تمكنت إيران ووكلاؤها من شن هجمات على القوات الأميركية في سورية من خلال شحنات أسلحة سرية مخبأة داخل مساعدات إنسانية تدفقت إلى المنطقة بعد زلزال فبراير/شباط الكارثي، الذي أودى بحياة عشرات الآلاف، وفقاً لمخابرات أميركية سرية، ومسؤول عسكري إسرائيلي مطلع على الأمر.
وتثير هذه النتائج، التي وردت في تسريبات لمعلومات سرّية أميركية تم تداولها على منصة "ديسكورد"، وحصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست"، تساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على اعتراض أسلحة من مصادر إيرانية تستخدم بشكل روتيني لاستهداف أفراد أميركيين، وقوات شريكة، ومدنيين في الشرق الأوسط.
وتضخم الوثيقة السرية للغاية، التي لم يتم الكشف عنها من قبل، تقارير سابقة عن جهود إيران المزعومة لإخفاء المعدات العسكرية الدفاعية داخل شحنات المساعدات إلى سورية، بعد كارثة فبراير، التي دمرت ذلك البلد وتركيا المجاورة.
وذهب تقرير "واشنطن بوست"، الأحد، إلى أن مسؤولا دفاعيا أميركيا، طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة الإفصاحات الحساسة، رفض التطرق إلى صحة الوثيقة، لكنه قال إن النشاط الذي تصفه يتوافق مع الجهود السابقة التي بذلها الحرس الثوري الإيراني "لاستخدام المساعدات الإنسانية التي تذهب إلى العراق وسورية كوسيلة لإيصال المواد إلى الجماعات التابعة للحرس الثوري الإيراني".
ولم ترد بعثة إيران لدى الأمم المتحدة على طلب للتعليق من الصحيفة الأميركية.
وفي الشهر الماضي، قال مسؤولون إيرانيون لوكالة رويترز للأنباء إن تقريرها، الذي يوضح بالتفصيل استخدام طهران المزعوم لطائرات الشحن لتهريب أنظمة الدفاع الجوي إلى سورية، تحت ستار المساعدة لمواجهة آثار الزلزال، "غير صحيح". وكانت "رويترز" قد عزت تقاريرها إلى تسعة أشخاص في سورية وإيران وإسرائيل والغرب.
ويشمل تهريب إيران المزعوم للأسلحة الهجومية إلى سورية، أسلحة صغيرة غير محددة، وذخيرة وطائرات بدون طيار، وفقا لتقييم الاستخبارات الأميركية المسرب. وتقول الوثيقة، بحسب "واشنطن بوست"، إن عمليات التسليم هذه تمت باستخدام قوافل سيارات من العراق بالتنسيق مع جماعات مسلحة صديقة هناك، و"فيلق القدس"؛ وحدة التدخل السريع الإيرانية المتخصصة في إدارة المقاتلين بالوكالة وجمع المعلومات الاستخباراتية.
عبر العراق
أكد المسؤول العسكري الإسرائيلي للصحيفة، والذي اشترط أيضاً عدم الكشف عن هويته لمناقشة معلومات حساسة، أن "فيلق القدس" متورط في هذا النشاط.
في أعقاب الزلزال مباشرة، تحركت إيران والشركات التابعة لها بسرعة لاستغلال الفوضى، كما تؤكد وثيقة المخابرات المسربة.
في فبراير، وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد يوم واحد من الكارثة التي حطمت عشرات المنازل والمباني الأخرى، وتبعتها جهود إنقاذ يائسة، قامت مجموعة من المليشيات المتمركزة في العراق "بتدبير نقل بنادق وذخيرة و30 طائرة بدون طيار، مخبأة في قوافل مساعدات لدعم الهجمات المستقبلية على القوات الأميركية في سورية".
ويتابع تقرير الصحيفة، أن الوثيقة المسربة تشير إلى أنه في فبراير، وفي 13 نوفمبر، وجّه ضابط في "فيلق القدس" مجموعة من المليشيات العراقية بـ"تضمين الأسلحة في المساعدات المشروعة للزلازل"، وإلى أن ضابطاً آخر في ذات الفيلق احتفظ بـ"المئات" من المركبات والبضائع التي دخلت سورية من العراق بعد الزلزال، في جهد واضح لإدارة المكان الذي كانت تتجه إليه الأسلحة المهربة.
