيي، تمكن طرف آخر من القيام بذلك دون علم السلطات الروسية، أمراً مستبعداً". وفي بيان مشترك، طلبت كالامار والخبيرة في حرية الرأي والتعبير إيرين خان "الإفراج الفوري" عن نافالني وفتح تحقيق دولي حول تسميمه.
وأفاد البيان بأنه "نظراً إلى الاستجابة غير الكافية من قبل السلطات المحلية واستخدام أسلحة كيميائية محظورة، والنمط الواضح في محاولات القتل المستهدفة، نعتقد أنه ينبغي فتح تحقيق دولي بشكل عاجل للتأكد من الوقائع وإيضاح جميع ملابسات تسميم السيد نافالني". وشددتا على أنه "يرجح أن يكون ممثلون في الحكومة وعلى مستوى رفيع متورطين" في هذه العملية. وأشارت خان إلى أن الدعم المقدم منها ومن كالامار يعود "لانتهاك حق نافالني في الحياة وحقه أيضاً في عدم التعرض للتعذيب".
واعتقل نافالني في يناير/ كانون الثاني الماضي لدى عودته من ألمانيا بعد تعافيه من التسميم بغاز الأعصاب. وفي فبراير/ شباط الماضي، حكمت محكمة على نافالني بالسجن عامين و8 أشهر، لانتهاك شروط إطلاق سراحه المشروط بكفالة عندما نُقل إلى ألمانيا. ويتعلق الحكم بإدانة في قضية احتيال عام 2014 يصفها نافالني بالمفبركة. وسبق للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن قضت بعدم مشروعية الإدانة.
(أسوشييتد برس، فرانس برس، رويترز)