هيئة تحرير الشام... عن إعادة تموضع أيديولوجي

18 ديسمبر 2024
عناصر من هيئة تحرير الشام في حلب، 2 ديسمبر 2024 (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ 2017، شهدت هيئة تحرير الشام تحولات في إدلب، حيث أعادت التموضع الإيديولوجي لتقديم نفسها كحركة وطنية، مما ساهم في ضبط سلوك المقاتلين ومنع النهب والنزوح الجماعي.

- قطعت الهيئة الروابط مع تنظيم القاعدة والجهاد العالمي، وأعادت التواصل مع المجال المحلي بتأسيس حكومة الإنقاذ السورية، مركزة على التعاون مع النخب المحلية لتقويض نفوذ الحرس السلفي الجهادي.

- تواجه الهيئة تحديات في الانتقال لحكم وطني بدمشق، تتطلب معالجة التنوع الطائفي والسيطرة على الجماعات الجهادية، مع التكيف لتعزيز سلطتها كبديل وطني.

دفعت الأصول الجهادية لهيئة تحرير الشام، لكونها الفصيل الذي يقف وراء الهجوم الذي أدى إلى سقوط نظام بشار الأسد، العديد من المعلقين إلى اعتبارها مجرد مسخ لتنظيم القاعدة. غير أن تجربة الحوكمة التي تقودها المجموعة منذ 2017 في إدلب أسفرت عن تحولات تجعل تصنيف الهيئة اليوم أمراً معقداً. يقدم الباحث باتريك هيني، الذي يتردد على إدلب منذ 2019، تحليلاً في هذا الصدد من خلال إجاباته التي جمعها كل من سيلفان سيبيل وسارة قريرة. سقوط حلب بين يدي هيئة تحرير الشام، الذي كان الخطوة الأولى الحاسمة نحو سقوط نظام بشار الأسد، هو نتيجة لتطور مزدوج. يتمثل الأول في التعفن البطيء لمؤسسات الدولة، والذي انعكس في عجز النظام عن الرد على هجوم شارك فيه بالكاد 250 مقاتلاً. وكانت العديد من الدول، خصوصاً الغربية منها، قد بنت سياستها السورية على أساس استمرار النظام، الأمر الذي يسمح بالحفاظ على مؤسسات الدولة وتجنّب الفوضى. لكن في الواقع، حدث العكس. فمنذ أكثر من عشر سنوات، قاد النظام عملية طويلة في تقويض المؤسسات العامة: خصخصة وحشية، وافتراس على نطاق واسع، تقوية المليشيات على حساب الجيش، واقتصاد قائم على الاتجار بالمخدرات.

وقد تجلّى ذلك على الجبهة العسكرية حيث البيروقراطية العسكرية فاشلة، وسلاسل قيادة لا تعمل وأوامر لا تصل. كما لم يكن هناك تواصل بين الخطوط الأمامية ومستودعات التخزين أيضاً. في مواجهة الحرب الخاطفة التي شنتها قوات المتمردين بقيادة حركة تحرير الشام، لم يكن الجيش قادراً على إعادة تجميع صفوفه. على الأرض، امتنع الرجال عن القتال، وتعطلت الدبابات بسبب نقص الوقود حيث إن الاحتياطيات كانت قد بيعت في السوق السوداء من قبل الجنود، وهم غالباً من المجندين الشباب السنّة، ومن قبل ضباطهم الذين يتقاضون أجوراً زهيدة. أما المليشيات العلوية، ومع اقتراب المعارك من حمص، فلم تعد مستعدة لتحمل المزيد من سفك الدماء في صفوفها.


عرف الجولاني كيف يبدو بمظهر الزعيم الوطني من خلال رسائل استرضاء الأقليات

"تسيير جيد للحرب"

