غزو أوكرانيا الأبرز يتصدر تقرير "هيومن رايتس ووتش" لعام 2022: "ازدواجية معايير" في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها السنوي، إنّ عام 2022 شهد سلسلة طويلة من الأزمات في حقوق الإنسان، مشيرة إلى تصاعد الانتهاكات التي ترتكبها الحكومات في عدد من البلدان، في ظل تغاضي القوى الكبرى عن الالتزام والدفاع عن حقوق الإنسان.
وسلّطت المنظمة الضوء على العلاقة بين تردي حقوق الإنسان والاستبداد السياسي قائلة "يستغل المستبدون الوهم الذي يروّجون له بأن وجودهم ضروري للحفاظ على الاستقرار، والذي يبرر بدوره ما يرتكبون من قمع وانتهاكات حقوقية واسعة بمحاولتهم الحفاظ عليه".
وقالت المنظمة إنّ التعبئة الدولية المكثفة للدفاع عن حقوق الإنسان في أوكرانيا منذ الغزو الروسي، يجب أن تتكرر في بلدان أخرى تنتهك فيها هذه الحقوق.
وفي هذا التقرير المؤلف من أكثر من 700 صفحة والذي يشير إلى إدانة انتهاكات حقوق الإنسان، توثق المنظمة "سلسلة الانتهاكات" التي ارتكبت في 2022 في العالم، من الصين إلى أفغانستان مروراً بإيران وإثيوبيا وأوكرانيا.
وأكدت المديرة التنفيذية بالإنابة في "هيومن رايتس ووتش" تيرانا حسن، في مقابلة مع وكالة فرانس برس "وسط ضباب الحرب والظلام الذي رأيناه في هذه الحرب في أوكرانيا، كان هناك ضوء ساطع: إنه الاستجابة الدولية والتزام العدالة الدولية".
يغطّي التقرير العالمي 2023 لـ @hrw_ar أحداث حقوق الإنسان لعام 2022 في أكثر من 100 دولة حول العالم.
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) January 12, 2023
فكيف كان أداء البلد الذي تعيشون فيه؟ https://t.co/U1KltH6AW9#الحقوق2023 pic.twitter.com/fCUJfKOwo9
واتّهمت المنظمة غير الحكومية في تقريرها الدول بـ"ازدواجية المعايير" في التحرك في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب في العالم.
واستشهدت على سبيل المثال، بالرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعاد العلاقات مع السعودية في خضم أزمة الطاقة بعدما تعهّد جعلها دولة "منبوذة" أو حتى أوروبا التي تفتح ذراعيها للاجئين الأوكرانيين لكنها تتعامل بطريقة أكثر تشدداً مع لاجئين من دول أخرى مثل السوريين والفلسطينيين والأفغان والصوماليين.
وبحسب التقرير، فإنّ الغزو الروسي لأوكرانيا صعّد الأجندة الحقوقية إلى الواجهة بسبب الفظائع التي ارتكبت بحق حقوق الإنسان عام 2022، مشيرة إلى رصد الأمم المتحدة جرائم حرب بحق المدنيين في أوكرانيا، واستهداف القوات الروسية للبنية التحتية في أوكرانيا، وقمع الناشطين المناهضين للحرب في روسيا.
وأضافت أنّ الخسائر في أرواح المدنيين في أوكرانيا "لم تكن مفاجئة للسوريين الذين عانوا من انتهاكات جسيمة من الضربات الجوية بعد تدخل روسيا لدعم نظام الأسد عام 2015".
وفيما أكدت المنظمة أنّ "سبب تصاعد الانتهاكات الروسية يعود بشكل مباشر إلى شعور الرئيس فلاديمير بوتين بالإفلات من العقاب"، إلا أنها أشارت إلى بروز تداعيات إيجابية أعادت الاهتمام بحقوق الإنسان مثل فتح مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحقيقاً فورياً لتوثيق الأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان في الحرب، واختياره مقرراً خاصاً لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان داخل روسيا، وإدانة الجمعية العامة للأمم المتحدة أربع مرات بأغلبية الغزو الروسي وانتهاكات روسيا لحقوق الإنسان، وتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، عدا عن ترحيب الدول الأوروبية باللاجئين الأوكرانيين، رغم ظهور ازدواجية في التعامل مع اللاجئين غير الأوروبيين.
إثيوبيا
إلى ذلك، قالت "هيومن رايتس ووتش"، إنّ النزاع المسلح شمالي إثيوبيا "لم يحظ سوى بجزء ضئيل من الاهتمام العالمي المركّز على أوكرانيا، رغم عامين من الفظائع، بما فيها عدد من المذابح، من قبل الأطراف المتحاربة".
