بعد أربعين عاماً على ثورة أطاحت والده المستبد وأجبرته على الهرب مع عائلته إلى الخارج على متن طائرة عسكرية أميركية، توجه الرئيس الفيليبيني الحالي، فرديناند ماركوس جونيور، بطائرته الرئاسية إلى واشنطن، حيث استُقبل بحفاوة ووُصف بأنه أفضل شريك.
وجاء اللقاء بين ماركوس الابن، الذي كان يبلغ 28 عاماً عندما فرّ إلى الولايات المتحدة، والرئيس جو بايدن مطلع الأسبوع الجاري، ليتوج أشهر مشاورات سياسية مكثفة في واشنطن، التي تسعى لتعزيز تحالفاتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة القوة المتنامية للصين.
وقبل إسقاطه في 1986، حكم والد ماركوس الراحل الفيليبين بقبضة من حديد لمدة عشرين عاماً بدعم من واشنطن، التي كانت تعتبره سداً أمام انتشار الشيوعية خلال الحرب الباردة.
وفي ذلك الوقت كان للولايات المتحدة قاعدتان عسكريتان كبيرتان شمال العاصمة الفيليبينية مانيلا، استخدمتهما لنشر قواتها في حرب فيتنام. وقد أُغلقت القاعدتان في بداية تسعينيات القرن الماضي، لكن سُمح للقوات الأميركية في وقت لاحق بالعودة إلى الفيليبين لإجراء مناورات وتدريبات مشتركة.
وبعد وفاة والده في 1989، عاد فرديناند ماركوس جونيور مع أفراد أسرته إلى البلاد، حيث بدأوا جهود عودتهم إلى الساحة السياسية التي توجت في 2022 بفوزه بالانتخابات الرئاسية، وسهلت فوزه في الانتخابات حملة تضليل واسعة على الإنترنت صورت عهد الحكم الديكتاتوري لوالده على أنه العصر الذهبي للأرخبيل.
كان الرئيس الفيليبيني السابق، رودريغو دوتيرتي، قد تنكر خلال ولايته التي استمرت ست سنوات للتحالف مع الولايات المتحدة. وخلال حملته بدا ماركوس متردداً أيضاً في معارضة الصين بشأن النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي.
وبعد فوزه في الانتخابات، تبنّى سياسة خارجية على قطيعة مع سلفه، مشيراً إلى أنه يريد علاقات أقوى مع الولايات المتحدة، بينما أقسم أنه لن يسمح للصين بالاعتداء على الحقوق البحرية لبلاده.
ووُسِّع اتفاق موقع في 2014 يسمح للقوات الأميركية باستخدام خمس قواعد عسكرية فيليبينية، كانت متوقفة عن العمل في عهد دوتيرتي، ليشمل أربعة مواقع إضافية يقع أحدها بالقرب من بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، وآخر غير بعيد عن تايوان.
وتُطالب بكين ببحر الصين الجنوبي بأكمله تقريباً، متجاهلة حكماً دولياً صدر في 2016، ويؤكد أن لا أساس قانونياً لمطالبها، وجندت الصين وعسكرت آلاف الهكتارات من الشعاب المرجانية هناك في السنوات العشر الماضية.
وخوفاً من إغضاب بكين، أكبر شريك تجاري لبلاده، عبّر فرديناند ماركوس جونيور عن موقف وقائي قبل وصوله إلى الولايات المتحدة، هذا الأسبوع، بتأكيده أن بلاده لن تستخدم قاعدة لعمل عسكري.
وقال المحلل السياسي ريتشارد هيدريان إن ماركوس يريد "تعاوناً كافياً مع واشنطن حتى يكون للفيليبين ورقة مساومة وقدرة ردع محددة ضد الصين، ولكن ليس تعاوناً واسعاً، يمكن أن يستفز الصين".
ورأى أندريس باوتيستا، الذي ترأس وكالة حكومية فيليبينية مكلفة تعقب الثروة غير المشروعة لعائلة ماركوس، أن زيارة ماركوس الابن للبيت الأبيض، وهي الأولى منذ أكثر من عقد، دليل على "تغلب البراغماتية على المبادئ".
وفرديناند ماركوس الأب وزوجته إيميلدا متهمان بنهب خزائن الدولة والإشراف على انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. ورفعت عشرات الدعاوى القضائية ضد الأسرة في الولايات المتحدة والفيليبين، لكن لم يسجن أي من أفرادها.
وما زال فرديناند ماركوس الابن يخضع لقرار صدر عن القضاء الأميركي بتهمة ازدراء المحكمة، إذ لم تدفع الأسرة التعويضات المفروضة لآلاف من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في عهد الديكتاتورية.
وفي 1986، وقبيل انهيار نظام ماركوس، اتهم السناتور جو بايدن الديكتاتور وأنصاره بممارسة "عمليات تزوير وترهيب وعنف واسعة النطاق" في انتخابات كانت "غير حرة ولا نزيهة"، كما تظهر سجلات الكونغرس. لكن عندما رحب بماركوس في المكتب البيضوي، قال بايدن: "لا يمكنني أن أحلم بشريك أفضل منك".
(فرانس برس)