كما يشير التقييم الأميركي المسرب إلى تورط "رئيس أركان الجيش الشعبي" (أبو فدك المحمداوي)، وهو مسؤول كبير في قوات "الحشد الشعبي" العراقية. وتتلقى المليشيات الشيعية، المتحالفة في كثير من الحالات مع إيران، تمويلاً حكومياً عراقياً من خلال هيئة حكومية رسمية، وهي لجنة "الحشد الشعبي".
ونفى "الحشد" الادعاءات بأن الشركات التابعة له استخدمت شحنات المساعدة الإنسانية كقناة لتسليم الأسلحة. وقال مؤيد السعدي، المتحدث باسم الحكومة العراقية، إن حزم المساعدات كانت مرخصة من قبل الحكومة العراقية، ووصلت إلى السوريين المحتاجين. وأكد أن مثل هذه المزاعم " لن تثني الشعب العراقي عن مساعدة الأشقاء السوريين والوقوف معهم في محنتهم الإنسانية، بعيدا عن أي اعتبارات سياسية أو غيرها".
وبرأي "واشنطن بوست"، تسلط النتائج الاستخباراتية المسربة الضوء على حقيقة غير مريحة، "أنه حتى مع استمرار 250 من القوات الأميركية في الخدمة في العراق كمستشارين، يعملون جنباً إلى جنب مع الجيش العراقي، تبدو الحكومة في بغداد غير راغبة في ملاحقة مسلحي "الحشد الشعبي" الذين يشكلون تهديداً لكلا الجيشين.
وتولى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني منصبه العام الماضي بدعم من جماعات مرتبطة بإيران. ورفض متحدث رسمي تقديم رد على الوثيقة. لكن مسؤولاً كبيراً في مكتبه نفى النتائج التي توصلت إليها الوثيقة الأميركية ووصفها بأنها "مزيفة"، وقال إنه لا توجد ذريعة ضرورية لتزويد جماعات في سورية تعمل مع إيران بالأسلحة، وفق الصحيفة.
وتشير الصحيفة إلى دور إسرائيلي في التعامل مع هذه التحركات الإيرانية، حين تؤكد أن الوثائق الاستخباراتية المسربة تذهب إلى أن إسرائيل استهدفت قوافل يشتبه في أنها تنقل أسلحة إلى سورية ولبنان، لكن خطر ضرب شحنات إنسانية حسنة النية يشكل تحديات. من "المحتمل جدا "أن يواصل الإسرائيليون جهود المنع، لكنهم يحتاجون إلى "تأكيد استخباراتي أكثر صرامة قبل ضرب شحنات المساعدات المزعومة"، كما تقول الوثيقة.
الهجوم على القوات الأميركية في سورية
في سورية، حيث يعمل حوالي 900 جندي أميركي مع القوات المحلية لـ"خنق عودة تنظيم داعش". وتنقل الصحيفة عن مسؤولين أميركيين أن التهديد من الجماعات المتحالفة مع إيران مستمر.
ففي مارس / آذار، على سبيل المثال، قتل متعاقد أميركي يعمل في قاعدة هناك من خلال، ما قال البنتاغون، إنها طائرة بدون طيار إيرانية الصنع. وأصاب الهجوم متعاقدا آخر في القاعدة، وأصيب العديد من أفراد الخدمة الأميركية بجروح في الرأس، جراء الانفجار.
وقال مسؤول الدفاع الأميركي إن المسؤولين الأميركيين واثقون من أن الطائرة بدون طيار التي قتلت المتعاقد سكوت دوبيس لم يتم تهريبها إلى البلاد في إحدى قوافل مساعدات الزلزال، رافضا تقديم مزيد من التفاصيل.
بعد وقت قصير من وفاة دوبيس، قصفت الطائرات المقاتلة الأميركية المليشيات المدعومة من إيران، والتي يعتقد أنها مسؤولة عن الهجوم، مما دفع الرئيس جو بايدن إلى توجيه تحذير صارم لطهران، الذي قال إن الولايات المتحدة ستردّ بقوة على الهجمات العنيفة على الأفراد الأميركيين.
وقال مايك دوبيس، الأخ الأكبر لسكوت دوبيس، للصحيفة، إن المسؤولين الأميركيين لم يقدموا لعائلته أي تفاصيل حول التحقيق. وقال إن الافتقار إلى المعلومات كان محبطاً، لأنه لا تزال هناك أسئلة خطيرة حول كيفية تمكن المتشددين من اختراق دفاعات قاعدة عسكرية أميركية.
وقال مايك دوبيس: "يبدو أنه لا يتم عمل ما يكفي لمنع ذلك".