ولفت التقرير إلى أبرز الانتهاكات مثل فرض الحكومة قيوداً شديدة على وصول المحققين الحقوقيين والصحافيين إلى المناطق المتضررة من النزاع في تيغراي، ما صعّب التدقيق في الانتهاكات التي تتكشف، حتى مع امتداد النزاع إلى منطقتي أمهرة وعفار المجاورتين.
وأكد التقرير استمرار حصار الحكومة الفعلي لمنطقة تيغراي حتى العام 2022، ما حرم السكان المدنيين من الحصول على الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية الضرورية، فضلاً عن الكهرباء، والمصارف، والاتصالات، في انتهاك للقانون الدولي.
وأدانت الحكومات والأمم المتحدة عمليات القتل بإجراءات موجزة، والعنف الجنسي الواسع، والنهب، "لكنها لم تفعل شيئاً آخر يذكر"، بحسب المنظمة.
وتابع التقرير "منعت الدول الأفريقية الثلاث المنتخبة في مجلس الأمن الدولي، الغابون، وغانا، وكينيا، وكذلك روسيا والصين، وضع إثيوبيا على جدول أعماله الرسمي للمناقشة، رغم صلاحية المجلس بحفظ السلام والأمن الدوليين واستعادتهما"، كما ترددت الحكومات في تبني عقوبات مستهدِفة ضد الكيانات والأفراد الإثيوبيين المسؤولين عن الانتهاكات.
ودعت المنظمة الجهات الرئيسية الداعمة والمراقِبة للاتفاقية بين قوات تيغراي والحكومة الإثيوبية، بما فيها الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة، إلى مواصلة الضغط لضمان قدرة منظمات التحقيق المستقلة على الوصول إلى مناطق النزاع وتوثيق الأدلة وحفظها ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات.
الصين
واستهل التقرير عرض الانتهاكات في بكين بالحديث عن تمديد ولاية الرئيس شي جين بينغ "زعيماً مدى الحياة"، وإحاطة نفسه بالموالين ومضاعفة جهوده في بناء دولة أمنية.
أما عن الإيغور، فأكد تقرير المنظمة استمرار بكين احتجاز نحو مليون من الإيغور وغيرهم من المسلمين، الذين يتعرضون للتعذيب، والتلقين السياسي، والعمل القسري، مع فرض قيود شديدة على حقوق الدين والتعبير والثقافة لعامة السكان.
وبحسب "هيومن رايتس ووتش" فإنّ تقرير المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة آنذاك، ميشيل باشليه، حول وضع حقوق الإنسان في الصين أنشأ نقطة مرجعية مشتركة حاسمة ينبغي للحكومات أن تعمل من خلالها.
ويضيف التقرير أنّ تسليط الضوء الجماعي على حالة حقوق الإنسان الفظيعة في شينجيانغ إلى وضع بكين في موقف دفاعي، دفع الحكومة الصينية للعمل جاهدة لتبرير سلوكها.
ودعا التقرير قيادة الأمم المتحدة إلى "استخدام ثقلها السياسي الكامل لدعم التقرير ومواصلة المراقبة والتوثيق وتقديم التقارير عن الوضع في شينجيانغ، وعلى نطاق أوسع في الصين".
فلسطين وإيران وسريلانكا واليمن وميانمار
وعرّج التقرير إلى قمع القوات الإيرانية التظاهرات التي خرجت عقب مقتل مهسا أميني، وكذلك الاحتجاجات وقمعها في سريلانكا وتخلي السلطات عن تحقيق العدالة، إضافة إلى الحرب على اليمن، والفصل العنصري الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، والانقلاب في ميانمار.
السودان
وأكد تقرير المنظمة عرقلة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الانتقال الديمقراطي، مشدداً على ضرورة النظر في مطالب المدنيين مثل المطالبة بالعدالة وإنهاء الإفلات من العقاب، وأهمية اتخاذ إجراءات دولية ضد الانقلابيين لإجبارهم عن التنازل عن السلطة.
وختاماً، قالت المنظمة إنّ حجم أزمات حقوق الإنسان، ونطاقها، وتكرارها في جميع أنحاء العالم "يظهر مدى الحاجة الملحة إلى وضع إطار جديد ونموذج جديد للعمل"، مؤكدة مسؤولية كل حكومة وسلطة حماية حقوق الإنسان وتعزيز احترامها.