واشنطن تطرق أبواب الشمال السوري... ومزيد من تراجع أسهم الهجوم التركي

20 ديسمبر 2022
جندي أميركي في الحسكة، يوليو الماضي (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تشي المعطيات في سورية بدخول أميركي على خط الأزمة في الشمال، ما قد يغيّر الوضع بشكل كبير، في ظل تهديد تركي بتنفيذ عملية عسكرية هناك لإبعاد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) عن الحدود ولمسافة 30 كيلومتراً.

واشنطن عازمة على العودة للشمال السوري

وبعدما كانت موسكو قد أعلنت نجاحها بوقف العملية التركية راهناً، إثر وساطة قادتها بين أنقرة و"قسد"، برزت في اليومين الماضيين تسريبات عن ضغوط من واشنطن دفعت أنقرة للتراجع عن هجومها، مع حديث عن عزم الولايات المتحدة العودة إلى المناطق التي انسحبت منها في شمال شرقي سورية قبل ثلاثة أعوام، وذلك فيما لا يبدو أن "قسد" قد وافقت بعد على المقترح الروسي للانسحاب من مناطق عدة شرقي الفرات وغربه، وتسليمها للنظام السوري.

ونقل موقع "باسنيوز" الإخباري الكردي عن "مصدر مقرب من قسد" قوله إن "روسيا وإيران وتركيا تمارس ضغوطاً كبيرة على "قسد" لتسليم كوباني (عين العرب) ومنبج للنظام السوري"، مؤكداً أن "قسد لن تسلم المنطقة من دون اتفاق حول مستقبل المنطقة".

وأوضح المصدر أن "ضغوط أميركا أجبرت تركيا على التراجع عن هجومها العسكري البري على شمال سورية"، مضيفاً: "لكن كل الخيارات لا تزال مفتوحة، وقسد مستعدة لأي حرب جديدة في المنطقة".

الأميركيون بصدد العودة إلى منبج وعين العرب بشكل علني ورسمي

وكان الجانب التركي قد طالب بانسحاب "قسد" من ثلاث مناطق هي: تل رفعت في ريف حلب الشمالي، ومنبج وعين العرب (شرق الفرات) شمال غربي حلب، وتسليمها لقوات النظام والجانب الروسي كيلا يشن عملية عسكرية ربما لا تتوقف عند هذه المناطق.

وفي سياق متصل، نقل "باسنيوز" أمس الاثنين، عن مصدر كردي سوري قوله إن الولايات المتحدة تنوي العودة إلى المناطق التي انسحبت منها في شمال شرقي سورية. وقال المصدر "المقرب من قسد" إن "أميركا بدأت ببناء قاعدة عسكرية لها على ضفة نهر الفرات، بالقرب من مقر قوى الأمن الداخلي (الأسايش) في مدينة الرقة".

وأضاف المصدر أن "الأميركيين بصدد العودة إلى منبج وكوباني في شمال سورية في المستقبل، وبشكل علني ورسمي". وأوضح أن "الجانب الأميركي أبلغ قسد أن لديه مشروعاً للعودة وبناء نقاط له في جميع المناطق المذكورة، من دون أن يحدد أي موعد لذلك".

وقال المصدر إن "عودة الأميركيين إلى المنطقة من جديد لها تبعات إيجابية وموضع اطمئنان لدى قسد، مما يدل على أنه ليست لدى واشنطن أي نيّة للانسحاب من المنطقة في الوقت الحالي".

وكان الجانب الروسي قد حاول التوسط بين أنقرة و"قسد" للحصول على مكاسب للنظام السوري الذي يعمل على تعزيز وجوده العسكري في ريف حلب الشمالي. لكن صحيفة "الوطن" الموالية للنظام قالت إن "واشنطن واصلت بث رسائل الطمأنة لحليفتها قسد، عن معارضتها شن الإدارة التركية عدواناً برياً ضد مناطق نفوذها شمالي البلاد".

وكان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، قد أجرى مطلع الشهر الحالي، محادثات في مدينة إسطنبول مع نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، حول مجمل الأوضاع السياسية والعسكرية في سورية. ويبدو أن موسكو قدمت لأنقرة مقترحات للحيلولة دون قيام الأخيرة بشن عمل عسكري.