أما التطور الثاني الذي يفسر نجاح الاستيلاء على حلب، وبعدها بقية البلاد، فهو إسقاط لإعادة التموضع الإيديولوجي على ساحة المعركة، والذي باشرته قيادة هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب منذ 2017. ففي اتصالاته مع المدنيين، عرف أبو محمد الجولاني كيف يبدو بمظهر الزعيم الوطني، من خلال رسائل استرضاء تجاه المجموعات المحلية، المسيحية والشيعية، ورفضه الانخراط في القتال ضد الأكراد في معاقلهم الحلبية في الشيخ مقصود والأشرفية. ولأول مرة في تاريخ الثورة السورية، انعكس هذا الموقف على قواعد اشتباك المقاتلين. وبينما كانوا في خضم المعركة في حماة، منعت هيئة استعجالية لحراسة الأحياء التي تضم حوالي 10 آلاف رجل أي عمليات نهب أو سلب على نطاق واسع في حلب. وبالمثل، لم يكن هناك نزوح جماعي للسكان. ومن ناحية، من المؤكد أن التعليمات ضمنت انضباط القوات، ومن ناحية أخرى، فإن جزءاً من مسيحيي حلب كانوا على اتصال مع المسيحيين في مناطق إدلب، الذين طمأنوهم حيث سبق أنهم قد وافقوا على العيش تحت سلطة هيئة تحرير الشام في إدلب.

هذا "السير الحسن" النسبي للحرب، والذي تشهد عليه عشرات الشهادات من وجهاء محليين مسيحيين وأكراد وشيعة في حلب وحمص ودمشق، غالباً ما يُعزى إلى براغماتية الحركة. في الواقع، إنه يشهد على تحول أيديولوجي عميق قامت به هيئة تحرير الشام في زمن "السلام"، أي قبل فترة طويلة من هذه الحرب، في جيب إدلب. هيئة تحرير الشام ليست حركة تحولت بعد مراجعة عقائدية كبرى إلى الابتعاد عن التطرف، كما هو حال بعض الجماعات الجهادية المصرية أو الليبية. كان مسار اجتثاث التطرف يعمل بالفعل منذ عدة سنوات، من خلال سلسلة من التكيفات التكتيكية المتتالية مع البيئة الجيوستراتيجية الجديدة أو المحلية. شكلت هذه التكيفات المحرك الرئيسي لإعادة تمركز سياسي لا يستند، مع ذلك، إلى عقيدة جديدة. هذه "الثورة الصامتة"، التي لم يتم التنظير لها، عميقة ودائمة في آن واحد.

القطيعة مع القاعدة

وتمثل الفعل الأول من إعادة التموضع هذه في القطيعة مع الجهاد العالمي وقطع الروابط التنظيمية مع "القاعدة"، والتي أعقبتها قطيعة أيديولوجية مع مفكري الجهاد العالمي، مثل أبو محمد المقدسي. وكان هؤلاء قلقين بشكل خاص من تمييع الفكر الجهادي في حركة ثورية ذات ملامح سياسية وعقائدية غامضة. تصاحب الانفصال عن الجهاد العالمي مع إعادة التواصل مع المجال المحلي، والذي بدأ بعد عام من ذلك، في 2017. في ذلك العام، سهّلت هيئة تحرير الشام إنشاء أول هيكل مركزي في إدلب، وهو حكومة الإنقاذ السورية. وتحت شعار إضفاء الطابع المؤسساتي (المأسسة)، ركزت السلطة بين يديها. وبالتالي، أصبحت كل الهيئات المحلية المنبثقة عن سنوات الثورة، الفصائل ولجان المعارضة المحلية وكل هذه الهيئات المعارضة التي كانت مدعومة من الغرب، منافسة.

ورغم أن الحوكمة تُعد أداة للسيطرة، فإنها تتحول في الوقت نفسه إلى مساحة للمعاملات والتنازلات الأيديولوجية بالنسبة لهيئة تحرير الشام. وعلى عكس الأكراد الذين يمتلكون إدارة مستقلة في شمال شرقي سورية، ولديهم أيديولوجية وبيروقراطية دولة حقيقية، لم يكن لدى هيئة تحرير الشام أي تصور طوباوي لحكومة الإنقاذ. كان الجولاني يصفها بأنها حكومة "تسيير أزمة"، أي أنها مؤقتة. وتمت إقامة هذا الهيكل بالتعاون مع النخب المحلية، والتكنوقراط الثوريين أو الإسلاميين، مثل محمد البشير، المسؤول اليوم عن إنشاء أول حكومة انتقالية. البشير أكاديمي ومهندس ذو خلفية دينية، ولكن ليس له ماضٍ إسلامي راديكالي. ومع ذلك، تبقى الحكومة تحت سيطرة الدائرة الأولى للجولاني في القضايا الاستراتيجية. وكان الهدف المنشود من هذه المأسسة هو التخلص من إرث مزدوج. يتمثل الأول في الطابع المجزأ لـ"ثورة بلا ثوار" الأصلية، والتي لا تزال ممثلة في الفصائل والمجالس المحلية العديدة. أما الإرث الثاني فهو الهيكلية اللامركزية لجبهة النصرة، التي كانت تعمل في شكل قطاعات، كل منها يسيطر عليها ثنائي يمثل السلطات الدينية والعسكرية، وهي هيكلية حاضنة لفرع متطرف منبثق من السنوات الجهادية الأولى. وهكذا فإن "إعادة التوطين نحو المحلي" الضرورية لقطع العلاقات مع الجهاد العالمي أدت في الوقت نفسه إلى ديناميكية نزع التطرف، ليس بدافع الحرص على الاعتدال، بل من منطلق الرغبة في السيطرة.


تبنت هيئة تحرير الشام المذهب الفقهي الشافعي

المجتمع "يثأر"

ولمواجهة نفوذ شيوخ الجهاد العالمي وإقامة إطار مرجعي أيديولوجي بديل، مع الاستمرار في ترسيخ نفسها محلياً، تبنت هيئة تحرير الشام المذهب الفقهي الشافعي، وهو أقرب إلى تصوّف السكان المحليين. وهذا يسمح لها بمواصلة تقويض وزن الحرس السلفي الجهادي القديم، من خلال تعقب الخلايا المتبقية من تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش)، وذلك بفضل وحدتين خاصتين من الأمن العام في إدلب. وقد تم استبعاد بعضهم واعتقال بعضهم الآخر. أما الباقي فقد تم تمييعه في هياكل دينية أوسع، لا سيطرة للسلفيين عليها، مثل دار الإفتاء. ولتسيير 1200 مسجد في إدلب، كانت هيئة تحرير الشام مخيّرة بين فرض رجالها أو ترك المكان لرجال الدين القاعديين من المجتمعات المحلية. وفضّلت الهيئة الخيار الثاني، من دون فرض خط توجيهي وحيد لخطب الجمعة. وفي أقصى تقدير، تقترح وزارة الشؤون الدينية مواضيع مرتبطة بقضايا شعائرية أكثر منها عقائدية وأبعد من أن تكون جهادية، وتاركة الأمر للخطباء في تبنيها من عدمه.

وفي هذا السياق، فإن الممارسات الصوفية المبغوضة من السلفية المتشددة، عادت تدريجياً من خلال الاحتفال بالمولد النبوي وجلسات الذكر الديني وزيارة أضرحة الأولياء، أو الاعتراف بالمعاهد الدينية الصوفية. في حين يدعو السلفيون إلى "تطهير العقيدة" وإصلاح المجتمع، يحدث العكس مع هيئة تحرير الشام. نحن نشهد عودة المجتمع الذي يحوّل الحركة في العمق، ليس في أيديولوجيتها، التي لا تزال غامضة، ولكن في مواقفها وفي تسييرها اليومي في حكم إدلب. ومن خلال تفاعلها مع المجتمعات المحلية، نزعت هيئة تحرير الشام "الطابع السلفي" عن نفسها. إذا كانت الجماعة تتقبل عودة المجتمع هذه، فيعود ذلك أولاً لقلة عددها، ثم لأنها لا تريد استعداء السكان. والأولوية في نظرها هي الجهد العسكري ضد النظام، وليس الدعوة العقائدية. ومن ثم جاء الاصطفاف العقائدي نحو "وسطية" فقهية جامعة توجد "بين المبالغة في الغلو من جهة، والحماسة المنحرفة في الإسلام الصوفي من جهة أخرى "، بحسب أحد المسؤولين الدينيين للحركة.


نزعت هيئة تحرير الشام "الطابع السلفي" عن نفسها

مصير الأقليات الدينية

أما بالنسبة للجولاني فيجب ألا ننسى أنه مقاتل، وثائر يحلم بـ"المساء الكبير"، ولا يشعر بالارتياح في دور الحاكم لجيب فقير وغير مهم استراتيجياً مثل إدلب. وبالنسبة له فإن المواجهة مع دمشق كانت دائماً الهدف. ولكنه أيضاً سياسي مضطر لتقديم تنازلات ليس فقط من الناحية الأيديولوجية، في مواجهة مجتمع محافظ ولكن ليس راديكاليا، بل أيضاً من الناحية العسكرية والاستراتيجية. في مارس/آذار 2020، وبعد معركة استمرت تسعة أشهر ضد النظام وخسارة 40% من الأراضي التي كانت تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، وقّعت تركيا وروسيا هدنة أنهت قتالهما في شمال غربي البلاد. ولم تكتف هيئة تحرير الشام بتأييد الهدنة فحسب، بل دافعت عنها أيضاً من خلال فرضها على الجماعات المسلحة الأخرى المتواجدة على خط المواجهة. وهنا مرة أخرى، فإن التعاون مع تركيا ليس بديهياً ويتطلب إعادة تموضع أيديولوجي. كان الوجود التركي موضع خلاف منذ 2018 في الأراضي الخاضعة لسيطرة المتمردين. بالنسبة للبعض فإن الجيش التركي، جيش تابع لحلف شمال الأطلسي، منبثق من دولة علمانية، يعد تنظيماً ملحداً، و"الاستعانة بالكفار" مرفوضة من قبل بعض الشيوخ المستبعدين من الحركة.

ومن شأن إعادة التموضع الاستراتيجي هذه أن تزيد من حدة الاستقطاب في مواجهة ما تبقى من الجماعات الراديكالية، ولا سيما تنظيم "حراس الدين"، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، الذي شن هجوماً ضد النظام في يوليو/تموز 2020 وخرق الهدنة. وقد ردت هيئة تحرير الشام على ذلك بفرض نزع السلاح عن هذه الحركة. ومنذ ذلك الحين، دخل أعضاء حراس الدين في السرية. وفي المرحلة نفسها، بدأ الجولاني يشعر أن قاعدة النظام، خصوصاً العلويين، بدأت تضعف. ورأى أن هناك فرصة استراتيجية سانحة وأراد أن يموضع نفسه شخصية ذات بعد وطني. وقد اعتمد في ذلك على الأقليات الموجودة في جيب إدلب، وهي ثلاث قرى مسيحية يعيش فيها حوالي 800 شخص، وطائفة درزية تقلصت من 18 ألفاً إلى 6 آلاف نسمة خلال الحرب الأهلية. وكانت أول بادرة تجاه هؤلاء المسيحيين هي رد منازلهم إليهم التي احتلت جزءا منها عائلات المقاتلين، أو حتى المقاتلون الأجانب، من مجموعات غير تابعة لهيئة تحرير الشام. لقد تطلب الأمر الكثير من المفاوضات. وكانت هناك أيضاً مناقشات مطولة وأكثر تعقيداً بشأن استرجاع الأراضي الزراعية. وهي مشاكل ما زالت لم تحل بعد. ولكنها كانت ديناميكية كافية كي يقوم مسيحيون تحت حماية هيئة تحرير الشام، بمغادرة مناطق النظام التي لجأوا إليها والعودة في 2022 إلى قراهم حول إدلب.


لم تقم هيئة تحرير الشام بإجراء أي تحديث أيديولوجي

إعادة تموضع أيديولوجي

حتى الآن، لم تقم هيئة تحرير الشام بإجراء أي تحديث أيديولوجي. فهي تفضل البقاء في نوع من الغموض، بدلاً من الإعلان بوضوح عن خط قد يؤجج معارضة المحافظين الذين لا يزالون في الحركة. ومع الاستيلاء على دمشق، أصبح هذا التوضيح الأيديولوجي أكثر أهمية من أي وقت مضى، ويتمثل الرهان هنا، في التقبل المحلي من جهة، والاعتراف الدولي بالسلطة الجديدة في دمشق من جهة أخرى. في الواقع، عندما نطلب من قادة الحركة تعريف أنفسهم، نحصل على عدد من الإجابات يساوي عدد الأفراد الذين يتم استجوابهم. يعرّف البعض أنفسهم محافظين سنّة، وآخرون ثوارا إسلاميين، وبعض آخر جهاديين سياسيين... لذا فمن الأفضل الانتظار قبل تصنيفهم بشكل نهائي. وقد قال لنا في وقت ما أحد قادتهم: "سنكون نتاجاً للديناميكية الحالية أكثر من كوننا نتاجاً لأيديولوجية مسبقة". وهكذا فإن هيئة تحرير الشام حركة تتحوّل بشكل كبير على مراحل متتالية لأسباب مرتبطة إما بالقيود الاستراتيجية التي يفرضها محيطها الإقليمي (وجود تركيا)، أو بالتكيف مع المجتمع المحلي. وهي تتطور هكذا نحو إعادة تموضع أيديولوجي سنّي، إسلامي، محافظ وثوري. لكن هذا يسبب مقاومة من الأجنحة المتشددة. وحرصاً على التماسك، يتم إقصاء هذه الاخيرة أو إسكاتها. نحن في نوع من المنطق الترميدوري (مصطلح أُطلق على انقلاب داخل الثورة الفرنسية في عام 1794 أطاح بماكسيميليان روبيسبيار). نطوي صفحة الإرهاب، ونراهن على الأغلبيات الصامتة لتعزيز السلطة في الداخل والقضاء على ما تبقى من الأقلية الراديكالية، وأيضا للتموضع بديلا وطنيا. عندما انفتح الجولاني على الأقليات المسيحية والدرزية، وعلى عكس الكثير مما قيل من قبل المعلقين، لم يكن هدفه مغازلة الغرب بقدر ما كان توجيه رسالة إلى البلاد مفادها أنه بديل ذو بعد وطني وليس مجرد قائد متمرد.

في الواقع، إن الانتقال من تجربة إدلب إلى تجربة دمشق، أي تغيير النطاق من المحلي إلى الوطني، يخلق تحديات على عدة مستويات وذات طبيعة مختلفة. التحديات النوعية أولاً: كيف يتم التصور للانتقال من حركة مجهزة بشكل أكثر للعمل المسلح والحكم المحلي بدلاً من الحوكمة الوطنية، والتي لها بالطبع بعض الخطوط الحمراء (تجنب اجتثاث البعث كما في العراق، وكبح الرغبات العنيفة في الانتقام والتعامل مع الأقليات)، ولكن ليس لها استراتيجية واضحة. ثم هناك تحدٍ كمي: حكومة الإنقاذ السورية هيكل صغير بأقل من سبعة آلاف موظف. ولا تعد هيئة تحرير الشام حركة جماهيرية يمكنها الاعتماد على ترسيخ نفسها في القطاعات المهنية والطبقات المتوسطة. هناك عجز هائل في الموارد البشرية، وقد تواجه دائرة صنع القرار الحالية خطر التشبع، على الأقل على المستوى الأمني. وتجنّد هيئة تحرير الشام حالياً ما بين 10 آلاف و15 ألف مقاتل. إنهم يمثلون القوة المهيمنة في القتال ولكنهم ليسوا الوحيدين. ويجب عليهم السيطرة على انتشار الأسلحة في المجتمع وكذلك إعادة تشكيل المليشيات المتمردة في ظل الفوضى الحالية. ثم يجب تجنب المنافسة بين الفصائل.

وأخيراً، يجب التحكم في الجماعات الجهادية، وليس فقط الأجنبية، في سياق تجدد الخطاب الطائفي على الرغم من خط الحركة ومبادرات التهدئة المتعددة بين القيادة الجديدة ومختلف الطوائف. وقد تعاون هؤلاء بسرعة، الشيعة في دمشق وشمال حلب، والمسيحيون في حلب وحمص، والعلويون في الساحل وفي دمشق، والدروز في الجنوب والعاصمة. وفي حين تنتمي إدلب ككل إلى نظام بيئي اجتماعي مريح بالنسبة لهيئة تحرير الشام (مسلمون سنّة، محافظون وثوريون)، فإن الانتقال من إدلب إلى دمشق يتطلب التفكير في التنوع الطائفي، ولكن أيضاً في التزام النخب الحضرية الدمشقية والدخول في اللعبة الجيوستراتيجية من الباب الكبير، بوابة دمشق.


يُنشر بالتزامن مع "أوريان 21"
https://orientxxi.info/ar