ومن جملة المقترحات الروسية، الإبقاء على قوى الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة لـ"الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، من خلال دمجها بالمؤسسة الأمنية للنظام.

ويبدو أن موسكو تؤيد انسحاب "قسد" من تل رفعت ومنبج وعين العرب ذات الغالبية الكردية من السكان، بشرط أن تؤول هذه المناطق إلى النظام، وفق ترتيبات أمنية وعسكرية مع "قسد". وكان نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، قد أعلن أن موسكو تواصل إقناع أنقرة بعدم بدء عملية برية في سورية، مشدداً على أن هناك نجاحات في هذا الاتجاه.

تراجع فرص الهجوم التركي

وفي السياق، قال حسن محمد علي، وهو عضو الهيئة التنفيذية في "مجلس سوريا الديمقراطي" (مسد، وهو الذراع السياسية لقسد)، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الشمال السوري لم يعد مهدداً في الوقت الراهن بعملية عسكرية تركية"، مستدركاً بالقول: "ولكن لا يمكننا القول إن العملية خرجت من جدول أعمال الحكومة التركية".

ولفت إلى أنه "نتيجة التناقضات السياسية الموجودة في العالم لم يحصل الجانب التركي على ضوء أخضر من موسكو وواشنطن لشن عملية جديدة ضد قوات سوريا الديمقراطية في شرق وغرب نهر الفرات".

وأشار محمد علي إلى أن "الموقف الروسي العلني ليس مع أي هجوم بري تركي في شمال سورية، وكذلك هو موقف المؤسسات الأميركية من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى الكونغرس إلى البيت الأبيض"، مضيفاً أن "أي هجوم يخلق الفوضى التي تنعش تنظيم داعش".

وبيّن أن موسكو "تريد عودة النظام إلى شمال شرقي سورية لوضع حد لأي تهديد تركي"، مشدّداً على أنه "نريد حواراً حول مصير المنطقة في المستقبل قبل أي عودة للنظام".

من جهته، أشار المحلل السياسي فريد سعدون، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن لعين العرب "رمزية لذا من المستحيل أن تنسحب منها قسد"، مضيفاً: "أي انسحاب يعد ضربة في صميم هذه القوات. أي هجوم من الأتراك على عين العرب سيُقابل بمقاومة عالية". وتابع: "يمكن أن تسحب قسد الأسلحة الثقيلة وتبقى الإدارة الذاتية والأسايش".

فريد سعدون: الإيرانيون لن يقبلوا بوجود تركي في تل رفعت

وأشار سعدون إلى أن وجود "قسد" في تل رفعت "رمزي"، مضيفاً: "ليس لعين العرب ومنبج أهمية بالنسبة لقسد، ولكن الإيرانيين لن يقبلوا بوجود تركي في تل رفعت، كونها قريبة من بلدتي نبّل والزهراء الشيعيتين الواقعتين تحت النفوذ الإيراني".

ورأى الباحث السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "ربما هناك وعود أميركية قوية جديدة لقسد غيّرت موقف هذه القوات من الوساطة الروسية".

ولم يستبعد مسلم حدوث "تقارب" بين "قسد" والجانب التركي برعاية أميركية: "بعد رفض بشار الأسد عقد لقاء قمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، مستدركاً: "في السياسة هناك مفاجآت".

ورأى أن "تركيا تبحث عن شرعية لبقائها داخل الأراضي السورية"، ومؤكداً أنه "في حال عقد أي اتفاق بين الجانب التركي وقوات سورية الديمقراطية، برعاية من الولايات المتحدة، فسيكون الوجود العسكري التركي في شمال سورية شبيهاً بالوجود التركي الحالي في إقليم كردستان العراق".

غير أن مسلم رأى أن هناك بعض القضايا العالقة بين أنقرة و"قسد"، أبرزها "تسوية أوضاع المطلوبين من قبل تركيا المتهمين بالانتساب إلى حزب العمال الكردستاني والموجودين في الشمال الشرقي من سورية".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون